تييري هنري.. لا تراجع ولا استسلام

منشور الخميس 17 أغسطس 2017

 

في يناير/كانون الثاني عام 1999، انتقل هنري من موناكو الفرنسي إلى يوفنتوس الإيطالي مقابل 10 مليون يورو، ولكن بعد شهور قليلة حاولت إدارة النادي التخلص منه في صفقة تبادلية حاول فيها يوفنتوس ضم المهاجم البرازيلي مارسيو أموروسو إلى صفوفه. رحل هنري عن يوفنتوس الذي لم يسجل معه سوى ثلاثة أهداف، وانتقل إلى أرسنال الإنجليزي، ولكنه يفشل في مركزه الجديد كمهاجم، ولا يتمكن من التسجيل في أول ثماني مباريات له في البريميرليج.

لم يستطع هنري التأقلم مع تشكيل كارلو أنشيلوتي في يوفنتوس، والتكتيك الذي يجبره على القيام بواجبات دفاعية وتغطية الجناح الأيسر كله تقريبًا، أراد هنري أن يلعب كجناح تقليدي كما كان يفعل مع فريقه السابق موناكو، ومنتخب فرنسا. لم يكن هنري يحب الجانب الخططي والتكتيكي، لذلك بدأ يفقد شغفه بكرة القدم مع اليوفي؛ لم يكن يستمتع بها. 

قبل انتقاله إلى أرسنال بشهور قليلة، التقى هنري بالمدرب أرسين فينجر في رحلة جوية، قال له فينجر: "أنت تضيِّع وقتك في اللعب كجناح، أنت رقم 9". ولكن في شهوره الأولى مع أرسنال تحت قيادة فينجر، فشل هنري في اللعب كمهاجم، فشل لدرجة أنه أوشك على الاستسلام، وكاد أن يطلب من فينجر العودة للعب كجناح. لكن عاد وقرر أن فينجر يعرف أفضل منه.

يروي أوليفر دربيشاير في كتابه "تييري هنري: السيرة الذاتية: الحياة المذهلة لأعظم لاعب على الأرض" على لسان هنري: "أنا مدين تمامًا لأرسين فينجر. إن لم يقترح عليّ أن ألعب في وسط الهجوم، لم أكن سأفكر في ذلك. في البداية، كان من السهل بالنسبة لي أن اختار الذهاب إلى النادي الذي يريد مني أن ألعب على الجناح. بدا هذا خيارًا أسهل، لم أكن أشك في قدراتي على اللعب في هذا المركز، وإلا كنت رفضت فكرة أرسين، كانت لديّ ثقة كاملة فيه، هذا هو ما رجّح الكفة لصالحه. كان تَمَكَّن من إدارة بعض المهاجمين الكبار في الماضي، ويعرف الكثير عن كرة القدم، ومع ذلك، لم أكن لعبت كمهاجم منذ أن كنت طفلًا. على المستوى المحترف، كان هذا موقف جديد غير معتاد عليه".

 

كانت ثقة هنري في قدرات أرسين فينجر كمدرب هي ما جعلته يذهب إلى الأرسنال في صفقة بلغت 11 مليون يورو، هذه الثقة كانت بمثابة الوقود الذي جعل هنري يحاول ويجرب مرة تلو الأخرى ويتحمل الفشل المتكرر، كان تييري هنري في ذلك الوقت يلعب مهاجمًا بعقلية لاعب الجناح، كان يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يعتاد على مركزه الجديد، لكن المنافسة في أرسنال كانت شرسة على هذا المركز.

المبلغ الذي دفعه أرسنال مقابل انتقال تييري هنري من يوفنتوس جعل اللاعب تحت ضغط كبير، خاصة أنه في الموسم نفسه تعاقد أرسنال مع هداف كأس العالم عام 1998، دافور شوكر، مقابل 3.5 مليون يورو فحسب. 

قبل أرسنال، لم يلعب هنري كمهاجم منذ كان في الرابعة عشر من عمره، وفي بدايته مع المدفعجية لم يسجل في أول ثماني مباريات، كان مهاجمًا مع وقف التنفيذ، كان يشعر في تلك الفترة بأنه نكرة، لأنه لم يقدم شيئًا لفريقه الجديد. كل ما كان يحتاجه هنري هو هدف، هدف سيغير كل شيء، سيضعه على الطريق. 

 

كان الهدف الأول لهنري مفاجئًا، لم يتوقعه أحد، حتى هنري نفسه. كان أرسنال ضيفًا على ملعب ساوثهامبتون؛ مباراة صعبة نظرًا لإجهاد لاعبي المدفعجية بعد مبارات فيورنتينا التي سافر فيها الفريق إلى إيطاليا، بدا المدفعجية كسالى يجرون أقدامهم على أرضية الملعب، وكان التعادل السلبي هو سيد الموقف.

نَزَل هنري إلى أرضية الملعب كبديل في الدقيقة الـ 70، وبعد ثماني دقائق فقط، استطاع أن يحرز هدفًا من على بُعد 20 ياردة. كان هذا الهدف مصدر ارتياح كبير له، يقول هنري: "كان مصدر ارتياح لأنني كنت في انتظاره"، بالنسبة له كانت البداية هي المعضلة الأساسية، الخطوة الأكثر صعوبة، كان هذا الهدف هو بداية تحول تييري هنري إلى مهاجم أسطوري.

