جواز السفر الخاص بالأطفال في مبادرة سفرني. تصوير: هاجر هشام

سفرني .. "طيارة أولى-تاني" تقلع من الورّاق إلى ألمانيا

منشور الثلاثاء 1 أغسطس 2017

في ظهر الجمعة الثانية من شهر أبريل/ نيسان الماضي، وقف 30 طفلاً في ساحة مدرسة فكري أباظة الإبتدائية بجزيرة الورّاق، التي تتوسط نيل القاهرة الكبرى، أخذوا مواقعهم بانتظام أمام باب الفصل "أولى تاني"، ينتظرون تحوله من قاعة درس إلى طائرة تحملهم في رحلة حول العالم، لا تتطلّب سوى الخيال، وجواز سفر ورقي أزرق تزينه طائرة ورقية صغيرة واسم المبادرة: "سفرني". 

سفرني هي مبادرة أسستها "رفاييل عيّاش"، فرنسية أمريكية، ولد أبيها في الجزائر، وكانت تعيش في القاهرة حين أسست مبادرتها قبل سبع سنوات بهدف تعزيز قدرة الأطفال على تقبّل الآخر من خلال رحلة سفر خيالية يخوضها الأطفال على مدار سبعة أيام متفرقة، بمشاركة أصدقاء من بلدان وثقافات مختلفة.

 

المبادرة بدأت بعياش وصديقها "توني"، لتصير الآن مظلة تضم تسعين متطوعًا مصريًا. داخل الفصل/ الطائرة يسرع ستة من هؤلاء المتطوعون لإنهاء ديكورات الفصل قبل دخول الأطفال، بينما ينشغل عشرات المتطوعين الأجانب لمساعدة الأطفال على اكتشاف بلدانهم وثقافاتهم. في ذلك اليوم في الوراق، وقف الألمانيان يوهانس وماري، مع المنسق المسؤول عن تسيير اليوم لمراجعة برنامج رحلة السفر الخيالية إلى بلدهم، التي امتدت، ككل رحلات سفرني، لأربع ساعات.

وقائع الرحلة

في الواحدةبعد ظهر الجمعة، ينفتح باب الطائرة، ويركض كل طفل لحجز مقعد على استعداد لبدء الرحلة. يناقش المنسقون الأطفال في توقعاتهم لليوم، ثم ينبه منسق اليوم الأطفال إلى ورقة بيضاء معلقة، كتب عليها "دستور سفرني" الذي يضم ضوابطًا يضعها الأطفال أنفسهم لتحكم سير اليوم بالتعاون مع المتطوعين، عادة ما تتضمن تلك الضةابط احترام الآخر والتعاون وتشجيع المشاركة.

في بداية اليوم، يحرص المتطوعون على استخدام نموذج الكرة الأرضية في جلستهم الممتدة لأربع ساعات، يصطف الأطفال لبدء النشاط، فيشير كل طفل إلى النموذج محددًا موقع مصر، وموقع البلد موضوع اليوم، يتعرف على المسافات التي تصنعها الجغرافيا بين البلدان، قبل أن تقوم المبادرة بمساعدته على اختبار إمكانية التقارب بين ثقافتي البلدين، والأهم، إنسانية الآخر الذي يبتعد عنه في المسافة والثقافة.

                                

الأطفال يتعرفون على موقع ألمانيا بالنسبة لمصر من خلال مجسم الكرة الأرضية

في الرحلة إلى ألمانيا، يتعلم الأطفال من يوهانس وماري كلمتهم الألمانية الأولى: "Danke" التي تعني شكرًا. يلي ذلك حديث عن المدن التي عاش فها الاثنان واستعراضًا لصور عائلتيهما. تشارك ماري مع الأطفال ذكريات طفولتها في الريف الألماني بينما يحكي يوهانس ذكرياته مع عائلته، ويحاول الأطفال تخيّل ما تبدو عليه تلك الأماكن من خلال الرسم.

يغني الجمع بعدها أغنية ألمانية للأطفال "خمسة أسماك صغيرة"، يرقصون معًا، ويتشاركون في أكل طعام ألماني هو سلطة البطاطس بالبيض، ويتناقشون حول مشكلة الاعتناء بكبار السن كأحد المشاكل التي يعاني منها المجتمع الألماني، ويتنافس الأطفال على تقديم الحلول لها.

بينما يطير خيال الأطفال إلى ألمانيا، تحكي رفاييل عن الموسم الأول لـ"سفرني" قبل سبع سنوات في مركز آرت اللواء، بمشاركة ثمانية أطفال من أبناء منطقة أرض اللواء الشعبية شمال الجيزة. أرادت رفاييل أن تجرب معهم كيف يمكن للتعرف على أفراد من ثقافات مختلفة تحسين تقبل هؤلاء الأطفال للاختلاف.

