مناوشات الإسلاميين في سيناء.. الجهاديون يأكلون أنفسهم

منشور الثلاثاء 5 ديسمبر 2017

 

بعد سنوات من التواري عن الأنظار، عاد تنظيم جند الإسلام ليقدم نفسه كتنظيم مسلح نشط، في شبه جزيرة سيناء، عبر تسجيل صوتي تداولته صفحات محسوبة على تنظيم قاعدة الجهاد، يعلن فيه المسؤولية عن هجوم انتقامي ضد ولاية سيناء، الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية، في 11 أكتوبر/ تشرين أول الماضي.

جند الإسلام، المحسوب على القاعدة، ظهر مرة ثانية وتبرأ من الهجوم الدامي على مسجد الروضة، في العريش شمال سيناء، الذي أودى بحياة 310 مصلين، وانتقد منفذيه، لكنه حذر أهالي سيناء "من توظيف الحكومة والجيش للهجوم" لدفعهم للتعاون معهم.

ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن هجوم مسجد الروضة بالقرب من العريش في شمال سيناء، ولكن النائب العام المصري قال إن مرتكبي الهجوم كانوا يرفعون علم تنظيم الدولة الإسلامية أثناء تنفيذه.

ويرى مراقبون أن التنظيم العائد يسعى لسحب البساط من ولاية سيناء، مستغلًا تراجع نشاط اﻷخير.

القبائل تواجه الولاية

وقال ناشط سيناوي، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي، إن إعلان تنظيم جند الإسلام عودته من خلال عمليات يعلن مسؤوليته عنها، يشير إلى أنه لمس تراجعًا في انتشار عناصر الدولة الإسلامية، مضيفًا "ما كان ليجرؤ تنظيم يعتقد إنه مغمور أن يهدد عناصر الدولة الإسلامية إلا إذا كان يملك قوة على الأرض".

وأضاف الناشط لـ"المنصة" أن "جند الإسلام" توارى عن الأنظار مع إعلان تنظيم أنصار بيت المقدس مبايعة زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في نوفمبر/تشرين ثاني 2014، لكنه لم يندثر، لافتًا إلى أن عناصره شوهدوا العام الماضي في أحد الأسواق الشعبية جنوب العريش وكانوا يشترون مؤنًا.

وقال "الشواهد تقول إنهم موجودون لكن لا يُعرف عددهم ولا قادتهم".

وفي التسجيل الصوتي، برر جند الإسلام إعلان الحرب على عناصر ولاية سيناء بـ"اعتداءات خوارج البغدادي على المدنيين"، فيما بدا أن التنظيم يسعى لاستمالة قبائل سيناء. قال الناشط -المتتبع لنشاط التنظيمات المسلحة بسيناء منذ سنوات- إن محاولة "جند الإسلام" استرضاء الأهالي، تناقض الطريقة التي اتبعها فرع الدولة الإسلامية من استخدام وسائل وحشية ضد أبناء القبائل.

وارتكب تنظيم ولاية سيناء عدة عمليات ضد القبائل في سيناء، حيث خطف أفراد التنظيم سيدة من منزلها، بدعوى تعاونها مع الجيش المصري، أبريل/نيسان 2015، وفي نوفمبر/تشرين ثاني 2016، أعلن التنظيم إعدام شيخين من القبائل السيناوية، بالإضافة إلى استهداف عدد من المسيحيين في العريش أواخر العام الماضي ومطلع العام الجاري، مما أدى إلى نزوحهم لمحافظات أخرى خوفا من عمليات الاستهداف.

من جهته قال الشيخ إبراهيم العرجاني، وهو أحد شيوخ قبيلة الترابين، إن اتحاد القبائل في وسط سيناء الذي يضم شبابًا من الترابين والسواركة والرميلات والتياها والفواخرية، يعمل على مواجهة ولاية سيناء تحت إشراف من الجيش.

وقال "إحنا أدرى بطبيعة الأرض ونساعد الجيش في تعقب تلك العناصر"، مؤكدًا على أن القبائل تضررت بشدة من التنظيم الذي دأب على استهداف أبنائها بحجة التعاون مع الأمن.

وقال: "لملمنا الأوراق ورتبناها ووجهنا شباب القبيلة وبقية قبائل سيناء للالتحام مع القوات المسلحة، لتكون سيارة البدوي الكروز في خدمة دبابة المقاتل، وأصبحت الكروزات ملتحمة جنبًا إلى جنب مع دبابات الجيش، لمواجهة التنظيم، وتطهير المنطقة من دنس الإرهاب".

