علم قوس قزح في حفل فريق ليلى

حقوق المثليين: الفن يتحدث أولًا

منشور الثلاثاء 26 سبتمبر 2017

ثناء حفل فني لفريق "مشروع ليلى" اللبناني في "الميوزك بارك" بالتجمع الخامس بالقاهرة، رفع بعض الحاضرين علم "قوس قزح"، الذي يعتبر شعارًا للمثليين جنسيًا في العالم. قامت الدنيا على شبكات التواصل الاجتماعي؛ حملات شجب وإدانة للفريق اللبناني "مشروع ليلى" ومنظمي الحفل، وقرار بمنع الفريق من إقامة عروض أخرى في مصر. 

طوال السنوات الماضية ظهرت صور تبرز رفع العلم في أماكن متفرقة في مصر، ولكنها كانت ممارسات فردية لم تحقق انتشارًا كبيرًا، ولكن هذه المرة رُفِع العلم علنًا وسط وجود أكثر من 30 ألف متفرج، وساهم في ذلك ما هو معروف من مساندة الفريق اللبناني لحقوق المثليين العرب

يعد موضوع المثلية الجنسية وحقوق المثليين من الموضوعات الشائكة التي يتجنب الكثيرون في العالم العربي الحديث عنها، ويظل حامد سنو، المغني الرئيسي للفريق اللبناني "مشروع ليلي"، هو الفنان العربي الوحيد الذي أعلن بشكل صريح ميوله الجنسية ومثليته. وذلك في مقابل الغرب، الذي أعلن فيه عدد كبير من الفنانين عن مثليتهم، وكرسوا حياتهم للدفاع عن حقوق المثليين في العالم. 

 

ومثلما كانت المساحة الفنية هي مصدر التعبير عن المثلية الجنسية في الحدث الأخير في مصر، كذلك كان الفن هو المساحة الأبرز للمثليين في العالم على مر العصور للتعبير عن هويتهم الجنسية، وساهم ذلك بشكل كبير في قبول العالم الغربي الآن بحقوق المثليين.

ورغم أن العصور القديمة حملت مظاهر مكثفة من المثلية الجنسية، وذلك طال العالم العربي والتاريخ الإسلامي، واشتهر العديد من الشعراء مثليي الجنس، مثل أبو نواس، إلا أنه مع بداية العصور الحديثة بدأ العداء تجاه هذه الممارسات، ووصلت إلى حد التجريم. 

في عام 1895 اتُهِم الكاتب الأيرلندي أوسكار وايلد بـ "اللواط وارتكاب الفاحشة" وذلك بناء على القانون الذي أقره البرلمان البريطاني عام 1885، سُجن وايلد لمدة عامين، ورغم وجود سوابق في هذه الفترة بالتصريح بالمثلية الجنسية، إلا أن وايلد لم يصرح بذلك، وإنما فضحته أعماله الأدبية التي حملت الكثير من الإشارات لممارساته. 

 

كُتِب اسم وايلد كأحد أبرز ضحايا اضطهاد المثليين، رغم أن عصره لم يكن مهيأ ليجعله أحد المدافعين عن حقوقهم. مع حلول عشرينيات القرن العشرين، بدأ يظهر قبول مجتمعي بسيط للمثليين، وبدأت الأغاني الشعبية الغربية تعكس هذا القبول بطريقة ساخرة،  فتجد على سبيل المثال أغنية "Masculine Women, Feminine Men" للمطرب الأمريكي إيرفينج كوفمان،  وهي أغنية ساخرة من الوضع الجديد آنذاك بتقبل وجود أشكال من المثلية الجنسية في المجتمع، حيث بدأت نوادي المثليين  في العمل بشكل علني، وبدأ الحديث عن حقوق المثليين جنسيًا عن أنها من حقوق الإنسان.

 كما شهدت أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات ما يسمى بحفلات البانسي أو الـ pansy performers​  في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت حفلات البانسي في مدينة نيويورك الأمريكية في الحانات التي تعد صديقة للمثليين ووصفها الصحفي الأمريكي جوزيف بوليتسر بأنها الأدنى أخلاقيًا، ومع بداية العشرينات وزيادة قبول المجتمع الأمريكي للمثلية الجنسية أخذت هذه الظاهرة في الانتشار لتصبح إحدى علامات الحياة الليلية الأمريكية خلال فترة العشرينيات وبداية الثلاثينيات.

