رسوم: محمد عبد المحسن رضا - خاص للمنصة

تشارلز مانسون.. مُدمِّر حُلم الستينيات

منشور الثلاثاء 21 نوفمبر 2017

لم نعد نعيش في بلد العجائب يا أليس مانسون

في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني توفي تشارلز مانسون زعيم جماعة "عائلة مانسون"، والتي ارتكبت سلسلة من جرائم القتل في أواخر الستينيات من القرن الماضي كان من بين ضحاياها الممثلة شارون تيت زوجة المخرج البولندي رومان بولانسكي. 

حدثت الوفاة في مستشفى بيكرسفيلد بولاية كاليفورنيا حيث نُقل مانسون (83 سنة) من محبسه إذ كان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة، بعد تخفيف عقوبة الإعدام الموقعة عليه عام 1971، رغم أنه لم يشارك بنفسه في قتل أي من الأشخاص التسعة الذين قتلتهم جماعته خلال الأسابيع الخمسة التي عكرت صفو الهدوء في ولاية كاليفورنيا عام 1969. 

ولد مانسون في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1934 بمدينة سينسيناتي بولاية أوهايو الأميركية لعاملة جنس مراهقة مدمنة للكحول، وأخذ اسم ويليام مانسون، الرجل الذي تزوجته أمه لاحقًا، قبل أن تسجن بسبب سرقة محطة بنزين، ليعيش مع أخواله حتى الإفراج عنها وكان قد بلغ الثامنة من عمره. 

عاش مانسون مع والدته واعتاش من سرقة المتاجر الصغيرة لينتهي به الحال إلى السجن في مركز انديانابوليس للأحداث، الذي هرب منه بعد يوم واحد فقط، ليقبض عليه مرة أخرى ويوضع بمدرسة إنديانا للبنين ليدعي أنه تعرض لاعتداء جنسي فيها.

قضى مانسون أول ثلاثة وثلاثين سنة متنقلًا من سجن إلى سجن لجرائم مشابهة، حتى عام 1955، إذ بدأ فصلًا جديدًا في حياته عندما تزوج من ممرضة صغيرة السن في فيرجينيا الغربية وانتقل معها لولاية كاليفورنيا، إلا أنه عاد للجريمة مرة أخرى بسرقة السيارات، الأمر الذي أعاده إلى السجن مرة أخرى في العام التالي لزواجه لتتركه زوجته مع طفله وتهرب مع عشيقها.

مكث مانسون السنوات من 1958 إلى 1967 وراء قضبان السجون لجرائم تتراوح بين السرقة من جديد والقوادة وصرف شيكات مسروقة، إلا أنه على الرغم من ذلك بدأ في اكتشاف مواهبه الدفينة فتعلم العزف على الجيتار وهذا ما دفعه للشيء الذي سيدخل به التاريخ من أوسع أبوابه.

هيلتر سكيلتر

بعد اطلاق سراحه عام 1967، ترأس مانسون حملة دموية صدمت المجتمع الأميركي كله.

استطاع مانسون عن طريق جاذبيته وشخصيته القوية أن يجمع عددًا كبيرًا من الأتباع سماهم "العائلة" وأقنعهم أنه نبي عصر ما بعد القيامة، تلك القناعة التي ادعى أنه قد توصل إليها بعد سماعه لأغنية فرقة البيتلز "هيلتر سكيلتر".

في تلك الفترة تعرفت عائلة مانسون على عضو فرقة الـ Beach Boys  دينيس ويلسون وانتقلوا للعيش معه بمنزله، عن طريق ويلسون تعرف مانسون على  المنتج الموسيقي تيري ميلشر، إلا أن أحلامه انهارت عندما لم يهتم المنتج الأمريكي تيري ميلشر بنشر أغانيه، وبعدها قطع ويلسون علاقته بالعائلة بعد إنفاقه عليهم ما يقرب من مئة ألف دولار، واضطر مانسون إثر ذلك للانتقال إلى مزرعة منعزلة بوادي سان بيرناندو بولاية سان فرانسيسكو.

تشاركت العائلة التي وصل عدد أعضائها إلى 100 عضو في إدمان مخدرات الهلوسة مثل الـ إل إس دي والفطر أو المشروم، وكانوا ينغمسون في حفلات جنس جماعي.

ضمت العائلة مجموعة صغيرة من الفتيات اللاتي كن يطعن مانسون طاعة عمياء لإيمانهن بنبوته وادعائه أنه مسيح العصر الجديد واللاتي سيُستخدمهن فيما بعد لتنفيذ مخططاته لإشعال حرب عرقية تقضي على الجنس الأبيض بالولايات المتحدة لصالح الجنس الأسود.

