Fallout 4 - Far Harbor.. لأنك مجرد إنسان في نهاية المطاف

منشور الأحد 20 أغسطس 2017

تقدم لنا شركة Bethesda في إضافتها الأولى القابلة للتحميل للعبة العالم المفتوح وتقمص الشخصية Open World, Role-Playing Game الشهيرة Fallout 4، جزءًا جديدًا من عالم ما بعد الكارثة النووية، الإضافة التي تحمل عنوان "الميناء البعيد Far Harbor" والتي صدرت في مايو/آيار 2016، تدور في جزيرة منعزلة يعاني أهلها من الضباب المشع والاقتتال الأهلي. 

"أنا مجرد إنسان في نهاية المطاف ، فلا تلومني على شيء"، ستظل كلمات أغنية روري تشارلز جراهام الشهيرة "إنسان human" تداعب عقلك طيلة رحلتك على جزيرة الميناء البعيد مع رفيق رحلتك الروبوت المحقق المسن نك ڤالانتين.

فبمجرد أن تطأ أقدامك أرض الجزيرة كي تحقق ما سيبدو في البداية مجرد مهمة بحث عن فتاة اختفت في ظروف غامضة من بيتها، ستجد أن الجزيرة تبتلعك في قصصها الخاصة وستطرح عليك أزماتها تساؤلات مستمرة في ذلك العالم المُدَمَّر والمفكك، هل الغاية والنتيجة النهائية هي العامل الوحيد الذي سيصنع فارقًا في نهاية المطاف؟ قبل أن نجيب على ذلك التساؤل علينا أن ندرك أننا كبشر عادة ما نخوض أزمات مثل أزمة الجزيرة بموضوعية مفرطة دون النظر لمبررات تصرفات أطراف الصراع.

 

أن تضع نفسك مكانهم

وُلِد أهل الجزيرة في عالم ما بعد الحرب النووية المُدَمَّر المشع ذي الموارد النادرة للغاية، وتُفرَض عليهم ثلاثة سيناريوهات شديدة السوء: أولها أن يكونوا من أهل الميناء البعيد في شرق الجزيرة، يعيشون تحت تهديد تسرب الضباب الذي أسقط عشرات المستعمرات السابقة تحت قبضته، وخطر العصابات المتناثرة على الجزيرة التي تريد سرقة موارد الميناء.

السيناريو الثاني هو أن يكونوا من عبدة الإشعاع الذين يعيشون داخل غواصة نووية، انجرفت داخل أرض الجزيرة بفعل الحرب النووية القديمة، يعيش سكان الغواصة تحت حكم كاهن طاغية يحكمهم بقبضة حديدية وتعصب ديني شديد، إلا أنهم من ناحية أخرى يعيشون في مجتمع يتقبلهم ويعطيهم ما يشبع جوعهم ويعطيهم الحنان والحب الذي لم يجدوه في العالم الخارجي، والذي يجعلهم في نهاية المطاف يدافعون عنه كالمجانين، حتى لو كان يعترضون على بعض مبادئ تلك الجماعة، لخوفهم من انهيار المكان الذي يأويهم والذي يوجد فيه ما يعتبرونه عائلتهم.

السيناريو الثالث يحتم عليك أن تتخيل أن تستيقظ في الحياة لتجد أنك كائن عاقل ذو ذكاء اصطناعي قادر على الشعور، وتجد أنك عبد تحت يد بعض العلماء، وعندما تقدر على الهرب بأعجوبة تجد نفسك في هذا العالم المخيف حيث يرهبك الكل ويريد قتلك، إلى أن تصل لبر الأمان بملجأ أكاديا الذي يقوده ويرعى اللاجئين بداخله الإنسان الآلي حاد الذكاء ديما.

بعد دراسة متأنية ستجد أن عداء أطراف الجزيرة لبعضهم وللأجانب من خارج الجزيرة مُبرَرًا بالفعل، بخلاف رهابهم من تهشم العالم الذي ألفوه ولم يعرفوا غيره، وفِهم ذلك يضعنا في مكان جديد. 

