صورة لسيارة نقل المساجين

"ترحيلة": "حرية الفكر" توثّق كيف قُتِل 37 مصريًا وهم في طريقهم إلى "أبو زعبل"

منشور الخميس 28 سبتمبر 2017

أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، اليوم الخميس، تقريرا بعنوان "ترحيلة" عن حادث عربة ترحيلات أبو زعبل الذي وقع عام 2013، وأسفر عن مقتل 37 شخصا من أصل 45 كانوا داخل السيارة خلال ترحيلهم إلى السجن.

واستند التقرير الحقوقي إلى الأرشفة الشفهية باستخدام شهادات ذوي الضحايا وبعض المحامين، وشهادات بعض الناجين المنشورة على الإنترنت، كما اعتمد على أوراق الدعوى القضائية– التي اتهم فيها بعض الضباط بالقتل الخطأ لضحايا الحادث- لعرض شهادات المجندين ورجال الأمن الذين حضروا الواقعة، وكذلك عرض تقارير الخبراء، والتقارير الطبية.

وذكر بيان صادر عن المنظمة أن التقرير "يقدّم الروايات البديلة، من خلال مادته الموثقة، في محاولة لتمثيل أصوات الضحايا"، قائلاً إن ذلك لكي "تتوافر فرص أكبر لتحقيق العدالة لهم، ولتعزيز قدرة الأفراد والمجتمع على تلمس معرفة الحقيقة حول وقائع وأحداث ارتبطت بفترة التغيرات السياسية والاجتماعية منذ عام 2011".

ووقع حادث عربة ترحيلات أبو زعبل، بين السادسة صباحًا والثالثة عصر يوم 18 أغسطس 2013، حين صدر قرار بترحيل 45 شخصًا إلى سجن أبو زعبل بعد القبض عليهم على خلفية مشاركتهم في اعتصام رابعة العدوية، والذي فضته قوات الأمن قبل 4 أيام من وقوع حادث عربة أبو زعبل، والذي لم ينج منه إلا 8 أشخاص فقط، بينما مات الباقون خنقًا.

وأثار الحادث جدلاً حول سبب الوفاة والذي وقع بين احتمالية قنبلة غاز ألقيت على من في السيارة بعد أن كرروا مطالبتهم بفتح بابها للتهوية، وبين التكدس الشديد داخل سيارة لا تسع أكثر من 25 شخصًا وفقا لمساحتها وإمكانات التهوية المتاحة لها، والتي بيّنتها تقارير هندسية استعان بها التقرير الحقوقي.

وامتد الجدل إلى التوصيف القانوني لجريمة القتل، ما بين وصفها بالقتل الخطأ، أو القتل العمد.

واُحيلت أوراق القضية إلى محكمة مستأنف الخانكة، التي أصدرت حكمها على 4 ضباط متهمين في القضية، بالحبس 5 سنوات للمتهم الأول، وعلى المتهمين الثاني والثالث والرابع بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، بينما لا تزال الدعوى منظورة في محكمة النقض.

وحمل التقرير شهادات عن تأثر هذه القضية بحالة الاستقطاب السياسي التي سادت مصر بعد عزل الرئيس الأسبق مُحمد مرسي وفض اعتصامي رابعة والنهضة، إذ بيّن كيف ترك الاستقطاب آثاره سواء على أهالي الضحايا- أغلبهم منتمين للتيار الإسلامي- حد رفضهم التعاون مع منظمات المجتمع المدني، باعتبار مواقفها "مؤيدة للسلطة والتيار العلماني"، أو على محامين منهم مدافعين عن الحق في التظاهر لكنهم رفضوا الدفاع عن المقبوض عليهم في الاعتصامين واعتبارهم "إرهابيين".

وحكى تقرير "حرية الفكر والتعبير" وقائع يوم الحادث، بدءًا مما قبل تحرّك العربة وحتى وصولها إلى سجن أبو زعبل العسكري المركزي بمنطقة الخانكة، محافظة القليوبية، لتصطف في طابور "المأموريات" الخاص بالواردين للسجن كرقم 12 في ترتيب العربات، وكيف تململ الضُباط القائمين على حراستها من حرارة أغسطس، مطالبين بالجلوس بجوار مكتب نائب المأمور، بينما ظل المحبوسين في صندوق العربة المتوقفة في مكان شبه صحراوي.