تطورت الفكرة إلى مبادرة لا تزال رافييل عياش قائمة عليها بمشاركة مجموعة من المصريين والأجانب الذين تلقوا تدريبات في كيفية التعامل مع الأطفال.

خلال سبع سنوات هم عمر المبادرة نظمت رافييل والمتطوعون مواسمًا في مناطق مختلفة من محافظة القاهرة، والمحافظات القريبة كالإسماعيلية التي كان للمبادرة موسم بها في صيف 2016.

ترى عياش أن ما يميّز "سفرني" كونها مبادرة لاكتشاف الآخر أكثر منها اكتشاف للبلدان. لهذا يكون بطل الرحلة شخص من البلد موضوع اليوم، ينقل فلكلور بلده وتراثها، ويشارك الأطفال ذكرياته وتجاربه الشخصية أيضًا، وهو ما يجعل مساحة التفاعل المتاحة أمام الأطفال واسعة لصالح اكتشاف الآخر وتقبل اختلافه عنهم.

تؤمن عياش أننا نتصرف بعدائية لأننا لا نفهم بعضنا البعض: "قبل حضوري إلى مصر عشت في أسبانيا لفترة، ورأيت عدة مواقف توضح كيف يكره العرب الأسبان والعكس". هذه المواقف التي صادفتها مؤسسة المبادرة في أسبانيا لا تتوافق وحياتها الشخصية التي حظت بتنوع ثقافي كبير، فقد تربت رافاييل بين فرنسا وأمريكا موطن والدتها ووالدها على الترتيب، قبل أن تنتقل هي إلى أسبانيا فمصر، ولا  تزال تجوب بلدانًا مختلفة في زيارات قصيرة.

 

رفاييل عيّاش مع الأطفال

خلال اليوم، يتحرك المتطوعون المصريون والأجانب بين اﻷطفال مشجعين إياهم على مزيد من التفاعل مع المحتوى المقدم لهم، وكأصدقائها المتطوعين، تقف زهراء محسن - واحدة من المتطوعين- لتقديم المساعدة وتسهيل التواصل مع الأطفال خلال اليوم. 

تطوعت زهراء في "سفرني" من سنتين. تقول إن المبادرة تخطت تعريف الأطفال بثقافة الآخرين إلى التأثير في سلوكياتهم اليومية: "الأطفال بتتعلم تستأذن قبل ما تجاوب وتروح الحمام، ما يرموش حاجة على الأرض وما يئذوش حد".

تشرح زهراء محسن أن المبادرة تستهدف تعليم الأطفال عن بلد من كل قارة: "أول يوم بيبقى يوم جغرافيا، بيتعلم الأطفال عن القارات والبلدان، وبعدين كل مرة بيتعلموا عن بلد واحد من قارة جديدة، بياكلوا إيه وعايشين فين وحياتهم [شكلها إيه]، بيرقصوا معاهم وبيلعبوا ألعابهم". تتحدث زهراء عن حلمها تحلم أن يمتلك سفرني طائرته الخاصة، ليأخذ الأطفال في كل مكان، ويمنحهم تجربة سفر حقيقية.

سبق "أحمد طلعت" زهراء للتطوع في المبادرة بعام كامل، وبالنسبة إليه؛ فإن سفرني تجربة تفيده بقدر ما تفيد الأطفال، المسؤول عنهم كواحد من المتطوعين في المبادرة: "كل يوم حاجة جديدة، بعرف ناس مختلفة من بلدان كثير، وبكتشف عاداتهم وتقاليدهم مع الأطفال، وبستمتع زيهم بالظبط".

بحماس يصف طلعت تفاعل الأطفال مع سفرني: "كل ما أقابل حد منهم خلال أيام الأسبوع يقولولي عايزين سفرني"، يضيف أن المبادرة تساهم في زيادة وعي الأطفال بما حولهم: "في أطفال معتقدة إن كوكب الأرض ده عبارة عن مصر وبس، سفرني بيعرفهم إنهم مش لوحدهم في الحياة".

المبادرة لاتهتم فقط بالأطفال وقت المواسم، لكنها تبدي اهتماماً بالأطفال المعرضين لأزمات، ففي رمضان الماضي، قام المتطوعون في سفرني بإقامة إفطار جماعي، لدعم أنشطة تخطط الحملة للقيام بها لصالح أطفال المدرسة السودانية بحي عين شمس، للتخفيف عن الأطفال بعد قتل مدير المدرسة فبراير/ شباط الماضي.

منذ تركت المبادرة أرض جزيرة الوراق، كان لها موسمين في منطقة روض الفرج بالتعاون مع جمعية شروق مصر، لكن المبادرة، بحسب كريستين مراد مسؤولة المتطوعين في المبادرة، تحاول تغيير منهجية عملها لتتضمن جلسات متابعة مع الأطفال بعد انتهاء المواسم: "مازلنا نعمل على محتوى الجلسات".