محطة بنزين بعد بدء تطبيق قرارات زيادة أسعار المشتقات البترولية- المنصة- نورا يونس

زيادة أسعار الوقود.. حلقة جديدة في سلسلة "القرارات الشجاعة"

منشور الخميس 29 يونيو 2017

 

بعد ساعات من تجديد وزير البترول طارق الملا تصريحاته التي ينفي فيها نية الحكومة زيادة أسعار البنزين والمشتقات البترولية، استيقظت مصر صباح الخميس 29 يونيو/ حزيران، وفي يوم إجازة رسمية على خبر تطبيق زيادات جديدة في أسعار البنزين والسولار واسطوانات الغاز، بالتوازي مع بدء تطبيق الموازنة الجديدة التي أقرها مجلس الشعب نهاية رمضان المنقضي.

وتأتي زيادات الأسعار ضمن حزمة من الإجراءات التقشفية التي تواصلها السلطات المصرية، تطبيقًا للبرنامج الاقتصادي الذي تقدمت به لصندوق النقد الدولي، للحصول على قرض تبلغ قيمته 12 مليار دولار، اشترطت مصر على نفسها فيه رفعًا كاملاً لكافة أشكال الدعم بالتدريج، وتحرير الاقتصاد بالكامل.

وطُبِّقَت اليوم الزيادات في أسعار بنزين 92 الذي تستخدمه غالبية السيارات الخاصة، والسولار- بنزين 80 الذي تعتمد عليه سيارات نقل البضائع وعربات النقل الجماعي، ليبلغ سعر لتر بنزين 92 خمسة جنيهات بعد أن كان سعره 3.5 جنيه (زيادة 1.5 جنيه). بينما وصل سعر لتر بنزين 80 إلى 3.65 جنيه بعد أن كان 2.35 جنيه (بزيادة 1.30 جنيه)، أما البنزين النقي 95، المسمى بـ"بنزين الأغنياء" فارتفع سعره من 6.25 للتر، ليقف عند 6.60 للتر فقط (بزيادة 25 قرشًا).

كما ضاعفت السلطات من سعر اسطوانة الغاز ليصل من 15 جنيهًا إلى 30 جنيه، من المستودع للاسطوانة المنزلية، ولم يتحدد سعرها في البيع المباشر للمستهلك بعد، وتضاعف سعر بيع أنبوبة الغاز التجارية للمطاعم والمحال ليصل من 30 إلى 60 جنيهًا من المستودع.

وبعدها بساعات، أعلن وزير البترول الشرائح الجديدة لأسعار المحاسبة على استهلاك الغاز الطبيعي، مؤكدًا من جديد على أنه لا زيادة في أسعار الغاز الطبيعي المقدم للمنشآت الصناعية.  

الزيادات تأتي بعد تأكيدات متكررة على لسان رئيس الوزراء ووزير البترول، أفادت بعدم نية الحكومة تحريك أسعار مشتقات البترول قبل نهاية يونيو الجاري. لكن السلطة التنفيذية بادرت لاستغلال إجازة نهاية الأسبوع الطويلة، لزيادة أسعار المشتقات البترولية بما فيها شرائح الغاز الطبيعي، في تكرار للسيناريو الذي طبقته حكومة شريف اسماعيل في نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، عندما أقدمت السلطات على إعلان التعويم وزيادة أسعار المحروقات خلال عطلة نهاية الأسبوع.  

كما أن الإجراءات تأتي بعد تأكيدات حكومية على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، على تأجيل تقليص الدعم حتى تتمكن الحكومة من احتواء الموجة التضخمية التي ضربت البلاد عقب التعويم وزيادات أسعار الطاقة التي طبقت في نوفمبر الماضي.

                                  

شجاعة الرئيس

تأتي تلك الزيادات على خلفية استعداد مصر لتسلم الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي البالغة قيمته 12 مليار دولار، تتسلمها مصر في شرائح موزعة على ثلاث سنوات.

