مصدر الصورة: http://www.hdwallpapers.im/

الحرب العالمية الثالثة.. هل تبدأ أم بدأت بالفعل؟! (تحليل)

منشور الاثنين 7 ديسمبر 2015

بعد دقائق من بث خبر إسقاط مقاتلات حربية تركية لقاذفة حربية روسية على الحدود بين تركيا وسوريا، بدأ سيلٌ من تعليقات منصات الاتصال الاجتماعي ينظر للخبر باعتباره لحظة إشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة.

التغريدات العربية على تويتر، والتي كتب بعضها أسماء معروفة تعمل بالإعلام والسياسة، قارنت لحظة إسقاط القاذفة الروسية بواقعة اغتيال ولي عهد النمسا في ٢٨ يونيو/حزيران عام ١٩١٤ والتي أشعلت الحرب العالمية الأولى على مدار ٤ سنوات كاملة، ومنهم من قارنها بغزو ألمانيا النازية لبولندا في مطلع سبتمبر/أيلول عام ١٩٣٩ والتي أشعلت حربًا استمرت لست سنوات ويوم واحد!

فهل حقًا ستندلع الحرب العالمية الثالثة خلال الأسابيع المقبلة؟!

هناك ٣ إجابات يمكن الحصول عليها، كل إجابة تعتمد على إيجاد تعريف لما يمكن أن يطلق عليه اسم "الحرب العالمية".

الإجابة الأولى تفترض أن حرباً عالمية ستندلع، ومن الأدق أن نسميها: "الحرب العالمية الرابعة"، إذا ما اعتبرنا أن الحرب الباردة كانت الحرب العالمية الثالثة. وتفترض تلك الإجابة أن مفهوم "الحرب العالمية" لا يقتصر على الحرب التي يتم خوضها بالأسلحة التقليدية ولكن يشمل تلك الحروب التي تشترك فيها قوى إقليمية عديدة وتكون عابرةً للقارات.

فإذا كانت جبهات الحرب العالمية امتدت من المحيط الهادي وحتى المحيط الأطلنطي مرورًا بالبحر الأبيض المتوسط، فإن الحرب الباردة كانت أيضاً عابرةً للقارات والمحيطات، بل وفي مرحلةٍ منها وهي حقبة الثمانينات امتدت لتشمل الفضاء الخارجي وحينها أطلقت عليها إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان اسم "حروب النجوم".

كانت الحرب الباردة حربًا عالمية بكل ما تعنيه تلك الكلمة جغرافيًا. لم يحدث أن تواجهت القوتين الأكبر حينها بالأسلحة التقليدية، ولكنهما تواجهتا من خلال تكديس الأسلحة النووية ونشرها في دول العالم المختلفة، ومن خلال الحروب بالوكالة وأشهرها حربي فيتنام وأفغانستان.

وما يجري في العالم اليوم من حروبٍ إقليمية كبرى مثل الحرب في سوريا أو العراق أو اليمن، وما جرى في أوكرانيا، هو إعادة إحياء لفكرة الحرب الباردة ومحاورها المتورطة في صراعات مباشرة أو عبر الوكالة.

وإذا أخذنا الشرق الأوسط كمثال للجبهة الأكثر اشتعالًا الآن على الساحة الدولية فإننا يمكن أن نرى بدايات لما يمكن أن نطلق عليه اسم "الحرب العالمية الرابعة"، حيث أكثر من دولة مشتركة فيها إما بجهدٍ عسكري في سوريا مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيران والإمارات والأردن، أو بشكلٍ غير مباشر عبر تسليح ودعم فصائل المعارضة السورية مثل السعودية وتركيا وقطر. وتمتد قائمة الدول المشتركة في عمليات عسكرية في العراق لتشمل بلجيكا وهولندا وكندا وأستراليا وأسبانيا والنرويج والدنمرك.