ومعروف أن نشاط التنظيمات المتطرفة في سيناء انطلق منذ عام 2004، حين شهدت شبه الجزيرة المصرية أول الهجمات المسلحة (تفجيرات طابا ورأس الشيطان ونويبع ودهب وشرم الشيخ). ومن ثم اتخذ هذا النشاط منحى تصاعديًا بعد ثورة 25 يناير 2011، ليصل إلى الذروة غداة سقوط نظام الإخوان المسلمين في 2013.

وعن مدى قدرة التنظيمات الحالية على الصمود، قال العرجاني إن "قوة التنظيم اختلفت تمامًا عما كانت عليه العامين الماضيين، وبدأت تتهاوى بعد تضييق الخناق عليه في مدينتي رفح والشيخ زويد".

عودة الاعتبار للقاعدة

نقلت صحيفة الحياة اللندنية عن مصادر قولها، إن معلومات تشير إلى انشقاق مسلحين متطرفين في شمال سيناء والصحراء الغربية عن تنظيم الدولة الإسلامية، وانخراطهم في تنظيمات محسوبة على تنظيم القاعدة، وهو ما أكده عبدالرحيم المسماري الشاب الليبي، أحد منفذي الهجوم المضاد، الذي استهدف مأمورية الشرطة في الكيلو 135 بالواحات، قائلًا أن عناصر تابعة لتنظيم الدولة لحقت بهم خلال تنفيذهم للعملية في الصحراء الغربية.

ويرى الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي، أحمد بان، أن الأجهزة الأمنية هي الوحيدة التي تملك المعلومات حول عدد وقدرة أعضاء تنظيم ولاية سيناء التسليحية. وتابع بان أن العمليات الأخيرة التي ينفذها تنظيم ولاية سيناء، تشير إلى أنه لم يعد قويًا، وتأثر بتراجع التنظيم الأم (الدولة الإسلامية)، في العراق وسوريا.

ومؤخرًا خفتت حدة الهجمات التي يشنها عناصر ولاية سيناء ضد الجيش، بعد خسائره من الضربات التي تلقاها، فضلا عن قطع خطوط تمويله وإمداداته سواء من ناحية الشرق بتوسعة المنطقة العازلة وإبرام السلطات المصرية اتفاق للتنسيق مع حركة حماس، أو من الغرب من ناحية الحدود الليبية، وظهر ذلك بعدما لجأ التنظيم للبحث عن مصادر تمويل من داخل سيناء مثلما حدث مع في واقعة اقتحام فرع البنك الأهلي في العريش في أكتوبر/ تشرين الأول.

وأضاف بان لـ"المنصة"، أن الهجمات التي ينفذها "ولاية سيناء" مؤخرًا تشير إلى أن التنظيم يبحث عن الأهداف الرخوة أو السهلة، مبتعدًا عن المواجهة المباشرة مع الأمن كمحاولة لإثبات الوجود. 

كما أشار الباحث السياسي إلى أن هناك أربع تنظيمات إسلامية مسلحة تنشط في مصر، واحد يتبع الدولة الإسلامية وينشط في الوادي والدلتا ونجحت أجهزة الأمن في تحجيم حركته، وولاية سيناء، و"أنصار الإسلام" و"المرابطون" وهما يتبعان القاعدة، و"حسم" التي تتبع الإخوان المسلمين، التي تعتبرها مصر تنظيمًا إرهابيًا، والتي خفت صوتها خلال الفترة الماضية، بحسب بان.

وأكد الباحث أن أفكار الدولة الإسلامية انتصرت في مرحلة لكنها تعاني الآن من الانكسار، وهو الأمر الذي أعاد الاعتبار لأفكار القاعدة واستراتيجيتها، موضحًا أن تنظيم الدولة الإسلامية يتبع فكرًا أكثر تطرفًا وعنفًا من القاعدة و"لا يبالي بالحاضنة الشعبية"، مستدلًا على ذلك بالعمليات التي ينفذها ضد المدنيين، عكس القاعدة التي تحاول تأمين حاضنة شعبية من خلال مخاطبة ود الأهالي مثلما يفعل جند الإسلام.