في رحلته، طَوّر تييري هنري فلسفته الخاصة به كمهاجم، ساعده في ذلك خبرته كلاعب في مركز الجناح، لم يولد هنري مهاجمًا يسجل الأهداف، بل على العكس تمامًا، كان لاعب جناح مهمته تمرير الكرات الجيدة للمهاجمين الذين يسجلون بدورهم. استفاد هنري من خبرته وتجربته كلاعب جناح ليفهم تمامًا ما هي التمريرات التي يود أن يتلقاها كمهاجم، يفهم هنري كمهاجم ما يفعله لاعب الجناح ودوره في الملعب وصعوبته، الأمر الذي جعله يطور من تحركاته لتسهيل عملية التمرير له.

لا تكمن أسطورة هنري كمهاجم فقط في تسجيله للأهداف، ولكن أيضًا في الكيفية التي كان يسجل بها، كانت أهداف هنري غير متوقعة بالمرة، من كرات ميتة لا أمل فيها. على سبيل المثال في هدفه في مرمى مانشستر يونايتد، استطاع أن يفاجئ الجميع بتسديدة مستحيلة، يقول عن هذا الهدف: "كلما شاهدت هذا الهدف أجدني أتساءل: هل فعلت ذلك حقًا؟".

الطريقة التي يتعامل بها تيري هنري مع الكرة أشبه بطريقة تعامل الفنان مع الوسيط الذي يعبر به عن أفكاره ومعتقداته، أسلوب مجرد من أي حسابات أو تحليل للاحتمالات، يفعل ما يظن إنه يستطيع فعله، لا يفكر مرتين، ولا يخاف من التجربة ومن احتمال الفشل.

يُعَدّ تعامل المهاجم مع الوقت من أهم الأمور التي طوّرها تييري هنري في كرة القدم. بالنسبة لمهاجم لا يحبذ التفكير والحسابات وينفذ بناءً على غريزته، يصبح الوقت عاملًا أساسيًا في طريقته وأسلوبه. يرى هنري أن أصعب حالة للمهاجم هي عندما يكون لديه مساحة من الزمن تسمح له بالتفكير، فيتحول المهاجم من لاعب كرة قدم إلى لاعب شطرنج يفكر في خيارات كثيرة ومختلفة لطريقة التسجيل.

طوّر هنري أسلوبه الشهير في تسديد الكرة لتدخل مقوسة في حارس المرمى، حتى لا يضع نفسه أمام خيارات كثيرة، ويختصر على نفسه الكثير من الوقت في التفكير. بهذا الأسلوب في التسديد الذي استطاع هنري إجادته وتطويره، أصبحت لديه رؤية واضحة لما يريد فعله بالكرة، الأمر الذي أعطاه الكثير من الثقة لأنه يعرف تحديدًا كيف سيتصرف بالكرة حتى قبل وصول الكرة إليه.

بهذا الأسلوب الذي أثبت نجاحه، أصبح هنري أكثر ثقة وهدوء وقدرة على التنفيذ السريع، وتحول الوقت بالنسبة له حليف يستطيع الاستعانة به. معظم المهاجمين يتسرعون في التعامل مع الكرة في منطقة الجزاء، لكن في حالة هنري فهو يعرف أسهل وأسرع طريق للهدف، لذلك فهو مسيطر تمامًا على الإيقاع، يمكنه تسديد الكرة إن شاء لتلتف حول الحارس، ولديه الوقت الكافي لتقييم الوضع وتجربة لعبة جديدة إن أراد.

سجل هنري في مسيرته الكروية التي تنقل فيها بين 6 أندية 284 هدفًا، منها 228 هدفًا سجلها للأرسنال ليحفر  اسمه كهداف تاريخي للمدفعجية وأحد أفضل المهاجمين في الدوري الإنجليزي الممتاز، كان يملك مجموعة من المهارات والامكانيات التي وضعته كنموذج للمهاجم في كرة القدم الحديثة، أسلوبه كان مذهلًا، ومثيرًا للإعجاب، يمكنه أن يلعب في أي مركز في الجبهة الهجومية بكل سهولة، وبالإضافة إلى كونه هدافًا، صنع هنري مع الأرسنال 74 هدفًا في مبارايات البريميرليج فقط.

بعد ثماني سنوات مع الأرسنال، استطاع فيها تييري هنري أن يترك علامته في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، انتقل في موسم 2007\2008 إلى برشلونة ليحقق مع النادي الكتالوني سبعة ألقاب خلال ثلاثة مواسم وسجل خلالها 49 هدفًا.

بذل هنري جهدًا كبيرًا لبناء أسطورته الخاصة، كاد أن يصبح ككثير من لاعبي كرة القدم الذي حطمتهم صخرة التوقعات الكبرى وما ينتج عنها من ضغوط. ولكنه بذل جهدًا أكبر في فرض أسلوب لعبه وشخصيته كمهاجم يبحث عن المجد، ولم تكن عظمته متعلقة بفقط بإحرازه للأهداف، ولكن في تنوع الأهداف التي أحرزها.