من موقع The Art Foundation

"الحالة الحرجة للمدعو ك".. العيّش في محاكاة لروايات كافكا

منشور الأربعاء 22 نوفمبر 2017

يظهر الملمح الكافكاوي لرواية "الحالة الحرجة للمدعو ك"، للكاتب السعودي، عزيز محمد، من العنوان، فـ "ك" هو اسم بطل رواية "المحاكمة" لكافكا.

شخصية بطل رواية عزيز محمد تبدو، بالفعل، كأنها هاربة من قصة لكافكا. موظف، خريج تقنية معلومات، يعمل بمهنة عقيمة، روتينية، يتحول، بفعل الضجر من العمل، الذي لا يطيقه، إلى ما يشبه مسخ كافكا، جريجور سامسا، الذي أفاق من نومه ليتحول إلى حشرة عملاقة.

أنت لست أفضل من كافكا

المدعو ".." بطل الرواية، مجهول الاسم، فلا أسماء أشخاص أو أماكن بهذه الرواية، شخص متوحد مع روايات همنجواي، وكافكا، وتوماس مان. قد يكره فتاة لافتتانها بروايات موراكامي، الذي يمقته، هو ورواياته الأكثر مبيعًا. يعمل بشركة أسماها في مذكراته "البتروكيماويات"، درس تقنية المعلومات لكي يكون مرغوبًا في سوق العمل، حبه للأدب والكتابة، هو ما يأخذه على محمل الجد في الحياة، فهو يسخر من عمله؛ ومن موظفي الشركة الذين يطوعون احتياجاتهم الجسدية تبعًا للعمل؛ ومن الفيروسات التي يلاحقها حتى لا تسيطر على أجهزة الكومبيوتر بالشركة؛ وممن يربطون النجاح الشخصي بالدرجة الوظيفية؛ ومن مرضه الخطير؛ ومن الموت الذي يطارده؛ وموته الشخصي اليومي في العمل الذي لا يحبه، ويعتبره خيانة للذات في سبيل كسب العيّش. لكنه يعزي نفسه بأنه ليس أفضل من كافكا، فكافكا أيضا كان موظفًا في شركة تأمين حوادث. في الحقيقة، يصعب تصور أن الكاتب العدمي يذهب إلى الناشر كي يحصل على أجر، ويعيش من إيراد كتبه، فضلًا على أن يعمل موظفًا. لكن ضرورات الحياة تقتضي ذلك. يقول "على المرء أن يكسب قوته بطريقة ما، والشباب يعاني من البطالة، والبيت يحتاج إلى الراتب، وهل أنت أفضل من كافكا؟"

استعار هو من كافكا عزلته وانسلاخه، وكونه يرى العالم مليئًا بالبيروقراطية.

 

لكن ما توصيف العمل في رأيه؟ "هو أن تقضي النصف الأفضل من اليوم في سعي دؤوب لتضخيم جيوب ملّاك الشركة، وتعزيز فرص مديرك في الارتقاء بمنصبه".

ما يفعله بنا الأدب

البطل، مجهول الاسم، الذي انفصل تمامًا عن محيطه، حتى أنه لم يضع اسمه على مكتبه، يمارس إحالات واستعارات أدبية طوال الوقت؛ ينعت زميله في العمل بالشيخ، تيمنًا ببطل "العجوز والبحر" لإرنست هيمنجواي؛ يحلم بإجازة طويلة، يسافر فيها إلى براغ، مدينة كافكا.

"الإفراط من كافكا، من شأنه أن يصيبك بمختلف الأشياء".

مثلما خرجت أبطال اللوحات، في فيلم "Le Tablueau"، إلى العالم، يبحثون عن الرسام، بدا البطل المجهول كأنه هبط إلى الأرض، بعد إصابته بلعنة الخروج من رواية؛ يمارس اللعب، بالتنقل من رواية لأخرى؛ يخرج للعالم صباحًا، ثم يرجع ليبيت في صفحات الرواية، التي خرج منها. سبّب له ذلك الاغتراب والعزلة، والنفور التام من العمل/ المجتمع/ العالم. تتقاطع خطوطه، أحيانًا، مع أمه، التي ترى ضرر الكتب مثل ضرر التدخين. في اجتماعات العمل يمارس الاستدعاءات الأدبية؛ يؤلف قصصًا في رأسه؛ يتخيل أن "ك" شخص يجد نفسه، فجأة، في اجتماع، وقد أوصدت الأبواب، لايدري كيف دخل، ولا كيف يخرج.

معاناته الدائمة من الغثيان، كأنه في حالة حمل مستمرة، كشفت عن إصابته بالسرطان. بخفة، يستقبل خبر إصابته باللوكيميا (سرطان الدم)، كأنه كتاب صغير لجونيشيرو تانيزاكي.

كان يعالج نفسه بالقراءة والكتابة والسفر والحشيش، جنبًا إلى جنب مع العلاج الكيماوي. لكن، مع تماهيه مع كافكا، لم تكن لوكيمياه هي درن كافكا، فقد كان كافكا كابوسيًا، كان يقول"إن آلام الرئة ليست سوى انعكاسًا لآلامي المعنوية."، أما البطل المجهول، فكان ألمه ساخرًا، مثل روحه؛ يتندر على السرطان، وعلى العلاج الكيماوي، وعلى من يشفقون عليه من المرض، وعلى فحص الرنين المغناطيسي.

أخذ يتهكَم على الصيغ التفائلية لمحاربي السرطان، وعلى أخبار من هزموا المرض، بقوة إيمانهم. ثم استخدم مرضه لكي ينتقم من العالم، والعمل، والعلاقات المسرطنة. يقول، "فكرت أن أبلغهم هكذا، بابتسامة ساخرة، وربما ضحكة مكبوتة، تفلت رغمًا عني، قبل بدء الحديث، كأني سأحكي نكتة، ثم تفضلوا: 'سرطان!' بل يجب أن أقول 'كانسر'، فهذا أشد رعبًا، وأغرب وقعًا، وأدعى للارتباك". كان خائفًا بالضرورة، لكنه الخوف على جسم غريب، لا يشعر أنه يمتّ له بصِلة.

الأسى العذب على زوال الأشياء

احتفظ بالشعور بالغثيان، والقيء المستمر، كموقف من العالم. وأعطاه السرطان شعورًا بالحرية. من الآن يستطيع أن يقوم بأعمالٍ تخريبية، وممارسات تهكمية؛ ولن يعاقبه أحد، فمن سيجرؤ على إيذاء موظف مريض بالسرطان، ولو سبّب تدمير ملفات العمل، عمدًا؟

مثلما يقول كافكا:"وكان قد حصل على هذه الحرية، عن طريق الكفاح، مثلما لا يقدر امرؤ آخر، في مكانه، أن يفعل، وما من أحد، بعد الآن، يجوز له أن يمسه أو يصرفه، بل، حتى، لا يكاد أحد يخاطبه. لكن، في الوقت نفسه، نشأت لديه قناعة أخرى، بالقوة نفسها على الأقل، بأنه لا يوجد شئ أكثر عبثية، وأكثر يأسًا من هذه الحرية".

لكن، يبقى الأثر الذي يتركه البطل المجهول هو ما يطلق عليه باليابانية "مونو نو وير"، أو "الأسى العذب"، أول كلمة أجادها باليابانية.