من أرشيف وائل عباس

أسطورة عَبَدَة الشيطان: لماذا أكتب الآن؟

منشور الخميس 21 يناير 2016

أنا ليه عايز أكتب في الموضوع دا؟ غير إنها غلاسة وألش على أم الدنيا اللي خدت في الرجلين بكل غشومية جيل هايل من الموسيقيين، أعتقد هو جزء من التعامل المتأخر مع صدمة وحزن 19 سنة يادوب كافيين للنضوج والخروج من الكبت والقهر. فكرة إن الواحد بيتعامل مع الموضوع كأنه الهولوكوست الشخصي بتاعه بقى دمها تقيل.

من ناحية، الواحد عدّا بتجارب أكثر كابوسية - خصوصا من بداية الثورة في 2011، ومن ناحية تانية لو الواحد عايزها لطمية تاريخية، يبقى على الأقل يقدم سردية حقيقية تتحدى السرديات الأنتيكة اللي الملف دا بيواجهها.


اقرا أيضًا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: 19 عامًا على مطاردة المتيلة


مابين أساطير عبدالله كمال عن غزاة الفضاء والتنظيمات الماسونية الممولة من إسرائيل، لأساطير فهمي هويدي عن دور أنصار الحريات وحرية الاعتقاد ودورهم في تشتيت الشباب التائه، الكل أكل عيش وأدلى بدلوه في رسم صورة مش حقيقية.. بل وجوّد كمان (جوّد من التجويد).

عندك مثلا شيخ الأزهر والبابا طالبوا بإقامة الحد وشنق الشباب الكفار دول في ميدان عام ليكونوا عبرة لمن يعتبر. 

خليط من الأبوية والذكورية والتدين وحب الوطن، ضيف عليه أساطير عن الكائنات الخرافية اللي نازلة تهدد أمننا وسلامنا.. مع كثير من الجهل.. خلقوا جو دراماتيكي خلّا الأهل يشكّوا في ولادهم ويتوجسوا منهم.. الخليط دا ممكن يفسّر تصرفات الأب، اللي كان واقف تحت المبنى اللي جواه ابنه مع أكتر من تسعين شاب شعرهم طويل، بيصوّتوا من الألم وهم بيتقلّعوا وبينطلق عليهم كلاب مسعورة في أول حفلة استقبال وتعذيب، بعد القبض عليهم بكام ساعة يوم 22 يناير 1997، والأهالي شايفينه بيهتف بعلوّ صوته "إدوله.. إدووووله.. إدوله ابن الكلب دا.. ما أنا أصلي خلفت بغل". 

والخليط دا خلّا نجوم أكلوا عيش على قفا الشباب دول بين 90 و97 يعملوا من بنها. عندك مثلا أسامة كمال اللي كان عامل برنامج الراديو "مونسترز أوف روك.. مونسترز أوف ميتال" اللي كان بيتذاع كل خميس الساعة 11بالليل.. وبسببه عمل شغل مع محمد الصاوي لتنظيم مهرجانات "مونسترز أوف روك" و"روك إن" اللي على 96 كان الحضور وصل لعشرين ألف روكر rocker. مشهد الميتال كان بيكبر وبيتطور بشكل غير مسبوق.. والمواهب اللي طلعت منه كانت رهيبة.


اقرأ أيًضا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: إكويليبريوم 1997

 


في لحظة كل دا اتهد.. وأسامة كمال طلع في التلفزيون يحلّل ويتكلم كخبير في الولا حاجة، وساب العيال اللي أكَل من وراها بغاشة في السجن بيتمثّل بيهم وبسمعتهم. والصاوي اتدارى وركّز ما شاء الله في مستقبله وعمل "الساقية" وبيحتوي الشباب بتوع الفن الهادف.. ولو هايلعبوا ميتال يا ريت يسلّموا كلام أغانيهم الأول "حتى يطمئنّ قلبي".

هالة حشيش قفلت برنامج الراديو وقالت تربّي بنتها أريَح من وجع الدماغ.. وطلعت زين طلع في التلفزيون يفتي وهو مش عارف الفرق بين البلاك ميتال Black Metal والبلاك ميوزيك Black Music المتعلقة بالسول Soul والبلوز  Blues وفضل يهري في أصلها الميسيسيپاوي!