نهاية حُلم الستينيات

توصل مانسون لقناعة أن الحرب بين البيض والسود قادمة لا محالة وأن عليه أن يساعد بتصعيد التوترات بين الطرفين والانتظار تحت الأرض مع عائلته حتى انتصار السود والذي قال إنهم غير قادرين على حكم العالم إلا بعد صعوده من مخبئه ليقودهم.

هذه القناعة جاءت لتقضي على حلم عقد الستينيات في الولايات المتحدة حيث سادت قيم تدعو إلى الحب والتسامح بين الأعراق والأجناس والعيش بحرية وتناغم.

في أغسطس/آب 1969 أرسل مانسون مجموعة من أخلص أتباعه ضمت تيكس واتسون وسوزان أتكينس وباتريشيا كرينوينكول وليندا كاسيبيان بتعليمات واضحة أن يقتلوا كل من تقع عليه أعينهم في أحد منازل تيري ميلشر، الذي كان مملوكًا في ذلك الوقت للمخرج البولندي رومان بولانسكي، الذي كان من حسن حظه أنه لم يكن متواجدًا في البلاد وقتها. 

كان أول ضحايا العائلة هو الطالب ستيفن بارنت البالغ من العمر 18 عشر عامًا والذي كان متواجدًا في المنزل في المكان والزمان الخاطئين، لأنه فقط كان يزور حارس المنزل.

صُعقَت كاسيبيان من وحشية زملائها عندما قتلوا بارنت بدم بارد وحاولت منعهم عن سفك المزيد من الدماء، إلا أن تلك كانت فقط البداية.

داخل المنزل كان هناك مصفف الشعر سيبرينج وأبيجيل فولجر وحبيبها ووجيش فريكوويسكي الذين قتلوا جميعًا الواحد تلو الآخر.

سفك الدماء لم يتوقف تلك الليلة، فإلى جانب الثلاثة المقتولين كانت زوجة بولانسكي شارون تيت، الحامل في شهرها الثامن والنصف، متواجدة أيضًا، ولم تشفع تضرعاتها لسوزان أتكينز بأن ترحمها وطفلها، إلا أن الأخيرة قالت لها "انظري إليّ أيتها العاهرة، ستموتين، وعليك أن تعتادي على ذلك"، ووجهت نصلها إلى بطن تيت عدة مرات إلى أن فارقت الحياة.

استخدم أفراد العائلة دم تيت وكتبوا به على باب المنزل "الخنازير"، في الليلة التالية قام أفراد العائلة بأوامر من مانسون بتعذيب وقتل لينو ورزماري لابيانكا، وكتبوا على حوائط منزلهم: "الموت للخنازير"، "انهضوا" ،"هيلتر سكيلتر".

لم تربط الشرطة بين الحادثين أو حتى بمانسون وعائلته، ولكن في ديسمبر/كانون الأول قبض على المجموعة إذ اعتقدت الشرطة وقتها بأنهم كانوا مسؤولين عن تخريب حديقة وادي الموت الوطنية وقادت اعترافات كاسيبيان إلى كشف مخططاتهم وجرائمهم المتعددة.

حكمت المحكمة على مانسون وبعض من أعضاء عائلته بالإعدام، إلا أن الحكم خفف لاحقًا للسجن مدى الحياة عندما ألغت كاليفورنيا حكم الإعدام.

أفكار مانسون المتطرفة وردود أفعاله الهستيرية ومقولاته الصادمة مثل ادعاءه أنه قد خلق الله وأن هناك أكثر من مسيح يعيش في وعينا طوال الوقت جعلوه بمثابة الأسطورة في وعي المجتمع الأميركي المعاصر، ونرى ذلك في العديد من الأفلام الوثائقية التي إما تحدثت عنه أو استضافته.

مانسون الذي قضى معظم سنوات حياته في السجن كان مجرمًا ولكنه أيضًا مارس دوره كشخص ملهم، إذ استخدمت الفرق المشهورة مثل Guns 'n' Roses  في أغنيتهم Look at Your Game, Girl كلماته، وتم إظهاره كشخصية كارتونية في إحدى حلقات مسلسل الكارتون الشهير  South Park، بينما كشف المخرج كوينتن تارانتينو عن عمله على فيلم يركز على أحداث مقتل شارون تيت المأساوية.