ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لدى زيارته مقر شركة فيسبوك 22 يونيو/حزيران 2016

الأمير الصغير يستعجل العرش

منشور الاثنين 6 نوفمبر 2017

بخطوات ثابتة يسير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نحو خلافة أبيه حيًّا، ويهيّئ المجال من أجل أن يستوي على العرش سيّدًا لقصر اليمامة، بإزاحة كل العوائق الماثلة أمام طموحه داخل العائلة من ناحية، وبمحاولة فرض نفسه إقليميًا كلاعب قوي، يسعى لتغيير توازنات القوى في الشرق الأوسط لصالحه من ناحية أخرى. 

ويقدم الأمير الصغير نفسه باعتباره قائد مسيرة "تحديث المملكة"، عبر جملة من القرارات والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية، مثل ما سمّاه ”رؤية 2030“ للمملكة، وهي خطة قدمها في أبريل/نيسان الماضي بينما كان وليًا لولي العهد، لإحداث نهضة اقتصادية وتعليمية واجتماعية، بعد تأثر المملكة بانخفاض أسعار النفط، وبعد تزايد الانتقادات الموجهة لنظمها الاجتماعية. 

وفي ظل هذه الأجواء تأتي الحملة التي شنها الأمير الشاب (32 سنة) لتحجيم بعض ذوي النفوذ في العائلة المالكة السعودية، تحت عنوان "مكافحة الفساد" من أجل تمهيد الطريق. 

ولا يمكن الحديث في السعودية عن إجراءات شفافة لمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، إذ لا توجد مؤسسات تشريعية تمارس أدوارًا رقابية على السلطة التنفيذية، ولا سلطات قضائية مستقلة عن سلطات الملك، ولا حتى دستور مُستفتى عليه من الشعب. 

ومحمد بن سلمان، الذي يتولى رئاسة اللجنة العليا، التي شُكلت من أجل مكافحة الفساد، يتولى كذلك مناصب عدة، فهو ولي العهد، نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس إدارة شركة آرامكو، التي تتحكم في نفط المملكة، وهو رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة. 

وفي ظل ذلك أيضًا حدثت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بالكيفية التي حدثت بها، إذ أعلنها من الرياض في تسجيل مصوّر بثته قناة فضائية خاصة في سابقة فريدة، وذلك قبل ساعات من إعلان المملكة إسقاط صاروخ باليستي أطلق من اليمن، بالقرب من الرياض.

فما هو المغزى من فتح كل هذه الجبهات؟

اقرأ أيضًا: بعد تيران وصنافير.. محمد بن سلمان يقترب أكثر من عرش السعودية

تمهيد الطريق وإزاحة الخصوم

بعد الإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف من المشهد في يونيو/حزيران الماضي أصبحت كل القوى المسلحة في السعودية، من جيش وشرطة، تتبع محمد بن سلمان، باستثناء واحد وهو قوات الحرس الوطني المستقلة عن وزارتي الدفاع والداخلية وتتبع وزارة قائمة بذاتها هي وزارة الحرس الوطني، التي كان على رأسها الأمير متعب بن عبد الله، الذي كان مرشحًا في زمنٍ مضى لأن يكون خادمًا للحرمين الشريفين، أو هكذا كان يتمنى والده. 

 

الأمير متعب بن عبد الله مع قوات الحرس الوطني السعودية

محمد بن نايف لم يكن فقط وليًا للعهد، ولكنه كان وزيرًا قويًا للداخلية، ورث الوزارة عن والده نايف بن عبد العزيز الذي شغل هذا المنصب منذ عام 1975 وحتى وفاته في عام 2011، هو لم يكُن فقط مجرد طامح للعرش، ولكنه أيضًا رجل قوي داخل العائلة تدين له الشرطة بالولاء. 

ومهام وواجبات هيئة الحرس الوطني ليست بذات وضوح مهام قوات الجيش أو قوات الشرطة، ولكنها، بشكل رئيسي، تؤمن المنشآت الحيوية والاستراتيجية، وتساعد قوات الجيش أو الشرطة في حالات الطوارئ، وتحافظ على "الأمن والاستقرار الداخلي"، وهي كلها مهام صيغت في عبارات حمّالة أوجه.

ومثلما قلّص الأمير الصغير، استنادًا إلى سلطات والده الملك، صلاحيات ابن عمّه تدريجيًا حتى أطاح به نهائيًا من الصورة، فعل ذلك مجددًا مطلع هذا الأسبوع مع الأمير متعب، الذي ورث هو الآخر قوات الحرس الوطني عام 2010 عن والده الملك عبد الله، والذي كان يدير هذه القوات منذ مطلع الستينات، ليسمّي ابنه خليفة له على رأسها، ثم في 2013 يحوّلها إلى وزارة مستقلة ويعيّن ابنه وزيرًا. 

كان الأمير متعب آخر العقبات الأمنية أمام طموح الأمير الصغير، والآن، لم يعُد. 

