من فيلم الباب المفتوح
فاتن حمامة

"رسائل حسين": والحب الذي لا ينضب

منشور الأحد 17 سبتمبر 2017

إن الخطأ الوحيد الذي ارتكبتيه هو أنك جعلتيني أراك، وأنك جميلة، وأنك رقيقة وأنك أنتِ.

لم تكن ليلى تريد أن تحيا حياة عادية أو أن تنتهي حياتها دون أن تنثر الجمال من حولها في كل مكان. 

لم تكُن سوى فتاة تؤمن بالحرية وبأن العالم لن يصبح أفضل إلا حين يتشارك الرجال والنساء سويًا في إصلاحه، ولكنها تواجه العديد من الصراعات التي تشبه الكثير من قصص وصراعات فتيات اليوم.

ليلى (فاتن حمامة) تفتح في "الباب المفتوح" أعيننا على أحلام الفتيات التي تتشابه في كل الأزمنة بشكل أو بآخر.

يبدأ الفيلم بها وهي تتحدى مديرة مدرستها وعائلتها لتشارك في إحدى التظاهرات المناهضة للإحتلال الإنجليزي، ولكن حين تعود إلى بيتها تفاجأ بضرب مبرح من والدها.

لم يغير هذا العنف من عقيدة ليلى ولا من ثقتها في إحساسها بأن ما تفعله هو الصواب؛ في الوقت الذي كان الحب ينبت في قلبها تجاه ابن خالتها عصام الذي لا ينفك إلا ويخبرها بأنه يحبها حتى تكتشف خيانته لها، فتؤدي بها تلك التجربة إلى فقدان للثقة بما تشعر وتؤمن به، إلى أن يأتي حسين.

يعلم حسين (صلاح سليم) ليلى من البداية كيف تحب ذاتها وتثق بها، ويترك في نفسها أثرًا واضحًا، حتى يلقي القدر في طريقها أستاذها الجامعي فؤاد (محمود مرسي) وهو معجب بها، ويتقدم لخطبتها. 

تخلق الكاتبة لطيفة الزيات من شخصية حسين فتى أحلام شريحة كبيرة من الفتيات، حتى بعد صدور الفيلم والرواية منذ نحو خمسين سنة لم يبهت الرونق الذي يحيط بشخصية حسين، وبطريقة غير مباشرة، تقارن الكاتبة بين الرجال الثلاثة الذين ترتبط بهم ليلى خلال مراحل الفيلم المختلفة، عصام وحسين وفؤاد، وكأنها تقدم لنا البراهين على أن عودة ثقة ليلى إليها في النهاية لم تكن لتأتي إلا لأنها لمست شيئا مختلفا من حسين؛ شيئا يختلف عن كل ما رأته من أي رجل من ذي قبل.

تعزيز الثقة

لم يتعامل مع ليلى على أنها ملك له ولم يرد لها أن تصبح مجرد تابع، بل كل ما أراده هو أن يجعلها فتاة أقوى وأكثر انفتاحًا. هو لا يخاف من أن تزيد قوتها بل يعمل طوال الوقت على زيادة الحب بداخلها إما لنفسها أو لمبادئها أو إليه هو مما يجعل منها فتاة أقوى مع الوقت.

يخبرها أن "انطلقى يا حبيبتى، افتحى الباب عريضا على مصراعيه، واتركيه مفتوحًا". ويقول في رسالته الثانية "وفي الطريق المفتوح ستجدينني يا حبيبتي، أنتظرك لأني أثق بك، وأثق في قدرتك على الانطلاق، ولأني لا أملك سوى الانتظار.. انتظارك".