ويرى اللواء حسام لاشين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن تعاون القبائل مع قوات الأمن بصورة أكثر تنسيقًا، مع بداية العام الجاري، قد ساهم في الحد من خطورة التنظيمات المسلحة في سيناء، وساعد الجيش في تنفيذ ضربات استباقية، لافتًا إلى أن نجاح مصر في تحقيق المصالحة الفلسطينية، وزيادة التنسيق مع حماس، وتكثيف الجيش لعملياته في الحدود الغربية، أضعف الدولة الإسلامية لوجستيًا، حيث كانت تمثل غزة عمقًا استراتيجيًا للتنظيم، كما كانت الحدود الغربية مع ليبيا مصدرًا للسلاح.

وعن إعلان تنظيم جند الإسلام عودته بالانتقام من داعش، قال لاشين لـ"المنصة" إنه "من المؤكد أن الأمن أخذ التسجيل الصوتي على محمل الجد، ويعكف على فحصه ودراسته، خاصة وأنه يتضمن أسماءً لعناصر داخل تنظيم داعش (الدولة الإسلامية)".

ومع توعد جند الإسلام لمسلحي ولاية سيناء، يثور التساؤل حول علاقة جند الإسلام بالقبائل والأمن بعدما أصبح هدف الثلاثة واحد، وهو الانتقام من تنظيم الدولة الإسلامية، وإذا ما قد يسبب ذلك تنسيق بين الأطراف تحت مبدأ "عدو عدوي صديقي".

بالنسبة للقبائل، قال العرجاني: "كاتحاد قبائل مسلح، لا ننسق مع تنظيمات تعادي الجيش. وجند الإسلام لم تنكر عداءها للجيش، إذًا فنحن ضدهم". أما بالنسبة للأمن، قال الناشط السيناوي، في بعض الأحيان قبل 2012 كان الأمن ينسق مع أنصار بيت المقدس سابقًا (قبل تحولها إلى ولاية سيناء)، لكن بطريقة غير مباشرة، بمعنى أنه كان يتركهم يمارسون نشاطهم الجهادي ضد إسرائيل، طالمًا أنهم بعيدون عن الأهالي والجيش، والجيش صاحب القرار في النهاية.

مستقبل غامض

وعن مستقبل التنظيمات المسلحة في سيناء في الوقت الحالي قال العرجاني، إنه رغم تضييق الخناق على الدعم اللوجستي لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، إلا أنهم يواجهون مشكلة انضمام عناصر جديدة للتنظيم القادمين من شريط وادي النيل ومنطقة الدلتا غرب سيناء وبالتالي لن تنتهي التنظيمات.

يأتي هذا بينما توقعت دراسة نُشرت بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الشهر الجاري، مسارين محتملين للتنظيم بعد ظهور جند الإسلام وأنصار الإسلام؛ أن "يعمل تنظيم ولاية سيناء (بيت المقدس سابقًا) على فك الارتباط التنظيمي والبيعة مع تنظيم الدولة الإسلامية، والاندماج مع بعض التنظيمات المتطرفة الأخرى، وتشكيل تنظيم مستقل على غرار تنظيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، عندما أعلنت الأخيرة فك الارتباط التنظيمي مع تنظيم القاعدة، وإنهاء البيعة لزعيمه أيمن الظواهري، مع الإبقاء على القواعد الفقهية والمنطلقات الفكرية لتنظيم القاعدة.

ورأت الدراسة أن هذا المسار هو الأقرب للحدوث في الحالة المصرية، على أن يغير التنظيم اسمه ويسعى لضم بعض العناصر المتطرفة الجديدة وبعض التنظيمات المسلحة في مصر مثل جند الإسلام، والمرابطون، وأنصار الإسلام بجانب توسيع مساحة التنظيم لتضم بعض التنظيمات الإرهابية بدول الجوار مثل تنظيم "جيش الفتح" بقطاع غزة وعناصر السلفية الجهادية بغزة.

أما المسار الثاني فرجحت الدراسة، أن تلجأ التنظيمات التابعة للدولة الإسلامية بدول الإقليم لحل نفسها على غرار ما حدث بالنسبة لتنظيم أنصار الشريعة في درنة بدولة ليبيا خلال شهر مايو/آيار الماضي، وهو نفس المسار الذي اتخذته بعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة ببعض دول الصراع خلال المرحلة الفائتة، وكان آخرها تنظيم "سرايا الدفاع عن بنغازي"، والذي أعلن عن حل نفسه خلال يونيو/حزيران.