ثلاثُ حكاياتٍ عن الشّغف: العيب مش فيّا.. دا العيب فِ الضي

منشور الأربعاء 29 نوفمبر 2017

يقف وحيدًا في محطة مترو البحوث بمعطف أسود وعينين مرطبتين بدموع لم تنزل، يهمس على خلفية صوت القضبان "وإن سألوك الناس، عن ضيّ جوه عيونك ما بيلمعش، ماتخبيش".

هذه المحطة، كغيرها من محطّات المترو، اعتادت "زين" يغني، ملاحقًا من الشرطة أو من أفراد الجماعات الإسلامية، ومضيّقًا عليه بظروفه الاقتصادية والمعيشية. لكنه يبقى، من بداية الشريط السينمائي لفيلم "هيستريا" وحتى نهايته يغني.

يفسّر زين الذي جسّد شخصيته الراحل أحمد زكي تصرفاته بجملة يقولها لأخته "شوية جنان عشان نعرف نعيش".

 

 

يقاوم زين بغنائه الوضع الذي يعشيه. خريج معهد الموسيقى العربية الذي انتهت أحلامه إلى الصف الأخير في كورال الأوبرا وراء مغنيين آخرين، يجني قوت يومه من الغناء في الأفراح، ويواجه صراعات الحياة اليومية في خضم كل هذا، يحب ولا يطول حبيبته بسبب الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بينهما. 

في الثلث الأول من الفيلم، حين يفشل زين في أداء دوره في الكورس فيؤنبه المايسترو متهمًا إياه بالسقوط للقاع كغيره، يدافع زين عن غنائه في المترو وفي الأفراح، يقول "من حقّي أغنّي وألاقي ناس تسمعني".

ما يراه زين جنونًا لازمًا لاستمرار الحياة، يسميه "روبرت. جيه. فاليراند" في ورقته البحثية المنشورة في عام 2012 بـ"الشّغف"، ويراه عاملًا مهمًّا في الرفاه النفسي للأشخاص. 

تذكر الورقة في مقدّمتها أن الرفاه النفسي لايعني بالضرورة أن يكون الشخص بلا أزمات، لكن الأبحاث تؤكد ارتباط السعادة أو الرضى بالحياة الذي ينشأ عن "الرفاه النفسي" بالصحة البدنية للأشخاص وقدرتهم على بناء علاقات صحية مع الآخرين، وهو الأمر الذي يربط فاليراند بينه وبين قيام الإنسان بأنشطة هو شغوف بها، ويشير إلى هذا الارتباط في كتابات باحثين آخرين.

في "هيستريا"، تستثمر "وداد" أو عبلة كامل بعض الجنون لتصل إلى زين، الذي أحبته. لايهم كيف يراها الناس حقًا وكيف يقيّمون ما تفعله طالما تنول من أحبّت. ويستثمر زين بعض الجنون أيضًا لتسيير حياته ومتابعة الغناء، لايهم إن كان في المترو وضد القانون طالما أنه منفذ يعطيه الأمل ويمنحه فرصة لممارسة ما هوى وأحب.

في ورقته، يعرّف فاليراند الشغف بأنه ميل الإنسان إلى استثمار وقته ومجهوده بشكل متكرر ودائم في أنشطة يحبها ويجدها مهمّة، وتساهم في تعريفه وتحديد ذاته، وهو ما نجده في غناء "زين"، ونجده أيضًا في ثلاث حكايات من الواقع، ترويها المنصة عن ثلاثة أشخاص يحبون ما يفعلون، يجدون فيه سعادتهم ووجودهم، رغم الصعوبات التي قد يواجهونها، أو عدم تفهّم من حولهم لقراراتهم، حتى إن كانت هذه النشاطات لاتدر نفعًا حقيقيًا عليهم، لكنها تمدّهم بالحياة.

اسمي هدير ناجي.. وأنا عندي شغف

أنار قيام ثورة يناير داخلها حب نقل الحقيقة، فارتادت كلية الآداب قسم الإعلام لتدرس الصحافة، ليفتح دخول جامعة عين شمس فرصة الإلتقاء بـ"ألوان"، نافذة النشاط الجامعي التي تعلّمت من خلالها رسم الجرافيتي ومن ثم فن الخط، والذي عشقته على حوائط منطقة الجمّالية، خاصة خط "الطومار"، الذي أحبت فيه مرونة حروفه، وقربها من ثقافة الناس الشعبية، فصار حلمها دراسته وتكسيره، للخروج بمشروع يقترب من الناس ويعبّر عن نفسها. هكذا تحكي هدير ناجي حكايتها؛ شغف يقود إلى آخر. للمزيد ...


حسين عفيفي.. المونتير لا يموت لو في يده مقص

على خلفية نسمات الشباك المفتوح في الجزء الأخير من الصالون في الخامسة فجرًا، يمسك حسين عفيفي بقلمه الرصاص ومسطرته، ناظرًا إلى عدد "الأهرام"، الذي قرأه وحدد المواضيع التي استهوته فيه في اليوم السابق. يخطط ويقص، المتن مقسّم لأعمدة في جانب، والعنوان في جانب، والصور أيضًا. ينظر إلى ورقة بيضاء، يخططها هي الأخرى، ثم يلصق الموضوع معيدًا تكوينه بطريقة تجعله أكثر جاذبية لعينه: "هو مونتاج برضو، بس على الورق". للمزيد ...

رحلة "الزول" من هندسة الحاسبات إلى بازار الحاج زينهم

لأربع سنوات، تحديدًا حتى العام 2014، ظل محمد أحمد، الشهير بعوض، أو الزول، ينزل كل يوم في العاشرة صباحًا من شقة صغيرة في الدور الأول بأحد عمارات وسط البلد، ليفتح محلًا صغير المساحة على بعد خطوات منه، بالقرب من مقهى البستان، يعرف ببازار "الحاج زينهم"، يمتلئ بتحف وتماثيل، يعمل الزول على العناية بها وتنظيفها، دون مقابل: "العيلة دي معروفة في سوق الأنتيكات، ولاد عم في بعضيهم ومابيشغلوش أي حد". للمزيد ...