 

لوجو فريق الرايدرز الأمريكي لكرة القدم..
استخدمته الصحف وقتها كرمز لعبد الشيطان 

وظهر على التلفزيون المذيع جمال الشاعر اللي عمل حلقة عن الموضوع وحَبّ يعمل جو ساسپنس ويكلم الشيطان عن طريق انه يطلب على التليفون نمرته "666" ولما الكاميرا قربت من وشه نفاجأ بيه بيحسبن ويحوقل! ساعتها استعانوا بجمال الشاعر علشان عنده قبول ومصداقية عند الجماهير المراد تخويفهم، وراح في الحلقة للمعتقلين واقتحم الأسوار لمقابلة كبير المسجونين في سجن المرج (وبدون ذكر أسماء، كان الإعلام يطلق عليه اسم أمير التنظيم).

وأثناء الحوار عَدِّت قطة في الخلفية وتقريبا حد من العساكر شاطها قبل ما تدخل الكادر.. راحت مصوّتة. ساعتها جمال الشاعر اللماح العبقري استغل الموقف وسأل الأمير: سمعت! سمعت إيه يا فندم! القطة! قطة إيه حضرتك؟ القطة اللي لسة مصرّخة دلوقتي حالا! آه حضرتك سمعتها.. مالها؟ حسيت بإيه؟ إيه المشاعر اللي كانت جواك وانت بتسمعها؟ الولد طبعا اتصدم من ضحالة أحد كبار الشعراء اللي كان بيحترمهم واتخنق من إصراره على تصديق وتكرار رواية الدولة إن العيال دي بتروح قصر البارون وبترقص عرايا وبيشربوا دم قطط وبيمارسوا طقوس منها شذوذ جماعي.

دي نماذج للنجوم اللي غسلوا إيديهم بدري بدري وشاركوا في أذى شباب كتير وشاركوا في نشر الجهل والقضاء على جيل من الموسيقيين معظمهم طفش من البلد.

الزغاليل اللي نفذوا الأذى بقى دول عايزين شغل بعد الضهر. رجال الداخلية الأشاوس.. ودول ما زالوا بيبهروني بثقافتهم العالية وحسهم الأمني العظيم واحترافيتهم الشديدة. مثلا فكرة إنهم ينفذوا عملية القبض على التنظيم في رمضان دي كانت مقصودة.. والهدف هنا كان ضمان القبض على أتباع الشيطان حيث انه هايكون مِسَلسِل وبإذن الله مش هايعرف يحمي رجالته.

مشهد الميتال

في حواري مع "هشام" اللي هيتنشر على المنصة هانلاقي مثلا إنهم صحّوا مساجين سجن المزرعة على حفلة خروج أقسى وأعنف من حفلة الاستقبال اللي اتعملت فيهم قبلها بحوالي كام يوم.

هاسيب هشام يحكي نوادره جوة المعتقل والحق أحكي حكاية ضابط أمن الدولة اللي طلب ناس أصحابي شغالين ديچيهات علشان يروحوله مكتبه في لاظوغلي يقابلهم ويعمل تحرياته علشان تم اختيارهم يلعبوا مزيكا في حفلة راس السنة بتاعة بنت الألفي وزير الداخلية. وأثناء المقابلة فضل الضابط دا يتنطط على أصحابنا اللي راحوا يقابلوه عن القدرات الخارقة لجهازنا الأمني، وإزاي هم عارفين أم إتنين اصحابنا إخوات - بيلعبوا جيتار في فرقة روك مشهورة - بتشيل المكوة في أنهي أوضة في بيتهم.

طب يا جن! الكوميديا إنهم نسيوا يقبضوا على الجوز ساعة الحملة يوم 22 يناير. والكوميديا الأكبر إنهم لما راحوا يقبضوا علي صديق جيتاريست تاني من المعادي، قبضوا بالغلط علي أخوه اللي مالوش في المزيكا وآخر إهتماماته كانت الرياضات البحرية في سينا.

