من أرشيف وائل عباس

أسطورة عَبَدَة الشيطان: جلسة وديّة مع عبد الله كمال

منشور السبت 23 يناير 2016

* استخدم صاحب هذه الشهادة اسمًا مستعارًا حفاظًا على خصوصيته 

يناير 1997، مش فاكر تاريخ اليوم

رمضان وأجازة نص السنة. لسه راجع بيت أهلى، خبيت علبة السجاير فى مدخل العمارة كالعادة. وأكلت بونبوناية هولز عشان أغطى على ريحة السجاير، أو على الأقل كنت متخيل إنها بتغطى ريحة السجاير. دخلت البيت الساعة 11 بالليل تقريبًا، أول حاجة عملتها كلمت صديق لسبب أو لآخر، بس كان طول عمره واحد من الناس اللى بستأنس بيها:

  • أنا: آلو، إزيك يا واد؟
  • صديقي: إنت فى بيتكم؟
  • أنا: آه، لسه راجع من اسكندرية من شوية.
  • صديقي: يعنى انت فى بيتكم يعنى ماتمسكتش؟
  • أنا: يابنى بطل كلام فارغ، اتمسكت إيه، إنت بتصدق الهبل ده، دى شوية إشاعات…
  • صديقي: والله مش باهزر معاك، فلان قبضوا عليه من بيته، فلان مختفى، وفلان جاله استدعاء من أمن الدولة. وأنا خبيت الشرايط والبوسترات والسى دي هات عند خالي. وأنا شخصيًا رايح أبات عند واحد صاحبى الكام يوم اللى جايين
  • أنا: ………

مش قادر أفتكر المكالمة خلصت على إيه، بس اللى متأكد منه إن الكام ساعة اللى بعدها ممسوحين من ذاكرتى. مش فاضل غير الشعور اللى حاسس بيه دلوقت: فراغ جوه صدرى مش قادر أوصفه، وشعور كما لو كان جسمى قرر يحط مدلول حسى للفزع والاكتئاب.

20 يناير 2016

ستيفن كنج له رواية كتبها فى الثمانينات اسمها IT، بتحكى عن مجموعة من الناس فى العقد الرابع كانوا أصدقاء طفولة لا يتفرقون. اجتمعوا بعد أكتر من عشرين سنة عشان يواجهوا أكثر شىء مرعب فى حياتهم.

شعورى فى اللحظة اللى باكتب فيها الكلام ده دلوقتي هو إنى واحد من الشخصيات دى، باكلم عدد من أصحابى القدام من اللى كانو فى المعمعة دى سواء اللى اتقبض عليهم، أو اللى زيى فلتوا إما بمعجزة أو لأنهم مسنودين أو لأى سبب تانى أنقذهم.

الشىء الغريب هو إننا على مدار السنين اللى فاتت دى كلها كنا بنتقابل ونتكلم فى كل حاجة بلا استثناء: دين، سياسة، كورة، ثورة، حيوانات أليفة، مزيكا؛ بس ماحدش فينا عمره فتح الموضوع ده مع رفاق المأساة. مش عارف إيه السبب؟ بس زي ما يكون بيننا كلنا اتفاق إننا مانفتحش الموضوع ده.

 النهارده لما اتكلمنا فيه، ولما قريت شهادة أول صديق فى الموضوع؛ عرفت إن عدم كلامنا كان القرار الأصوب، بدون مبالغة، دا جرح واتفتح!


اقرأ أيضًا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: 19 عاما على مطاردة "المَتّيلة"


يناير 1997، قبل اليوم المشهود بـ24 ساعة

قبل يوم واحد من المكالمة، في محطة سيدى جابر، نزلت من القطر التوربينى، واتنين من أعز اصحابى واقفين على رصيف القطر، أحضان و شتايم، بعدها العيال خدوا منى شنطتى ونطينا فى تاكس على بيتنا اللى فى اسكندرية، اللي رحته عشان أخلص طلب لأبويا وأمي.

وإحنا فى الطريق للبيت قلت للعيال أنا عايز أشوف الواد فلان وأخوه، صديقى الأضخم جثة قاللى: "لأ، بلاش اليومين دول، فى قلق جامد"، رديت بعدم تصديق وشوية عند: "يابنى الهبل بتاع عبد الله كمال ده شوية كلام جرايد"، واستمريت في إقناعهم برأيى لحد ماوصلنا البيت.

صاحبي، ربنا يكرمه، اترجانى واستحلفنى بكل عزيز وغالي: "بلاش المرة دى". صَعُّب على إنى أكسف صاحبى ده، رميت الشنطة فى البيت ونزلنا جيبنا السحور واتسحرنا والناس روحت.

تانى يوم عملت اللى طلبه مني أبويا وأمي ورحت فطرت عند واحد من أصحابى دول وخدت القطر ورجعت القاهرة، خبيت السجاير فى مدخل العمارة، كلت بونبوناية هولز، كلمت صديقى إياه فى التليفون….