تسلمت مصر دفعة أولى من الشريحة الأولى للقرض، بعد أيام من إعلانها عن تعويم الجنيه، وزيادة أسعار المحروقات. أما الدفعة الثانية من الشريحة نفسها، فكان يُنتظر أن تتسلمها مصر في مارس/ أذار الماضي. ولكن لأسباب غير معلنة، تأجلت زيارة بعثة الصندوق لتقييم الوضع الاقتصادي -التي تعتمد عليها الموافقة على تسليم الدفعة الثانية- عدة مرات عن الموعد المقرر لها في نهاية فبراير، إلى أن تمت أخيرًا في نهاية أبريل/ نيسان الماضي.

قبل وصول البعثة بيومين، تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي في مداخلة له خلال المؤتمر الوطني الثالث للشباب في الإسماعيلية، مؤكدًا على أن ما تشهده مصر اقتصاديًا هو نتيجة تراكم تخوف وتردد القادة السابقين، وأنه لم يتردد في "الإقدام على الإصلاحات"، وأن "حركة الناس في 2011 كانت مبنية على توصيف غير حقيقي"، و"وعي زائف"، وذلك بعد ثلاثة أشهر من تأكيده إن مصر دولة فقيرة.

في كافة خطاباته تقريبًا؛ يدافع الرئيس عبد الفتاح السيسي عن قراراته الاقتصادية التي تطبقها حكومة شريف اسماعيل، باعتبارها ضرورية وشجاعة ولا سبيل غيرها لإنقاذ مصر من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة.

هذه التصريحات جميعها تأتي ضمن خط واضح، يحرص عليه الرئيس منذ كان يحاضر ضباط القوات المسلحة عن منهجه الاقتصادي، قبل أن يتخللى عن منصبه كوزير للدفاع، ويتقدم لتولي رئاسة الجمهورية رسميًا.

وواصل الرئيس منذ توليه الحكم رسميًا في يونيو 2014، المنهج الذي طبقه سلفه عدلي منصور، الذي شهدت فترة ولايته المؤقتة تطبيق الخطوات الأولى في برنامج التحرير الكامل للاقتصاد، مع بدء خفض الدعم المقدم على خدمات المياه والكهرباء ورفع مبدئي للدعم على الوقود، بالإضافة لدراسة تطبيق ضرائب جديدة، على رأسها القيمة المضافة التي طُبِّقَت لاحقًا في عهد السيسي.  

على من يخفضون الدعم

 

صندوق النقد الدولي الذي كشفت صحيفة المال عن اشتراطه في زيارة بعثته الأخيرة المزيد من خفض الدعم على الوقود كي يسلم مصر 1.2 مليار دولار هي قيمة الشريحة الثانية، يتفق مع مؤسسات مالية دولية كبرى على رأسها البنك الدولي في أن دعم الطاقة يلتهم نصيبًا غير قليل من الموازنة المصرية، وصل قبل الإجراءات التقشفية إلى ثلث الموازنة العامة. وتطالب هذه المؤسسات المالية جيمعها بإنهاء دعم الدولة للوقود والطاقة، كسبيل لا غنى عنه لخفض عجز الموازنة والأثار الاقتصادية السلبية المرتبطة به، كارتفاع الدين الداخلي.

كما استحوذ دعم الطاقة وحده وقتها على 72% من القيمة الكلية لما توجهه الدولة إلى الدعم.

                          

نصيب الطاقة من الدعم الكلي الذي تقدمه الحكومة

لكن بيوت الخبرة الاقتصادية نفسها، كشفت كذلك عن الخلل الذي يعانيه هيكل الدعم هذا، الذي يتوجه 24% فقط منه للفئات الفقيرة وشديدة الفقر التي تشكل 67% من مجموع الشعب المصري، بحسب بيانات المركز المصري للدراسات الاقتصادية ECES، مستندًا لبيانات حول الدعم صادرة عن وزارة المالية. تبين منها أن حجم الدعم المقدم للسولار واسطوانات الغاز وبنزين 80 والمازوت (وقود محطات توليد الكهرباء) لا يتجاوز 27% فقط من قيمة فاتورة الدعم.

