مكتبات بورسعيد بين الغلق والتنكيل

منشور الخميس 16 نوفمبر 2017

يفاجأ الدكتور حامد سراج صاحب مكتبة "اليرموك" ببورسعيد بقوة من الشرطة تخبره أنه تمت مصادرة المكتبة لعدم دفع الإيجار المتأخر، وعلى الفور يلقون الكتب بشكل مهين على الرصيف.

تقع مكتبة "اليرموك" على ناصية شارعي أوجينا وصلاح سالم، التي تتسم بالعمارة اليونانية، وبجوارها كشك صغير للورد. تُعد المكتبة من أقدم وأشهر المكتبات ببورسعيد. نشأت عام 1980 بشارع صفية زغلول، ونُقلت إلى مكانها الحالي عام 2002، وهي علم وملاذ للبحث عن الكتب النادرة. وعلى مدار السنوات تطورت المكتبة من مكتبة متخصصة بالكتب الإسلامية والتراث، إلى مكتبة تضم أكثر من خمسين ألف كتاب متنوع في شتى المجالات. 

يقول الدكتور حامد، صاحب المكتبة: "ألاقي الزبون نفسه انبهر لما يلاقي الكتاب، لأنه لف مالقهوش، راح القاهرة مالقهوش، راح إسكندرية مالقهوش، فطبعًا الكلام دا بيحسسني إن أنا ماشي على الطريق الصحيح".

تملك مقر المكتبة شركة تأمين حكومية، وكان إيجارها 1500 جنيه، ولكن الشركة لم تقنع بهذا المبلغ، وزاد الإيجار إلى 3000 جنيه، بعد قضية رفعها الطرفان، وحكمت المحكمة لصالح شركة التأمين، وتجاوز المبلغ المستحق دفعه 310 ألف جنيه. 

يستنكر الدكتور حامد، الذي كان طبيبًا بيطريًا قبل أن يتفرغ للمكتبة، تعامل الدولة مع مكتبة تساعد القراء في بورسعيد، يقول: "لما احنا النهاردا الدولة كلها بتركز جهودها على مقاومة الإرهاب، ناسيين ليه الثقافة إنها عنصر أساسي من عناصر مقاومة الإرهاب؟ أنا لما أكون صمام أمان ضد الإرهاب وتيجي الدول قطماني، يبقى فيه حاجة غلط". 

كان حامد تلقى بالفعل إنذارات بالطرد أو سداد الديون، ولكنه انتظر لأنه لم يتوقع ما حدث: "إدوني أكتر من إنذار لكن ما كنتش مستوعب إن دا هيحصل".

الدولة تغلق مكتباتها

ليست مكتبات البيع الخاصة فقط هي المهددة بالغلق، بل المكتبات الحكومية العامة أيضًا، فالحكومة أصدرت قرارات بغلق مكتباتها.

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر محافظ بورسعيد، اللواء عادل الغضبان، قرارًا بغلق مكتبتي التفوق العلمي ومكتبة 6 أكتوبر. 

يرجع تاريخ المكتبتين إلى الثمانينيات، وتقع مكتبة 6 أكتوبر، بمنطقة 6 أكتوبر بحي الزهور، حيث تَشغل المكتبة شقتين بالدور الأرضي بإحدى العمارات، وهي المكتبة الوحيدة التي تخدم الحي ثقافيًا، ويعد حي الزهور من أكبر أحياء بورسعيد. توفر المكتبة خدمات الاستعارة والقراءة، مما يسهل البحث على طلاب المدارس والجامعات، خاصةً، طلاب كليات التربية النوعية، والتربية، وكلية الأداب بجميع فروعها، وغير الطلاب من المهتمين  بالثقافة والأدب والفن.

يعلق إبراهيم فهمي، رئيس قسم المسرح بقصر ثقافة بورسعيد، بأن الكتب أصبحت باهظة الثمن، والمكتبة توفر الكتب للطلاب بالمجان من أجل الأبحاث، ومع غلاء المعيشة، تزيل المكتبة عبئًا ماليًا عن المواطنين. 