فى نفس الوقت اللى ناوي أعدى فيه على أصحابى إياهم فى اسكندرية، أمن الدولة كان إما بيقبض عليهم؛ أو بيتحرى عن تحركاتهم استعداداً للقبض عليهم. ربنا يسترك يا واد يا سام، كان معاك حق وربنا بعتك تنقذنى من مصير مش لطيف بالمرة.

الصور فى الجرايد والمجلات مليانة وشوش عليها شريطة سودا، أنا عارف الوشوش دى وعارف أصحابها. الشريطة السودة اللى حاطينها على عينهم مش هاتخبى شخصيتهم، أصحابهم عارفينهم، أهلهم عارفينهم، وجيرانهم عارفينهم!.


اقرأ أيضًا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: لماذا أكتب الآن؟


 

                              

لوجو فريق الرايدرز الأمريكي لكرة القدم
استخدمته الصحف وقتها كرمز لعبد الشيطان 

   

يناير 1997، اليوم التالى لوصولى إلى القاهرة

بدأت الهستيريا، الجرايد والمجلات طالعة بمانشيتات ومقالات عن عبدة الشيطان. الإشاعات مش بتبطل، وأصحاب أمى وأبويا كل واحد بيخترع حاجة شكل. واحد صاحب أبويا قاللى كلام فى منتهى الحقارة عن انتهاك مقدسات وقاللى إنه متصور فيديو، ابتديت أضغط عليه، "شفت الفيديو؟"، قال: "لأ" قلتله: "طب معلهش يا أونكل، بطل ترمى الناس بالباطل".

الصور فى الجرايد والمجلات مليانة وشوش عليها شريطة سودا، أنا عارف الوشوش دى وعارف أصحابها. الشريطة السودة اللى حاطينها على عينهم مش هاتخبى شخصيتهم، أصحابهم عارفينهم، أهلهم عارفينهم، وجيرانهم عارفينهم!

جمال بدوى، مفيد فوزى، جمال الشاعر زاطوا طبعاً، فاكر جمال الشاعر وهو بيعمل انترفيو مع واحد من الناس اللى أعرفها، وكان بيوصف إنه زعيم فى التنظيم، وبيسأله بتعمل إيه فى يومك؟، فصاحبي قال: عادى باقرا قرآن..

- بتقرا قرآن زينا؟

- يعنى إيه زيكم؟

- يعنى من اليمين للشمال؟ (مشيراً لإشاعة أنهم يقرآون القرآن بالعكس)

ليلتها جمال الشاعر ختم الحلقة بانه مسك تليفون وطلب 6 وبعد تردد 6، وبعد تردد شديد وكان هايعملها على روحه خلاص طلب رقم 6 للمرة التالتة، و قال شىء مفاده إن المنحرفين دول بيطلبوا الرقم ده عشان رقم الشيطان (مشيراً لرؤيا يوحنا الواردة بالإنجيل).

ربنا ستر وماحدش من المتطرفين اللى حاولوا يقتلوا نجيب محفوظ وقتلوا فرج فودة حاول يموت حد من العيال اللى صورها جت فى الجرايد والتلفزيون، ساعتها ماكانش هايحصل حاجة، وكان مفيد فوزى هايكمل ضبط باروكته، وجمال الشاعر يطلع يتقمص دور عمرو خالد: "يا خوانا ياخوانا الدم حووااام حووواااام حتى لو كفوة!".

يا عم ده حتى أحمد السقا أدلى بدلوه واتهم البنك فلوييد el benk floyed بإنهم بيبوظوا العيال ويكرهوهم فى المدرسين.


اقرأ أيضًا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: إكويليبريوم 1997


يناير 1997، برلمان مصر

أشرس برلمان يواجه حسنى مبارك، عدد من الأحزاب الكرتونية مش بتبطل تمثيل، وجرايد المعارضة بتاعة الأحزاب شغالة سلخ فى الحكومة، ومش عاتقين ولا وزير ولا رئيس وزارة.

سبحان الله، البرلمان في الوقت دا مرر قانون بيسمح بتأسيس مطارات خاصة فى مصر، ولا سمعنا صوت لأعضاء البرلمان ولا جرايد المعارضة اللي كانت مركزة في سب ولعن أولاد الأغنياء "اللى لموا ثرواتهم من الحرام ودم الشعب وبعدين عبدوا الشيطان". جمال بدوى، لما بافتكرك بادعى ربنا يلعنك ويطردك من رحمته وتتجازى فى الآخرة بإفكك فى الدنيا.

قعدة قهوة مع عبد الله كمال

                                          

الكاتب الصحفي عبدالله كمال- رئيس التحرير الأسبق لروزاليوسف

القضية نفسها كان لها مخطط أشبه بالمخططات الحربية، كان فى تمهيد نيرانى تمثل فى سلسلة تحقيقات صحفية أجراها عبد الله كمال، كان وقتها صحفي تحقيقات فى روزاليوسف، وبعدها طبعًا استمر في الترقى لحد ما بقى رئيس تحريرها.

