صفقات السلاح الأمريكية تؤدي إلى كارثة في اليمن

منشور الثلاثاء 21 نوفمبر 2017

نوال المغافي

مترجم عن النيويوركر


في المستشفى الرئيسي بميناء الحديدة اليمني، في أغسطس/آب الماضي، غُص جناح سوء التغذية بالمرضى. في الممر، جلس رجل على اﻷرض مع طفلين برزت ضلوعهما تحت جلدهما الباهت. داخل الجناح المؤقت، حوى كل سرير طفلين شديدي النحافة. وجلست صالحة، وهي أم في ثلاثينياتها، على ركن سرير، وفي حجرها ابنتها، فاتنة، ذات اﻷعوام التسعة. بدت الطفلة نحيفة وضعيفة، وهي تتنفس بصعوبة. كانت في حاجة إلى تحاليل عاجلة، وفق ما قاله اﻷطباء، ولكن معامل المستشفى كانت مكتظة. وأخبرتني صالحة أن المستشفى المحلي بقريتها كان مغلقًا. واستغرقت الأسرة ثلاثة أيام من التطفل على سيارات أغراب، لمعظم الطريق، للوصول إلى المدينة، على الساحل الغربي لليمن، وإلى مستشفاها. وأخبرتني صالحة، وهي تشير إلى ابنتها "لقد أثقلت الحرب بحق عليها. إنها اﻵن ترقد هناك حتى يتشنج جسدها مجددًا". وقال فريق المستشفى الحكومي إنهم لم يتلقوا رواتبهم لشهور. أخبرني أحد اﻷطباء "إننا جائعون، ولكننا نفضل القدوم للعمل بدلًا من الموت جوعًا ببيوتنا. لا يمكننا الذهاب للحرب على الجبهة ولكن هذه هي طريقتنا في القتال في مواجهة العدوان، بأن ننقذ الناس".

في يوم الخميس، دعا رؤساء ثلاث وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، التحالف العسكري المكون من تسع دول والذي تقوده السعودية، إلى إنهاء حصار مشدد فرضه على اليمن، بعد إطلاق المتمردين الحوثيين صاروخًا باليستيًا على العاصمة السعودية الرياض، نهاية اﻷسبوع السابق. وقال بيان مشترك لكل من صندوق اﻷمم المتحدة للأطفال، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية إن "المساحة وإمكانية الوصول الذين نحتاجهما لتسليم المعونات اﻹنسانية قد اختنقا، مما يهدد حياة الملايين من الأسر واﻷطفال المعرضين للخطر".

قال مسؤولو اﻷمم المتحدة إن أكثر من عشرين مليون شخص، منهم أكثر من أحد عشر مليون طفل، في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة؛ ويفتقر 14.8 مليون شخص على اﻷقل إلى الرعاية الصحية، وأصابت الكوليرا أكثر من تسعمائة ألف شخص بالعدوى. اليمنيون عالقون في صراع طال لحوالي ثلاثة أعوام، بدأ كصراع محلي على السلطة وتطور إلى حرب شرسة بالوكالة بين إيران والسعودية، أودت بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص ودمرت أكثر من نصف منشآت الرعاية الصحية بالبلاد. القوات السعودية، المدعومة بشحنات السلاح الأمريكي التي تكلفت أكثر من أربعين مليار دولار، والتي صدقت عليها إدارتا أوباما وترامب، قتلت آلاف المدنيين في غارات جوية. وحاصرت أيضًا البلد بدرجات متفاوتة طوال عامين، ومنعت، بشكل متقطع، الصحفيين وباحثي حقوق اﻹنسان من الدخول إلى البلاد جوًا.

في يوم اﻹثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني، مرر مجلس النواب اﻷمريكي قرارًا غير ملزم ينص على أن إرسال دعم عسكري أمريكي إلى السعودية في حملتها في اليمن غير مصرح به في ظل قانون أقره الكونجرس لمكافحة اﻹرهاب. وفي حين انتقد أعضاء بالكونجرس الكلفة اﻹنسانية للتدخل السعودي، فإن اﻹجراء ليس له سلطة قانونية وهو باﻷساس جهد رمزي للكونجرس لإعادة تأكيد سلطته على إعلان الحرب. وقد رحبت إدارة ترامب بحماس بالسعودية كحليف وروجت لمبيعات الأسلحة اﻷمريكية لها كسبيل لخلق فرص عمل للأمريكيين.

كمراسلة من اليمن أعمل مع فريق تصوير محلي للبي بي سي هذا الصيف، دخلت إلى البلد بالقيادة لخمس عشرة ساعة عبر مناطق نائية لتجنب قوات التحالف والحوثيين. كانت هذه هي رحلتي السادسة إلى اليمن في ثلاثة أعوام، وقد كشفت لي عن وضع إنساني يتدهور بسرعة. فقد انتشر نقص الغذاء الذي أصاب القرى النائية أولًا وانتقل إلى المدن الكبرى في البلد البالغ سكانه ثمانية وعشرين مليون نسمة. وإلى جانب تفشي الكوليرا، تصاعد عدد حالات اﻹصابة بالتهاب السحايا.