وعرض التقرير وقائع الحادث منذ استغاثات المحبوسين من العطش ونقص التهوية وسخونة الجو ووجود مصابين بأمراض مزمنة كالسكري بينهم، مستعينًا بشهادة أفراد شرطة وسائق العربة، وكيف أبلغ بعضهم المأمور والضباط باﻷمر؛ ليقرروا فتح باب العربة حوالي ربع ساعة فقط لمدهم بالمياه قبل إغلاقه من جديد، وهي الرواية التي أكدها الضباط  في تحقيقات النيابة العامة.

ولكن شهادات بعض الناجين التي نقلها التقرير أيضًا، حملت رواية أخرى إذ قال أحدهم إن السيارة استغرقت من ساعة إلى ساعة ونصف الساعة حتى تصل وجهتها في بهو السجن، وكيف انخفض الأكسجين بعد ذلك لتتواصل استغاثاتهم لوقت ليس بالقصير "حتى بدأوا يتساقطون فوق بعضهم البعض، فيما حاول بعضهم الآخر عصر ملابسهم للحصول على المياه"، ينما كان الضباط والحرس في الخارج "يضحكون".

وأكد عدد من الناجين أن المُرحلّين حين استغاثوا من تعرض رفاقهم للإغماء ومطالبتهم بمياه شُرب، تعرّضوا لـ"مساومات" من حراسهم من قبيل "اشتموا مرسي واحنا نفتحلكم، وقولوا احنا عيال".

وعقد التقرير مقارنة بين الروايات المبنية على شهادات الناجين وبين المبنية على أقوال الشرطيين المتهمين في القضية أمام النيابة، والتي تبيّن فيها اختلافات كبيرة بين أقوال الضباط والمأمور وبين أقوال أفراد الشرطة.

ولكن الراويات لم تتوقف عند هذا الحد، إذ كان هناك حديث عن الغاز المُسيّل للدموع، والذي قال بعض الناجين إنه بعد مشكلة واجهت العساكر في فتح باب العربة، واعتقادهم أن المُرحّلين أغلقوه من الداخل، تمكنوا من فتح الباب لكنّ المُرحلين قبيل فتح الباب ونزولهم منه "ألقي عليهم الغاز".

وذكر التقرير أن المُشاهدات الأولية للضحايا وكذلك التقارير الطبية أشارت إلى أن الجثث "كانت معظمها منتفخة، وقد تلونت الوجوه إما باللون الأحمر أو الأسود، جرّاء الاختناق الناتج عن التكدس وإطلاق الغاز المُسيّل للدموع عليهم أثناء الاحتجاز داخل السيارة، الذي استمر ﻷكثر من 6 ساعات تقريبًا".

ولكن روايات للناجين- نقلها التقرير- أفادت بأن "أغلب الضحايا كانوا بدأوا في التساقط منذ الحادية عرش وحتى الثانية ظهرًا، وأنهم لقوا حتفهم تباعا قبل إلقاء أسطوانة الغاز في النصف ساعة الأخيرة لاحتجازهم"، وأن بعضهم توفي بينما البعض الآخر تعرّض لإغماء فقط، ومنهم من نُقل إلى العناية المركزة.

وبناءً على ما كان من أقوال متضاربة بين الناجين والمسؤولين، انتقل التقرير إلى مرحلة المُحاكمة لتوضيح كيف انعكست الروايات السابقة على مسارها سواء في سبب الوفاة بين استنشاق غاز أم اختناق بسبب التكدس وسوء التهوية، أو توصيف الجريمة سواء قتل خطأ أو عمدي، إذ تبنت النيابة "القتل الخطأ"، بينما دفع المحامون الحقوقيون الموكلون عن أهالي الضحايا والناجين بأنه "عمدي".

وبعد استعراض لتقارير هندسية وشهادات وأسماء للضحايا، اختتمت "حرية الفكر" تقريرها بتأكيد أنه بمثابة محاولة أولى لمزيد من البحث والتقصي من قبل المهتمين بالقضية، ما قد يؤدي في فترة أخرى إلى الوصول لمزيد من المعلومات والشهادات غير المعلومة بعد.