دولة الرئيس.. عجّل الله فرجه

منشور الأحد 12 نوفمبر 2017

في مساء السبت الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بات رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي كان يزور الرياض في حكم المختفي، منذ أن أطل بشكل مفاجئ عبر شاشة تلفزيون "العربية" وأدلى ببيان استقالة لم يأخذه أحد على محمل الجد. 

وحدث أن ألقت وقائع ما جرى في الرابع من نوفمبر لبنان في قلب الاستقطاب الآخذ في التصاعد بين السعودية وإيران منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة في يناير/كانون الثاني 2015، بعد أن أبقت توازنات التوافق على انتخاب ميشال عون رئيسًا للبنان في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي، البلد في منطقة الحياد. 

ألقى الحريري بيان استقالته ثم اختفى، بالتزامن مع حملة شنتها السلطات السعودية حملة استهدفت أمراء من الأسرة المالكة ووزراء حاليين وسابقين، قبل أن تتواتر الأنباء عن اختطاف رئيس الوزراء، إلى أن طالب عون السعودية بإيضاح أسباب عدم عودة الحريري إلى لبنان. 

ورغم ظهور الحريري في حديث تلفزيوني مقتضب مع قناة العربية أيضًا، جرى في بيته في الرياض، ونفيه فرضية اختطافه، وتأكيده أنه سيعود إلى لبنان، إلا أن الغموض ما زال يحيط بمصير الحليف الأبرز للسعودية. 

ثمة من يرجّح فرضية اختطاف رئيس الوزراء اللبناني في السعودية أو وضعه قيد الإقامة الجبرية أو ما شابه. 

كان هذا موضوعًا لتقرير حصري نشرته وكالة رويترز استندت فيه إلى مصادر مقربة من الحريري قالت فيه أنه قد "تمت مصادرة هاتفه الجوال وفي اليوم الثاني أُجبر الحريري على تلاوة بيان استقالته كرئيس للوزراء".

وجاء هذا التقرير بعد خطاب للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة قال فيه إن الحريري "محتجز في السعودية وممنوع حتى هذه اللحظة من العودة إلى لبنان وهذا الأمر يجب أن يقال بكل وضوح وصراحة (..) نحن ندين هذا التدخل السعودي السافر في الشأن اللبناني الداخلي، وندين هذا التصرف المهين مع الرئيس سعد الحريري (..) إهانة رئيس حكومة لبنان هي إهانة لكل لبناني حتى لو كنا نختلف معه بالسياسة".

موقف حزب الله كان لافتًا أخذًا في الاعتبار الوضع السياسي القائم في لبنان منذ عام 2005، والانقسام الحاد بين قوى الرابع عشر من آذار والتي يأتي على رأسها تيار المستقبل، وقوى الثامن من آذار وعلى رأسها حزب الله، والتي تطورت لاحقًا في 2008 إلى اشتباكات مسلحة كانت هي الأكثر عنفًا منذ نهاية الحرب الأهلية مطلع التسعينات. 

أما تيار المستقبل فموقفه كان لافتًا كذلك على ما حمله من تناقض، إذ أصدرت كتلة المستقبل النيابية بيانًا من ثلاث بنود، أبدى الأول إدانته "أية حملات تستهدف المملكة العربية السعودية وقيادتها وتعتبر هذه الحملات جزءًا من مخطط لتخريب الاستقرار الوطني"، بينما اتهم الثاني إيران بـ"تأجيج الفتن والصراعات والحروب في منطقتنا"، وأخيرًا تذكّرت الحريري فجددت وقوفها وراء قيادته، وأكدت انتظارها "بفارغ الصبر عودته إلى لبنان".

ولكن ثمة فرضية أخرى ترى أن الحريري ليس محتجزًا في السعودية، ولكن ما يجري مرتبط بالتصعيد السعودي اللافت مؤخرًا ضد حزب الله، ليبدو الأمر كمن يسعى إلى توجيه ضربة قاضية ضد الحزب. 

فالرياض أعلنت الحكومة اللبنانية حكومة حرب على المملكة، وذلك على لسان وزير شؤون مجلس التعاون الخليجي ثامر السبهان، الذي يتولى أيضا الملف اللبناني، وبعد أن أسهب كثيرًا خلال الشهرين الماضيين في تهديد حزب الله.

وإذا أخذ تصريح السبهان حول حكومة الحرب في لبنان على محمل الجد، وهو ما ينبغي أن يكون، ووضعت كذلك في سياق الطموح الإقليمي اللافت لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يتولى وزارة الدفاع ويشن حربًا ضد حلفاء إيران في اليمن ويواصل التصعيد الدبلوماسي ضد قطر وغيرها، فإن التمهيد لحرب في لبنان ضد حزب الله لا يبدو خيارًا مستبعدًا. 

إقالة الحريري ورفع الغطاء الحكومي عن لبنان تمهيدًا لشن حربٍ عليه يبدو خيارًا سعوديًا مجنونًا للوهلة الأولى، غير أن المؤشرات تؤدي إليه، وسواء كان الحريري مجبرًا على الاستقالة محتجزًا في الرياض، أو أنه متعاطٍ مع هذا القرار السعودي بالتخلص نهائيًا من حزب الله، فإن الإخراج السيئ لمشهد استقالة الحريري وحّد اللبنانيين جميعًا، لا خلف الحريري أو حزب الله أو إيران أو السعودية، ولكن خلف رمزية دولة الرئيس، عجل الله فرجه.