منذ فقدت الحكومة اليمنية السيطرة على العاصمة، صنعاء، قبل أكثر من عام، لم يتلق آلاف المعلمين واﻷطباء و الموظفين رواتبهم، وهم يصارعون لإيجاد الطعام وغيره من الضروريات. في الوقت نفسه، نهب المتمردون الحوثيون موارد الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، واستخدموا المنظومة الضريبية لتمويل العمليات العسكرية بدلًا من الخدمات العامة.

كان الصراع قد اندلع عندما نجح الحوثيون المتحالفون مع الموالين للرئيس السابق على عبد الله صالح في الإطاحة بحكومة خلفه عبد ربه منصور هادي. وخشية كون إيران تدعم الحوثيين، شكلت السعودية تحالفًا من ست دول، تدعمه الولايات المتحدة وبريطانيا، قام بتدخل عسكري وحملة قصف جوي بهدف إعادة هادي إلى السلطة. ودعمت إدارتا أوباما وترامب الحملة بالتصريح ببيع أسلحة بقيمة أكثر من أربعين مليار دولار للسعودية، وبتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجيستي، بما في ذلك تزويد مقاتلات الإف 16 السعودية بالوقود جوًا قبل أن تقوم بتنفيذ غاراتها على اليمن.

في اﻷيام اﻷخيرة لرئاسة أوباما – بينما انتقدت جماعات حقوق اﻹنسان والمشرعون اﻷمريكيون حصيلة الضحايا المدنيين للقصف السعودي – حجب أوباما بعضًا من الدعم الأمريكي للحملة الجوية السعودية. وعطل صفقة مخططة لبيع ذخائر موجهة بدقة قيمتها ثلاثمئة مليون دولار، كما أوقف بعضًا من تبادل المعلومات الاستخباراتية، وضغط ﻷجل تحديث التدريبات لتحسين قدرة القوات الجوية السعودية على إصابة أهدافها. ولكن أوباما استمر في تنفيذ صفقات سلاح أخرى كانت قد أُبرمت بالفعل، واستمر في تقديم الدعم اللوجيستي للتحالف. وبعدما تولى الرئيس ترامب منصبه، أزال الحدود التي وضعها أوباما واستأنف مبيعات السلاح اﻷمريكية. واستجابة لضغوط دولية رفع التحالف الذي تقوده السعودية حصاره للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة، يوم اﻷحد. ولكنه استمر في منعه للمساعدات اﻹنسانية من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، بما فيها الحديدة، التي يسكنها أربعمئة ألف نسمة وهي حاليا تحت سيطرة المتمردين الحوثيين.

أثناء رحلتي مع فريق تصوير البي بي سي، تجولنا في معسكر على أطراف الحديدة، ضم بعضًا من الثلاثة ملايين شخصًا، تقريبًا، المهجرين داخليا في اليمن. حمّم اﻵباء أطفالهم في العراء بمياه في دلاء، ثم تحمموا هم أنفسهم دون خلع ملابسهم. وبينما قمنا بالتصوير، اقتربت مني امرأة مسنة ودعتنا إلى بيتها، غير بعيد من المعسكر، وكان منزلًا صغيرًا من الطوب. بالداخل، رقدت طفلة صغيرة، شاحبة ونحيفة، على مرتبة على اﻷرض. أخبرتنا المرأة "هذه حفيدتي، وهي في الثانية تقريبًا". وقالت إن أسرتها تلقت مساعدات أقل ﻷنها تعيش خارج المعسكر. "إنهم يعطون المساعدات للناس في المعسكرات، ومع ذلك، نحن أيضًا قد فقدنا كل شيء. ليس لدينا طعام ﻹطعام أطفالنا، ليس لدينا نقود، ليس لدينا أي شيء. أودت هذه الحرب بكل شيء. أخبريهم. أن حتى سكان المنازل المبنية بالطوب يتضورون جوعا اﻵن". وأضافت أن أسرتها حاولت بيع منزلها، ولكن أحدًا لا يملك المال لشراء بيت.

في اليوم التالي عدت إلى المستشفى في الحديدة، لتفقد حال صالحة وفاتنة. أوضحت الفحوص أن الطفلة مصابة بالتهاب السحايا، وهي عدوى تصيب المخ والنخاع الشوكي ويمكن ان تسبب فقدان السمع، التشنجات، وتضرر المخ، وحتى الوفاة. وأخبرني طبيب أن المرض أصبح شائعًا بشكل متزايد في المنطقة. ولكن صالحة قالت أنها بالكاد تملك من المال ما يكفي للطعام، ناهيك عن كلفة العلاج. وقد قررت أخذ فاتنة للبيت في قريتهم، دون علاج.