الإجابة الثانية تفترض أن مفهوم الحرب العالمية يعني تلك الحروب الكبرى التي تعيد رسم حدود دول، وينتج عنها اختفاء بعضها وقيام دولٍ أخرى مكانها.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى رسمت بريطانيا وفرنسا خريطة الشرق الأوسط وقسمت سوريا الكبرى الى الدول التي عرفت لاحقاً كسوريا، العراق، فلسطين، الأردن، لبنان. وهي دول لم تكن منسجمة إثنياً مثل العراق، أو دينياً وطائفياً مثل سوريا ولبنان، ولم تكن دولاً لها امتدادات طبيعية مثل الأردن. لذا كان البديل هو إيجاد فكرة "الدولة الوطنية/القومية" في تلك الدول، والتي بدأت في الانهيار الكامل في أعقاب حرب العراق عام ٢٠٠٣ واستمرت في الانهيار في سوريا وليبيا.

وإذا كانت الحرب العالمية تعني إعادة رسم الخرائط، فإن حرباً عالمية "صغرى" تدور حالياً في منطقة الشرق الأوسط وتعيد رسم خرائط دوله كما لم يحدث منذ مائة عام. وهي حربٌ عالمية لأن آثارها ممتدة خارج حدودها، مثل ظواهر الهجمات الإرهابية في أوروبا أو موجات النزوح من دول المشرق العربي باتجاه الشواطئ الأوروبية أو الهجمات الإرهابية في تونس وليبيا ومصر واليمن والتي يعلن عن مسؤوليتها أفرع محلية لتنظيم ما يعرف باسم "الدولة الإسلامية".

أما الإجابة الثالثة فتفترض أن مفهوم الحرب العالمية سيكون شبيهاً بالحربين العالميتين الأولى والثانية من حيث الاستخدام الكثيف للأسلحة التقليدية والأعداد الهائلة من الجنود والمعدات.

ووفق ذلك المفهوم فإن حرباً عالمية ثالثة تبدو مستبعدة بسبب ما جرى صباح يوم ٦ أغسطس/آب عام ١٩٤٥ عندما تم إلقاء "الصبي الصغير" على مدينة هيروشيما اليابانية، وما جرى بعد هذا الصباح بثلاثة أيام عندما تم إلقاء "الرجل البدين" على مدينة ناجازاكي. حينها أدرك العالم أن عصراً جديداً من الرعب قد بدأ.

استطاعات الولايات المتحدة في لحظة أن تبيد أثر ١٤٠ ألفاً من البشر في هيروشيما، وأن تبيد أثر ٨٠ ألفاً غيرهم في ناجازاكي. لم تعد الدولة النووية الأولى في التاريخ تحتاج لآلاف الغارات الجوية لقتل مثل هذا العدد من سكان مدينتين.

ما جرى في صباح ٦ و٩ أغسطس عام ١٩٤٥ هو الذي أسس لفكرة "الردع النووي"، والتي كانت السبب الرئيسي في منع نشوب حرب إبادة بين الاتحاد السوفيتي وبين الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الباردة. وهي أيضاً الفكرة التي نجحت حتى كتابة هذه السطور في منع نشوب حرب إبادة نووية بين الهند وباكستان.

ليس سراً أن باكستان طلبت من الولايات المتحدة أن تنقل معلومةً للهند حول برنامج صواريخها النووي. هذه المعلومة تفيد بأن إسلام آباد لا تملك رفاهية الرد على أي هجوم نووي هندي. لذا فإن من يمتلك قرار إطلاق الصواريخ الباكستانية لن ينتظر هجومًا نوويًا هنديًا، بل سيضغط الزر ويخلد للنوم إذا أحس بالخطر!

إذن فانتشار الردع النووي لدى عدد من القوى الإقليمية حول العالم هو الذي قد يمنع نشوب حرب عالمية ثالثة بالمفهوم التقليدي الذي عرفه العالم خلال النصف الأول من القرن العشرين. وهو الذي يمكن أيضاً أن يطلق سباقًا للتسلح النووي في مناطق أخرى!

أيًا كانت الإجابة التي يمكن أن تجد فيها تفسيرًا لما يحدث في عالم اليوم من صراعات إقليمية ودولية، فإنه بات من حكم المؤكد أن عالماً جديداً يتشكل الآن وأننا في لحظةٍ شبيهة بتلك التي شهدها العالم أثناء انهيار نظامه في الحربين العالميتين السابقتين.

*باحث وصحفي مقيم في لندن.                              

ahmedzaky@                             

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.