مقارنة تلقائية يجريها المشاهد بين شخصية حسين من جهة وشخصيتي عصام وفؤاد من جهة أخرى، فعصام كان يكثر من قول "إنتِ لسه صغيرة، إنتِ مش فاهمة حاجة" ويتعامل معها باعتبارها طفلة ساذجة وطفلة طوال الوقت. أما فؤاد (أستاذها بالجامعة) فكان يتعمد إهانتها وتوبيخها أمام باقي الطلاب بحِجة أنه هكذا يجعلها أقوى وستحسن من مستواها الدراسي بتلك الطريقة. ولكن الحقيقة التي توضحها الكاتبة أن المحب حقًا لن يسعه إلا أن يرى محبوبه قويًا وواثقًا بذاته وليس العكس.

من تعني له الكثير

أيضًا هنا تجعلك الكاتبة تجري مقارنة أخرى بين كيفية تعبير الرجال الثلاثة عن إعجابهم بليلى.

فمثلا عصام لم يكن يفعل شيئًا سوى إخبارها بأنه يحبها، وحين سألته بطريقة غير مباشرة لمَ لم يفصح عن هذا الحب أمام الجميع قال: "أصل أنتِ لسه صغيرة، ومش فاهمة إن في ظروف تمنع الواحد من أنه يقول اللي هو عايزه". وحين سمحت له الفرصة قام بمحاولة فاشلة بالاعتداء عليها جسديًا، ولكن ليلى سرعان ما تسامحه على هذا الخطأ وتصدق أنه لم يكن واعيا في وقتها، ثم تكتشف بالصدفة أنه على علاقة غرامية بالفتاة التي تعمل كخادمه في منزله.

أما فؤاد في الحقيقة لم يخبرها قط بأنها تعني أي شيء بالنسبة إليه إلا حين قال "أنتِ مطيعة وهادية وبتسمعي الكلام".

ولكن حسين فلم يكن يفوّت أي فرصة لإخبارها بمدى جمال روحها ونقائها وأنه لن ينساها أبدا وسينتظر دوما أن ترسل له خطابا وتخبره بأنها مستعدة للزواج منه.

وفي أي زمان ومهما اختلفت جنسية الفتاة أو عرقها أو عمرها تبقى طوال الوقت بحاجة لأن تُمنح الحب والاهتمام من الرجل الذي اختارته.

استعداده للتضحية من أجل مبادئه

تتميز شخصية حسين أيضًا برفض كل العادات والتقاليد التي لا تفيد حتى لو كانت تحت مسمى "الأصول"، فما فائدة تلك العادات إن كانت ضد مبادئ وقناعات الإنسان؟

يدفع حسين ثمنًا لقناعاته تلك بحبسه ستة أشهر في السجن السياسي ثم مشاركته في الحرب وتحمل كل مخاطرها، ويحكي الفيلم في مشهد آخر أن من تلك الأصول الابتعاد عن المشاكل وأن جميع أمور الحياة يجب أن تسير في مسارها الروتيني، وأن الزواج مثلا لا يحتاج ليصبح ناجحًا إلا لفتاة مُحافظة وهادئة ورجل غني يستطيع أن يوفر لها مسكنًا واسعًا وعيشًا رغدًا. أما المجازفة فلا تعني شيئًا لتلك الأصول سواء كانت المجازفة بالحب أو بالثورة، وما أشبه الحب بالثورة.

يفهمها.. آلامها ومخاوفها

الآلام المحفورة بداخل ليلى صنعت لها هاجسًا يجعلها تخاف من توريط قلبها بحب جديد، فبعد أن كانت الفتاة المفعمة بالحب والمقتنعة حتى النخاع بالنضال من أجل الحرية باتت فتاة منكسرة لا تجرؤ على مخالفة الأصول ونصائح والدتها.

ولكن حسينًا استطاع حسين أن ينقب عن ليلى القديمة في أعماق روحها، ويجدها ويعيدها إلى النور من جديد، أراد أن تتعلم كيف تستمد ثقتها من أفكارها ومساعدتها للغير ومن ثم أن تستمدها من روحها هي وليس من أي شخص آخر. 

فقط هنا تستطيع أن تشعر بأنها حرة وآمنة، وتستطيع أن تحلم من جديد.. و أن تحب.