من صفحة علي الحجار على فيسبوك

نَسَمات التجديد تُنعش الحجار

منشور السبت 30 ديسمبر 2017

في سنٍ صغيرة، صعد علي الحجار لصدارة المشهد الغنائي في مصر رفقة آخرين حاولوا ملء الفراغ الذي خلّفه رحيل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما من الكبار. واليوم، وبعد مرور 40 عامًا على انطلاق مسيرته الفنية يبدو الحجار الذي ابتعد عن القمة مسافة كبيرة متشبّثًا بقدرته على الاستمرار في الساحة الغنائية. رافضًا أن يكون جزءًا من الماضي فحسب.

خلال الأشهر الماضية، ضاعف الحجار نشاطه الفني؛ زاد عدد حفلاته وبات ظهوره في برامج التوك شو أمرًا معتادًا، وحين أطلق ألبومه الأخير "ما تاخدي بالك" في نوفمبر الماضي، قرر مضاعفة الجرعة مرات أخرى.

هذا النشاط المكثّف يدفعنا لاقتحام تلك المساحة التي ارتضاها الحجار لنفسه في السنوات الأخيرة. 

اقرأ أيضًا: كُلُّ الزّمانِ لفيروز

الانحسار

بعد أن تعافى الحجار مما يصيب نجوم الشباك حين يخفت بريقهم؛ كاتهام الجمهور بفساد الذوق أو إلقاء اللوم المتكرر على عدم دعم الدولة لما يقدمه من "فن جيد"، أدرك عليّ أنه في مرحلة جديدة ينبغي أن يكون هدفها الرئيس هو الاستمرار في المشهد الفني وعدم التوقف.

انحسر نشاطه منذ سنوات في حفلات دورية بساقية الصاوي. وحفلات أخرى بدور الأوبرا، إضافة إلي بعض تترات المسلسلات.

تبدو تلك المساحة صغيرة للغاية. لا تسع صوت عليّ. ولا تتسع أيضًا لأغانيه الكثيرة؛ لكن ما يميزهّا رغم صغرها هو الصلابة والقوة؛ فهي تستند إلى إنتاج فني ضخم وإلى قاعدة من الجمهور الأصيل تضمن له الاستمرار وعدم التعثر. وجمهور الحجار هنا لا ينطلق في تعامله مع مطربه المفضل من قاعدة المحبة فقط ولكن هناك قاعدة أخرى؛ هي وجوب الدعم الفني الذي يضمن للتجربة استمرارها وعدم توقفها.

تلك المساحة، وإن منحت التجربة قُبلة الحياة وبثّت فيها الروح إلا إنها في الوقت نفسه زادتها انحسارًا، وهو أمر ربما لم يفطن إليه الحجار نفسه في البدايات.

والانحسار هنا يقصد به وضع المشروع الفني في خانة القديم الذي لا ننتظر منه جديدًا. نذهب إلى حفلاته لنطلب منه إعادة غناء تترات المسلسلات والأغاني التي قدمها قبل 30 سنة أو أكثر. كأنه توقف ولن يكون قادرًا على تقديم أي جديد.

ورسّخ الحجار نفسه هذا التصور  بسبب عدم قدرته على إنتاج ألبومات جيدة في السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ ألبوم "حوا وآدم" عام 2008.

مؤخرًا، بدا الحجار، رغم تقدم العمر، مصممًا على اختراق ذلك الحيز الضيق الذي يحيط مشروعه الفني والنفاذ منه إلى رحاب أوسع. بدا غير مستسلم لتصنيفه على أنه مجرد جزء من الماضي.

في حوار تليفزيوني قديم،  قال الحجار إن ما ينقصه هو وجود مؤسسة تدعمه وتفكّر له وتنجح في تسويق أغانيه، واستشهد، كعادة كثيرين وقتها، بعبد الحليم حافظ الذي كان "مؤسسة متكاملة بشبكة علاقاته المشتعبّة".

لذا كان الحل بالنسبة للحجار للخروج من الحيز الضيّق الذي يتواجد به هو مأسسة مشروعه الفني بما لا يضمن له الاستمرارية فحسب لكن يضمن أيضًا زيادة الانتشار واجتذاب جماهير جديدة إليه.

وأولى الخطوات نحو إنهاء العزلة الفنية وتجاوز حدودها الضيقة كان الاعتراف. أن يعترف الحجار أن ما قدمه خلال السنوات الأخيرة لن يستمع إليه إلا محبيه وداعميه. ولن يكون جاذبًا لغيرهم خاصة الجمهور الأصغر سنًا.  وأنه بحاجة إلى قدر من التغيير والتجديد. وهو ما أقرّ به بالفعل في أكثر من حوار صحفي.

اتخذ عليّ خطوات أخرى؛ قام بتوثيق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. بدأ ينشر عبر يوتيوب وساوند كلاود أرشيفه الفني الضخم.