رئيس تحرير روزا وقتها كان عادل حمودة، وكان كييف إثارة وأى شىء جنسى، كان وقتها غلاف روزا مليان درر بالبنط العريض كدة زي: "كيف يمارس المسنون الجنس فى حمامات المدارس المهجورة".

وقتها وأنا عند بتاع الجرايد لفت نظرى مانشيت عن عبدة الشيطان، اشتريت المجلة، دورت على رقم التليفون وطلبت أقابل عبد الله كمال، وقابلته بعدها بيومين، كان قاعد بيشيش على قهوة فى شارع الدويدار فى حدايق القبة.

نظراً لأن الموبايلات كانت نادرة جداً وقتها، الطريقة الوحيدة اللى كان ممكن أعرف بيها عبد الله كمال هى إنى أسأل القهوجى.

 القهوةاللي كان قاعد عليها كانت قهوة بلدى عادية جداً من اللى كباية الشاى فيها بأقل من جنيه، ماكانتش قهوة أفندية من  اللى ابتدوا يظهروا في أواخر التسعينات ويقدموا شيشة تفاح و نسكافيه باللبن.

عرفت بعد كده إن عبد الله كمال نفسه ساكن فى بيت عادى جدًا فى حدايق القبة، ومعندوش عربية، بس مش ده أهم شىء.

قعدت مع الراجل حوالى عشر دقايق على القهوة وقمنا خدنا تاكسى لحد منشية البكرى. كان فى هناك عيال عاملة جرافيتى ميتال بأخطاء مرعبة فى الإنجليزى.

ساعتين تقريبًا بنتكلم لحد ما افترقنا، راجل لطيف جداً، مش صدامي وبيشترى وما يبيعش (بيسمع اكتر ما بيتكلم). سمع كل حاجة كان ممكن أقولها، سألنى على شخص واحد بعينه كان بيعتبر زعيم الشلة اللى بتقف قدام ماكدونالدز الميرغني في مصر الجديدة. سألني: خلفيته إيه؟ عايز إيه؟ زعيم إزاى؟ بياخد امتيازات إيه من أتباعه؟. كان ردي على الجزئية دى إنه عيل غلبان ومافيش حاجة وراه وآخره إنه بيروش.

واستفضت معاه فى مسألة البعد الطبقى للمسألة. بعد كده هو اللى جاب سيرة "العيال بتاعة اسكندرية" وإنهم بيراسلوا فرق من إسرائيل.

بس غير كده ماكانش بيرد، بيسمع ويسمع ويسمع. الأكيد إنه الراجل ما حورش كلامى، بس ما ذكروش بالمرة، باستثناء الإشارة لي فى أقل من سطر فى تحقيق الأسبوع اللى بعد كده.

قضيت معاه أكتر من ساعتين بافهمه إن مافيش علاقة ما بين الموسيقى والممارسات اللي كاتب عنها، وإن أغلب حشاشي مصر بيحبوا يسمعوا أم كلثوم وهم بيحششوا، مش معنى كده إن أم كلثوم تحض على التحشيش. وشرحت له إن فى فئة بتاخد منظر وأسلوب شاذ نسبيًا عن المألوف، وده رد فعل طبيعي على الطبقية اللى القدام (اللى أنا منهم) بيمارسوها ضدهم، بدعوى إنهم مش بيعرفوا لغات أو ببساطة "عيال بيئة".

حاجة تانية، الراجل كان قارى عن عبادة الشيطان ولما كلمته عن اليزيديين، كمل كلامي وفتح كلام عن أنطون لافى وأليستر كراولى. بس واضح إن قرايته كانت لرؤوس أقلام تمت ترجمتها له، مكنش عارف تفاصيل، وماكانش يعرف إنجليزى بالقدر الكافي عشان يقرا بشكل أكبر وأوسع، وده كان واضح من نطقه حرفين  الـF  والـV، ملاحظة نطقهم عادة طريقة سهلة إنك تعرف إذا كان الشخص قاري باللغة الأصلية، أو قارى ترجمة.

الراجل ده كان ناعم جدًا، بيسمع كويس قوى، بس اللى كتبه تجاهل فيه تماماً كل اللى أنا قلته، كنت محتار جداً إزاى هو بيكتب اللى بيكتبه ده بعد كل الشرح وصوتى اللى اتنبح، الله أعلم إيه الأجندة اللى كانت وراه. بس اللى أقدر أقوله إنه نوعاً ما كان قائد الأوركسترا، وبعدها بمافيش لقيناه نائب رئيس تحرير روزاليوسف.


اقرأ أيضًا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: من "أوضة سامي" إلى ميدان التحرير


 

خضرة الشريفة

الاتنين اللى أنا فاكرهم كان عندهم مزيج العقل عشان ما يصدقوش الهرتلة دى والشجاعة إنهم يقولوا كلمة الحق، كانوا اتنين: أحمد عبد المعطى حجازى ومحمد سلماوي.

لو قدر لى إنى أكمل شهادتى هابقى أحكى لكم عن أسامة كمال، ومحمد عبد المنعم الصاوى، وهالة حشيش و دورهم مع مجتمع الميتال فى مصر.