مغامرة إقليمية أخرى؟

بلا شك فإن توقيت وطريقة استقالة الحريري يحملان العديد من الدلالات، بداية من توقيتها في فترة لا يمر لبنان خلالها بأية أزمات سياسية داخلية، انتهاء باستقالة رئيس وزراء لبنان، أثناء تواجده في السعودية، بسبب تدخل إيران في شؤون بلاده، وفشله في التعامل مع ذلك، ثم يطلق وعدًا مبهمًا للشعب اللبناني بجولات أخرى، يكون فيها لبنان مليئًا بالتفاؤل والأمل.

عشية استقالته التقى الحريري في بيروت مستشار قائد الثورة الإسلامية الإيراني علي أكبر ولايتي، وبعد اللقاء توجه رئيس الوزراء إلى الرياض حيث ألقى خطاب استقالته. 

اقرأ أيضًا: ترامب وزايد وسلمان.. كيف تشكّل ثالوث الأزمة القطرية؟

وكالة أنباء فارس الإيرانية ذكرت أن الحريري نقل إلى ولايتي طلبًا سعوديًا بأن تتوقف إيران عن دعم الحوثيين وأن تحسن علاقاتها بدول الخليج، وأن ولايتي رد على الحريري بأن على السعوديين وقف العمليات العسكرية في اليمن تمهيدًا لبدء الحوار. 

لم يُشر الحريري في خطابه بالطبع إلى وقائع لقائه مع ولايتي ولكنه تحدث عن محاولات إيرانية لاغتياله، واتهم إيران، من السعودية، بالتآمر على لبنان واستخدام حزب الله لخطف لبنان. وامتد خط الاتهامات قدمًا بتحميل إيران وحزب الله المسؤولية عن تصاعد دوامة العنف في الشرق الأوسط.

 

الحريري يجتمع مع ولايتي قبل ساعات من استقالته

وقال في ختام خطابه موجهًا الحديث للبنانيين "أعدكم بجولة وجولات مليئة بالتفاؤل والأمل بأن يكون لبنان أقوى مستقلاً حراً، لا سلطان عليه إلا لشعبه العظيم، يحكمه القانون ويحميه جيش واحد وسلاح واحد".

فهل سيجلب الحريري الأمل والحرية للبنانيين من السعودية؟ وهي سيساعده ابن سلمان؟ 

يبدو تورط السعودية مباشرة ضد حزب الله في لبنان أمرًا متهورًا، ولكن التصعيد السعودي ضد حزب الله، وإفراغ لبنان من حكومته التي يترأسها أحد أبرز حلفاء الرياض، مع الوضع في الاعتبار جموح الأمير الصغير وميله لخوض المغامرات الإقليمية، تجعل من الأمور المتهورة، أمورًا محتملة. 

يعزز هذا الاحتمال حملة التصريحات التي أطلقها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما غرّد على تويتر مطالبًا بتحالف دولي صارم لمواجهة حزب الله. 

واستمرت سهام السبهان مصوبة باتجاه حزب الله عندما اتهم حزب الله بشن حرب ضد السعودية، مستغربًا صمت الحكومة والشعب في لبنان على ذلك، وأكد أن المملكة ستحاسب حزب الله وأنها "عازمة على اتخاذ جميع الوسائل الرادعة لحزب الله" لأنه يعمل على "تجنيد خارجين على القانون ويقوم بتدريبهم في معاقل له داخل الأراضي اللبنانية، وهذا عمل يناقض جميع الاتفاقات الدولية".

يوم الثلاثاء الماضي، اجتمع السبهان مع الحريري في السعودية، وغرّد الرجل بعدها بصورة "سيلفي" تجمعهما معًا، وكتب "اجتماع مثمر مع الحريري واتفاق على أمور تهم الشعب اللبناني".

وبعد ثلاثة أيام استقال الحريري.

الرهان الضروري

ربما تكون المغامرة الإقليمية المرتقبة رهانًا ضروريًا للأمير الصغير، الذي يتوق إلى تحقيق أي نصر، خاصة مع محاولاته المستميتة منذ تصعيده، لتعزيز نفوذه الإقليمي، دون أن يحقق النجاح سوى مرة واحدة.

فسياساته التصعيدية إزاء إيران فشلت في عزلها، وحربه في اليمن لا تبدو قريبة من نهايتها، وحصار قطر لا يبدو أنه يتجه إلى انتصار دبلوماسي حاسم، ومحاولاته المستمرة لقيادة تحالف ما يقوم بشيء ما، مثل ذلك التحالف الذي أعلن تأسيسه فجر يوم 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي ويضم 36 دولة مهمته محاربة الإرهاب، باء بالفشل عندما أعلنت معظم الدول التي ذكرت أسماءها أنها لا تعرف شيئًا عن الأمر كله. 

اقرأ أيضًا: كيف أصبحت إيران أكبر الرابحين من الأزمة الخليجية مع قطر؟

لم ينجح الأمير الصغير إلا في إدارة ملف جزيرتي تيران وصنافير حتى حصل بالفعل عليهما من مصر، وكان وقتها وليًا لولي العهد، وبعد نحو أسبوع واحد من إقرار البرلمان المصري للاتفاق، أصبح وليًا للعهد وكأن هذا النصر الإقليمي تذكرة عبوره إلى ولاية العهد، فهل يبحث الملك الموعود عن نصر إقليمي جديد يستوي به على عرش اليمامة؟