كما فتح الحجار الباب لاكتشاف المواهب الفنية الشابة وتقديمها للجماهير في حفلاته بساقية الصاوي. ثم أعلن أيضًا عمّا أسماه "صالون الحجار" وفيه يناقش مع بعض الحضور قضايا فنية مختلفة.

هكذا حاول النفاذ من الحيز الضيق وتحويل مشروعه الفني لعمل مؤسسي  يستند بشكل رئيس إلى تاريخه الضخم لا إلى الحاضر الذي يسعى لتغييره.

بعد ذلك، تأتي مهمة أخرى شديدة الأهمية والصعوبة وهي البحث عن الصورة الجديدة التي يريد المطرب المخضرم الظهور عليها. وهنا أكثر من تحدٍ؛ فبعض المطربين حين حاول التجديد انسلخ تمامًا من هويته الفنيّة. فَقَدَ دعم جماهيره الأصيلة التي دعمته لسنوات، وفشل في اجتذاب مستمعين جدد إليه. وما مدحت صالح عنّا ببعيد.

اقرأ أيضًا: علي الحجار.. محاولات العودة والتنوع في "ما تاخدي بالك"

ما تاخدي بالك

اللحظة الحاسمة هنا هي إصدار الألبوم الجديد. كل ما سبّق يمكن اعتباره بمثابة المقدمة لهذا الحدث المهم.

وقبل طرح الألبوم، استهل الحجار عام 2017 بطرح أغنية "خاصمتني". تلك التي تبدو للوهلة الأولى مختلفة عما اعتدناه من الحجار على مستوى الكلمات والموسيقى أيضًا. الأغنية الخفيفة كما وصفها البعض كانت بمثابة جرس إنذار  لعشّاق عليّ الرافضين انجرافه نحو أي جديد يُضر بهويته الفنية. وكانت بمثابة إعلان عن وجه جديد يطل به المطرب ذو الـ63 عامًا.

الأشهر التالية شهدت طرح أغنية أخرى "داري جمالك" بلهجة بدوية. ثم جاء الألبوم أخيرًا. ومعه الظهورالإعلامي المكثّف الذي أشرنا إليه سابقًا.

وأول ما يخبرنا به "ما تاخدي بالك"  أن الصراع داخل الحجار نفسه بين القديم والجديد، بين ما يرضيه فنيًا وبين ما يضمن له الاستمرار؛ هذا الصراع هدأ قليلًا وذهب لمساحةٍ أخرى يتقبل فيها كل منهما الآخر دون اكتراث بمن سينتصر.

هذا الصراع الذي وصفه الحجار بإنه محاولة للتجديد "لكن بحدود" كانت ثمرته واضحة في الألبوم. وهي الحفاظ بنسبة غير قليلة على الهوية الفنيّة المستقرّة منذ سنوات وعدم الحيد عنها مع القدرة على تقديم أشكال موسيقية مختلفة ومقبولة.

انتقى عليّ الكلمات بعناية. الأجيال المختلفة التي تعاون معها علي من الشعراء ساهمت في تقديم وجبة متنوعة. كذلك تباينت الموضوعات واختلفت المعالجات في كل منها؛ بين  كلمات مباشرة واضحة لمعانٍ سهلة (عيشة الحنيّة) وبين أخرى عميقة تُذكرنا بكلاسيكيات الحجار  مثل (لسه الشتا).  هذا التنوع ضَمِن لعليّ ألا ينسلخ من هويته وألا ينفصل أيضًا عن الواقع الذي ما يزال المطرب المخضرم يسعى للتواجد فيه بقوة.

لكنّ التنوع، على الجانب الآخر، أضرّ  بعض الشيء بهوية الألبوم بشكل عام. فوجود أغنية بلهجة بورسعيدية مصحوبة بالسمسمية. وأخرى بلهجة بدوية. وأخرى بلهجة صعيدية؛ هذا التنوع جعلنا أمام أشكال فنيّة وموسيقية مختلفة لا رابط بينها.  وهذه أزمة قديمة–جديدة تواجه المطربين المهتمين بالفولكلور والراغبين في تضمين بعضٍ من أشكاله في ألبوماتهم.

ويُحسب للحجار أن أغلب الألحان والموسيقى بدت ملائمة لصوته في المرحلة العمرية الحالية؛ بعدما فقد بعضًا من قوته التي اشتهر بها في شبابه وسنواته الأولى.

إجمالًا، فإن "ما تاخدي بالك" خطوة محسوبة بدقة ونضج دون عناد فنّي أو تهوّر في خريف العمر لا يجني منه الحجار سوى مزيد من العزلة الفنيّة. خطوة قد تنجح في ترميم جزء من الفجوة الواسعة التي شهدتها مسيرة المطرب الكبير وتجذب إليه آذان جديدة؛ لكنّها لن تدفعه ولو برفقٍ إلى الأمام ما لم تتلُها خطوات أخرى سريعة وقوية. 

اقرأ أيضًا: أن تنهى حياتك الفنية كشادية