نوبي.. السياسة "جريمة" لا تسقط بالتوبة

منشور الأحد 9 يوليو 2017

فلنتخيل أن ممارسة العمل السياسي ذنب. كمسلم، يمكنك أن تستغفر الله العظيم كي تعلن توبتك شرعًا. وكمسيحي يمكنك اللجوء لكاهن للاعتراف والتطهر من ذنبك. ولكن كمصري؛ فلا توبة لك، فمعارضتك لبعض سياسات الحكم أو ممارسة العمل السياسي في مصر؛ ذنب لا يغتفر، حتى لو كان احتجاجك أو معارضتك قد مرت عليها سنوات، وحتي لو كنت قد لاقيت جزاءك بالفعل بإهدار سنوات من شبابك خلف القضبان.

في الشريعة الإسلامية هناك ملكان يدونان عنك كل ما تفعل وتقول طوال عمرك لتُحاسًب عليه. أما في مصر فهناك مخبر لا يسامح ولا ينسى، وأجهزة أمنية لا تغفر أو تتجاوز عن معصية الرأي والمعارضة.

يتوقف عمل المخبر في تدوين فِعالُك حين تقلع عن العمل السياسي. لكن حين يحل علي هذا الوطن السعيد موسم للاحتجاج أو موجة من الاستهداف الأمني، سيأتيك كتابك، وسيُعاد حسابك، حتى لو كنت قد أقلعت عن العمل السياسي. فحسابك وعقابك مرة، لن يشفع لك في ألا يتكرر العقاب على جريمتك القديمة مرة تلو الأخرى، في مأساة سيزيفية تستمر ما استمرت هذه الدولة الأمنية، حتى مع توبتك التامة وإقلاعك عن العمل السياسي.

سوف نتجاوز هنا عن شباب الأحزاب السياسية الملقون خلف القضبان، لأنهم والعياذ بالله يمارسون السياسة من خلال أحزابهم المعترف بها دستوريا وقانونا. ولنتجاوز أيضا هؤلاء الذين سولت لهم أنفسهم الانضمام إلى حركة سياسية أو احتجاجية ما، ولنتوقف قليلا مع من أضناهم ما تعرضوا له بسبب ظروفهم الشخصية أو الاجتماعية، فقرروا الالتفات إلي عائلاتهم وأعمالهم، إما عن قناعة، وإما فاقدين للأمل في غد أفضل علي المستوي العام، فلجأوا إلي تحقيقه علي المستوى الشخصي حتى يأذن الله بفرج لعموم مواطني هذا البلد أو فرصة للمشاركة في الإتيان بهذا الفرج.

من بين هؤلاء:  محمد عبد الرحمن "نوبي"، الشاب الأسمر خفيف الروح الذي قرر بعد العفو عنه من قضاء بقية عقوبة السجن بسبب التظاهر احتجاجا علي دسترة المحاكمات العسكرية للمدنيين، أن يبتعد تمامًا عن العمل السياسي والاحتجاجي.

منذ الإفراج عنه، وجه نوبي كامل طاقته إلى عمله في الإنتاج السينمائي، مستغلا مواهبه المتعددة في التواصل وتذليل الصعاب، معتمدا علي صبر وحلم لا ينفذان ولا أدري من أين يأتي بهما.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fsabri.elsammak%2Fposts%2F10154872675684779&width=500

 لا تكاد تراه إلا عائدا من عمله أو ذاهبا إليه. أحيانا لا تحتاج لفراسة كي تعلم أنك أمام شخص بلغ منه الإنهاك مبلغه، لكنه - رغم التعب- لا تفارقه ضحكته المليحة الراضية أبدا.

فوجئ نوبي بزوار الفجر في بيته يقلبونه رأسا علي عقب، ويلقون القبض عليه ويقتادونه إلى قسم الشرطة، ولم نعلم أن هناك اتهامًا موجهًا إليه إلا بعد أكثر من 24 ساعة على احتجازه، حين فوجئنا بترحيله إلى نيابة أمن الدولة متهما بالانضمام إلي تنظيم محظور مكون من 4 أشخاص لا يعرف أحدهم الآخر، ليتقرر حبسه مرة ثم ثانية. وها نحن في انتظار جلسة تجديد حبسه الثالثة.

سؤالي هنا باعتباري صديق شخصي لنوبي، وأظنني أعلم ما يدور بذهنه الآن: ماذا يمكن لأحدنا -إذا ما قرر أن يترك لكم الجمل بما حمل- أن يفعل لينقذ ما تبقى من نفسه وروحه من غياهب سجونكم ومن اتهاماتكم العبثية؟ وإلى متى ستستمرون في معاقبة "النشطاء السابقين" على سابقة أعمالهم التي حاسبتموهم عليها في طوفان القضايا التي تلت 30 يونيو/ حزيران 2013؟ وهل على من غامر مرة وحيدة "بارتكاب السياسة" أن يدفع ثمن مغامرته في هذه البلد للأبد؟ 

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.