مع الحرب العالمية الثانية، صعد التيار المحافظ مرة أخرى في المجتمعات الغربية، الأمر الذي أدى لانحسار القبول المجتمعي للمثليين وأُطلِق عليهم "المنحرفون جنسيًا"، لينتهي هذا القبول المجتمعي بموجة من عدم التسامح مع المثلية الجنسية وحظر تقديم أي صورة متعاطفة معهم، وتم التعامل مع المثليين على أنهم مرضى يتم علاجهم بالإخصاء.

 

 

في عام 1976 أعلن المطرب والموسيقي العالمي إلتون جون عن ميوله الجنسية في حوار صحفي مع مجلة Rolling Stone، لم يكن هذا سهلًا، كانت المثلية ما زالت غير مقبولة في العالم الغربي، بعد هذا الإعلان بعامين فقط اُغتيل السياسي الأمريكي المثلي هارفي ميلك، الذي كرس حياته للدفاع عن حقوق المثليين،  والذي وصل لانتخابه ليكون عضوًا بمجلس مدينة سان فرانسيسكو.

منذ نهاية الثمانينيات صار الوضع مختلفًا، أصبح تصريح الفنانين عن ميولهم الجنسية المختلفة أمرًا عاديًا، دون خوف أو مخاطر، فكان من الطبيعي أن تشاهد رحلة صعود نجم المذيعة الأمريكية إلين ديجينيرس، التي صرحت بمثليتها الجنسية على الهواء في برنامج أوبرا وينفري عام 1997، لتأتي بعد عشرين عامًا لتقدم حفل الأوسكار 2014، دون الخوض في مسألة ميولها الجنسية.

عرف الوسط الفني الغربي الكثير من الفنانين الذين صرحوا بميولهم الجنسية كالمطرب العالمي جورج مايكل والفنان نيل باتريك هاريس، وريكي مارتن، بل وعرف أيضًا فنانين غيريين يقومون بدعم حقوق المثليين مثل براد بيت  الذي قال في أحد تصريحاته عن المثلية الجنسية "المساواة، بالتأكيد، هذا ما يحددنا، هذا ما يجعلنا عظماء، إننا متساوون".

بالعودة إلى العالم العربي، ما زال هناك خوف من الحديث عن المثلية الجنسية أو التصريح بها أو حتى مناقشتها، باستثناء تصريح فنان أو آخر بدعمه للمثليين. يقتضب أحمد الفيشاوي في الحديث عن المثلية الجنسية عندما يُسأل عنها في أحد البرامج الحوارية في أغسطس/آب 2017، ويكتفي بقوله "بعتبرها حرية شخصية".

وبخلاف أحمد الفيشاوي لم يتحدث أي فنان آخر عن المثلية الجنسية باعتبارها حرية شخصية سوى الفنانة هالة صدقي عندما سئلت في أحد البرامج في مارس/آذار 2016 عن حقوق المثليين، وقالت "بيصعبوا عليا" وصرحت بأن الشخص المثلي "حر" وأضافت أن لها أصدقاء مثليين وأنها مستعدة لدعم المثليين ولا تعارض "الوقوف معاهم".

 

في العصر الحديث كان للفن دور أساسي في تقبل المجتمعات الغربية للأقليات كجزء من نسيج المجتمع، ومثلما كان الحال في الغرب، يبدو أن الفن في الوطن العربي هو أول ما يلفت النظر للمثليين الجنسيين وقضاياهم. فمنذ عدة أيام لم يكن الحديث عن المثلية الجنسية أو حقوق المثليين في مصر يجري على نطاق واسع وفي منصات رائجة في المجتمع، لكن الآن صار علم "قوس قزح" معروفًا، وأدرك الكثيرون أن هناك مجتمعًا من المثليين يعيش بينهم، وذلك بسبب حفل فني لفريق موسيقي.