أما مكتبة التفوق العلمي فتقع بداخل مبنى المحافظة، وتضم أكثر من 12 ألف كتاب، وتقول الأستاذة منال سلامة مديرة المكتبة بأنها الوحيدة على مستوى المحافظة التي تضم رسائل ماجستير ودكتوراه، حيث يتردد عليها الباحثون والطلاب، وأساتذة الجامعات والمعيدين، من أجل عملهم وأبحاثهم.

تضم المكتبة أيضًا أكثر من 500 قاموس، كما تنظم فاعليات وأنشطة فنية، ليس بداخل المكتبة فقط، بل خارجها أيضًا، من خلال الجمعيات الخيرية والأندية ومراكز الشباب.

يقول إبراهيم فهمي أن سبب إغلاق مكتبة 6 أكتوبر أن أحد العاملين بالمحافظة يريد تحويل إحدى شقتي المكتبة إلى مكتب له. وأضاف: "كان هناك اقتراح بضم قصور الثقافة إلى وزارة التنمية المحلية، فتتفكك وزارة الثقافة، ولكن قوبل الاقتراح بمقاومة شديدة". 

يضم كل حي من أحياء بورسعيد الخمسة مكتبة عامة تشمل قاعات ومسارح، ولكن فهمي يشير إلى أن المكتبات تابعة لإدارة المحافظة، وهي غير مفعلة تمامًا، وهي مكان للموظفين فحسب. 

وتابع قائلًا: "بعد تولي اللواء عادل الغضبان المحافظة طلبت منه أن تنضم هذه المكتبات لوزارة الثقافة، وتتحول إلى مكتبات متخصصة، طلبت أن يتركوا لنا المكتبات الخمس لنديرها، خلي لكم الإداريات وسيبوا لينا الفنيات، دي شغلتنا احنا، احنا نعرف نشغلهم". 

حتى الآن لم تغلق المكتبتان، وتقام فيهما فاعليات منتظمة وطبيعية. ولكن من الناحية الإدارية ورغم المخاطبات المستمرة بين الفرع والإقليم من جهة ووزارة الثقافة ووزير التنمية المحلية والمحافظ من جهة أخرى، لم يستجب اللواء الغضبان، وأصر على تنفيذ القرار، وأرسل إنذارًا لمدير عام قصر الثقافة بالإخلاء. 

 

مكتبات شابة

بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، انتعشت الحياة الثقافية في مصر بشكل ملحوظ، وكان لبورسعيد نصيبًا من هذا، فقد فُتحت مكتبات خاصة بشكل جديد، في محاولة لتوفير الكتب لأبناء مدينة بورسعيد. فظهر أول فرع لمكتبة "كتابيكو" بالممشى السياحي، ثم توسع ليفتح فرعًا آخر في شارع 23 يوليو، ولكنه لم يستمر بسبب ارتفاع قيم الإيجار، وبعدها بفترة فُتح فرع أصغر مرة أخرى في بور فؤاد. 

و تنتشر عدوى الثقافة، وتُفتح مكتبة"الكُشك" وهي فعلًا عبارة عن كشك صغير على رصيف حديقة فريال، وبعدها بأكثر من عامين يفتتح فرع آخر بشارع 23 يوليو، ثم رُكن صغير على الشاطئ بمجمع  style square  الترفيهي.

تحاول المكتبات الحديثة بروحها الشابة اجتذاب القُراء بعمل أنشطة أخرى غير بيع الكتب، من تنظيم دورات فنية مختلفة، من رسم وموسيقى ومناقشات، في ظل أن المكتبات القديمة أو ما تبقى منها مثل مكتبة "أولاد نسيم"، تعتمد بشكل كلي على بيع الكتب فقط.

من جهة مكتبات الاطلاع والاستعارة، إلى جانب مكتبات قصور الثقافة توجد مكتبة مصر العامة، كما فتحت فرع جمعية "الآليانس فرانسيز" مكتبته للجميع باشتراك رمزي، بحيث يمكنك القراءة بالمكتبة والاستعارة وأيضا الجلوس لتنتهي من بعض أعمالك.

ولكن جميع تجليات الثقافة المذكورة تتعرض للتضييق، فالمكتبات العامة مهددة، والخاصة تعاني أحيانًا من التعثر المادي، وفي مدينة صغيرة كبورسعيد إغلاق مكتبة واحدة يعتبر أمرًا كارثيًا على الثقافة.