يومها الصديق اللي فهم سبب القبض (بعد ما أهل اتنين من رفقاء الدرب كلموه وقالوله إن صحابه في الفرقة اتشدّوا) فضل يقول لهم انتم غلطانين.. انتو جايين علشاني أنا مش أخويا.. ولا الهوا.

كل الكوميديا دي كانت جوة والسادة الصحفيين كانوا بيتباروا في الجهل برة. شفنا صور كاب فريق الرايدرز وألبومات بون چوڤي Bon Jovi ولوجوهات هارلي ديڤيدسون Harley Davidson متصدرين عناوين الجرايد والمجلات كونهم أيقونات لعبادة الشيطان.

شفنا تحليلات وفتيْ بيّن عن الإزيدية واليزيدية والماسونية وعلاقتهم بإسرائيل وعبادة الشيطان.. دا غير قصر البارون وطقوس الرقص عرايا وممارسة الشذوذ الجماعي بعد شرب دماء القطط! حاجة تقطع القلب بصراحة!!

 

بون جوفي

الواحد عدّا بالتجارب دي وأخد الصدمة ورا التانية وهو بيفتكر ويتحسر علي اللحظات والأيام الحلوة وهو بيتحسس طريقه في فترة المراهقة وسط جيل بيستكشف زيه عالم جديد، وبيكافح علشان يَعرَف ويعرّف صحابه حاجة جديدة وصل لها أو سمع عنها ومبسوط بيها. السعادة كانت مضاعفة إن الواحد مننا يعرّف حد من صحابه إنه ليه واحد قريبه نازل مصر من إيطاليا قريب وجابله البوم بلاك ساباث Black Sabbath الجديد.. أو إنه يبقى واقف في طابور المدرسة يلاقي شباب ما يعرفهمش بيسألوه إذا كان بيسمع ميتال.

إيه دا، إنتو كمان بتسمعوا ميتال، طب بتسمعوا مين؟ أو مثلا الواحد يصحى على تليفون من واحد جاره بيقول له إنه معاه ناس في المدرسة عاملين فرقة وعايزين درامر Drummer.. 

والله الله الله على الشعور بالإنجاز والنجاح المبكر وحدّ مننا فرقته بتوصل إنها تسجل أغنية أو ينزلوا حفلة.. ومئات بل آلاف من الفانز تنبسط من ازاي الدرامر بتاعهم جامد أو الليد جيتارست lead guitarist بيلعب سولو solo أغنية بيحبوها بالمسطرة.. أو حتى بقي جامد لدرجة إنه عنده الثقة إنه يجوّد على الأغنية الأصلية.

مش هنسى مرة في حفلة في استاد المقاولين العرب سنة 1995 وكان حاضرها سبعتاشر ألف روكر، وكان فيه لجنة تحكيم بتدّي درجات لكل فرقة.. ومحمد شبل الله يرحمه كان في اللجنة وحط لمحمد سعد - الدرامر بتاع فريق إسمه ليجاسي Legacy كان الكل بيحبه وشايفين فيه درامر جامد جدا - درجة 3 من 10. لما الجمهور عرف كدا هاج ورفض الاعتراف بمستوى شبل الفني علشان يقيّم حد هم متأكدين إنه بيفهم أكتر منه.

أعتقد دي كانت لحظة ماتتنسيش وبيّنت المساحة القيمية الشاسعة بين الجيل دا وجيل العواجيز اللي معاييرهم ماتنطبقش علينا خالص.

وافتكر إن الرسالة دي لما وصلت لأساطين الدولة كان لازم أي كيانات بتبشّر بالثقافة دي تتوئد بدري بدري.. وافتكر برضه إن عركة الدولة مع التنظيمات الإسلامية في التسعينات كانت أرضية خصبة لمزايدة على الدين والتدين أخدت الجيل دا في الرجلين.       

أعتقد أنا هاوقّف هنا علشان أسيب مساحة لزمايلي وخصوصا هشام يكتبوا عن التجربة وتفاصيلها ومشاعرها وسجنها. أعتقد إن الصدق والمصداقية فيها كبار جدا وهايدّوا عمق للسردية تتحدى فتيْ وجهل وأكاذيب أم الدنيا بصحفييها بضباطها بمشايخها بقساوستها بأبويتها..

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!