أما المواد البترولية التي تستهلك النصيب الأكبر من الدعم، كالسولار الذي يستحوذ وحده على 81% من قيمة الدعم ومعه الغاز الطبيعي، فهما يتوجهان في معظمهما للمنشآت الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة. وبناء على مذكرة أصدرها البنك الدولي في مايو/ أيار 2012 بطلب من الحكومة المصرية، فإن هذه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة لا يصل الدعم المقدم إليها للجمهور، فهي تبيع منتجاتها في السوق المحلية بالأسعار العالمية، كما أنها توجه معظم إنتاجها للتصدير. وقد أكد وزير البترول اليوم أن الزيادات المقررة على شرائح استهلاك الغاز الطبيعي لن تمس المنشآت الصناعية.

ورغم إعلان رئيس الوزراء الأسبق حازم الببلاوي -الذي بدأت حكومته تخفيض الدعم- أن المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة كمصانع الحديد والأسمنت والسماد والسيراميك، لن تحصل على أي دعم من الحكومة؛ عاد الببلاوي للتراجع تحت ضغط تهديدات رجال الصناعة. وهو المنهج ذاته الذي اتبعته الحكومات التالية على حكومته، وأحدثها حكومة شريف اسماعيل الذي أكد وزير البترول فيها صباح اليوم أنه لا نية لدى حكومته للمساس بالدعم المقدم للمنشآت الصناعية. يُذكر أن تقريرًا لوزارة الصناعة صدر في أبريل 2012 ، أكد أن هناك 100 مصنع فقط تستهلك 70% من الطاقة المدعومة المخصصة للقطاع الصناعي، في حين يشترك أكثر من 10 آلاف مصنع في استهلاك الثلاثين بالمئة الباقية. الأمر عينه أكدته وزرقة صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تحت عنوان دعم الطاقة لغير المستحقين.

شفقة بالأثرياء

                 

سيارات موكب وزير الصحة المُحدّثة في أكتوبر 2016

هذا التوجه لرفع العبء عن كاهل الدولة دون الإثقال على أثريائها، ظهر اليوم في الجداول التي أعلنتها الصحف لزيادات أسعار المشتقات البترولية، فلم تتعرض الصحف المصرية الصادرة على اختلاف تبعيتها وملكيتها وتوجهاتها السياسية، للزيادة الطفيفة التي طالت سعر لتر البنزين 95، المخصص للسيارات الفارهة. واكتفت الصحف بعرض الزيادات التي طالت السولار والبنزين 80 و92، المستخدمين في عربات نقل البضائع والركاب والسيارات الخاصة لأبناء الطبقة الوسطى.

وكان موقع أسعار الوقود، وهو موقع عربي غير حكومي، قد بادر لإعلان تغيرات أسعار الطاقة في مصر وأوضح أن الزيادة لتي طالت سعر اللتر من بنزين 95 هو 25 قرشًا فقط. ليكون الفرق بين سعر لتر البنزين لمن متوسط دخله 3600 جنيه شهريًا تقريبًا وينتمى للطبقة الوسطى، وغيره الذي يتجاوز دخله مليون جنيه شهريًا ويحسب ضمن 20% من سكان مصر، هو 1.60 جنيهًا (جنيه واحد وستون قرشًا) فقط.  

ومع حرصها على عدم إقرار زيادات واسعة على لتر البنزين 95 الذي تستهلكه الطبقة الأكثر ثراءً، تدفع الحكومة بأن استهلاك هذا النوع من البنزين قليل، ولا يكلف الدولة شيئًا.

وتشهد أرقام وإحصاءات الدولة الصادرة عن وزارة ماليتها، بأن مصر تنتج معظم حاجتها من فئات البنزين 80، 90، 92. لكنها تلجأ لاستيراد حاجتها من بنزين 95 بالكامل من الخارج، ما يعني أن بنزين 95 الذي تعلن الدولة أنه لا يكلفها شيئًا يذكر، ,هو ما يكلفها نصيبًا من عملتها الصعبة.

 وتستورد مصر منه (بحسب إحصاءات 2012) 950 ألف طن، ويبلغ متوسط سعر اللتر منه عالميًا في الدول المستوردة 0.92 دولارًا، أي حوالي 16.6 جنيهًا مصريًا، بينما بلغ سعره محليًا بعد الزيادات الأخيرة 6.60 جنيهًا فقط، بأقل 11 جنيهًا من السعر العالمي.