 

 

 

المعادلة الصعبة

يضعك السيناريو أمام العديد من الاختيارات الصعبة لتحقق السلام بين أهل الجزيرة منها أن تقضي على طرف من أطراف الصراع الثلاثة أو حتى أن تضعهم في حالة مواجهة مباشرة مع بعضهم البعض لترى من سيخرج منتصرًا في نهاية المطاف. وضع قائد أكاديا ديما أيضًا أسرارًا عديدة على أطراف الجزيرة بعناية لتساعده على التخلص من أي طرف من أطراف الصراع في حال مَثَّل تهديدًا مباشرًا لأمن وسلام أهل الجزيرة، ثم مسح ذكرياتها من مخه عندما أحس بوحشية وهمجية فكرة القضاء التام على خصومه لمجرد اختلاف أفكارهم عنه، ويمكنك بكثير من الصبر أن تكتشف تلك الأسرار لتساعدك على تحقيق مهمتك.

 

 

إلا أن هناك طريقًا آخر مثيرًا للجدل يُمَكِّنَك من إحلال سلام دائم لأهل الجزيرة دون سفك المزيد من الدماء. يضعنا هذا الطريق أمام الكثير من التساؤلات أهمها هو معنى وماهية الحقيقة، وهل يترتب منها خير في المطلق، أم هل تؤدي الحقيقة في بعض الأحيان لشرور يمكن تفاديها؟ يتطلب منا هذا الطريق أن نعمل على الإطاحة بديكتاتور الغواصة عن طريق تصفيته أو نفيه خارج الجزيرة واستبداله بإنسان آلي ذي ذكاء اصطناعي يحمل صورته ليعامل رعيته المقهورين ببعض العدل، وتركيب أجهزة تنقية من الإشعاع داخل الغواصة في السر لتهيئة أهلها لرحلة شفاء طويلة. وأن نغطي على حقيقة تغيير ديما لقائدة الميناء بنفس الطريقة ليسيطر على أهالي الميناء للحفاظ على ذلك السلام الهش بين أهل الجزيرة، وأن تساعدهم على تركيب طاردات جديدة للضباب كي يستعيدوا مستعمراتهم التي سقطت في قبضة الإشعاع، نعم سيتحتم علينا الكذب ودفن حقيقة أننا سنضطر لقتل الكاهن أو حتى نفيه لضمان مستقبل حقيقي لرعاياه، وسنخبئ حقيقة أن ديما قَتَل زعيمة الميناء البعيدوبدلها بإنسان آلي يحمل صورتها وشخصيتها ليسيطر على أهل الميناء ويضعهم تحت تحكمه كي لا يبيدوا ملجأ أكاديا ولاجئيه، نعم سنضطر لاتخاذ هذه القرارات المقيتة. 

اللعبة رغم كونها خيالية إلا أنها تحاكي ما نمر به في الواقع، فعادة ما نختبئ وراء قيمنا ومبادئنا في حياتنا اليومية، ونادرًا ما نسأل أنفسنا ما الثمن الذي يتحتم علينا دفعه لتحقيق تلك المبادئ والقيم على أرض الواقع، علينا أن ندرك أن الواقع ليس أبيض وأسود، بل يحمل درجات عدة من الرمادي، فلا يوجد خير مطلق ذو نتائج جيدة وسعيدة على الإطلاق والعكس صحيح، يضعنا الكون دائمًا في حالة مساومة مع الواقع، فإذا أردنا تحقيق شيء ما علينا التضحية بشيء آخر في المقابل. فلا أحد يكسب كل شيء، ومن يسعى لكسب كل شيء يخسر كل شيء.

فما هو الثمن الذي ستدفعه لتحقيق السلام في عالمك، بماذا ستضحي من أجل مستقبل أفضل لك وللأجيال القادمة؟ ولأن هناك دومًا ثمنًا لتدفعه.