"أنا صايم يا آنسة".. شارع "المتدينين" يعادي النساء في رمضان

منشور الخميس 8 يونيو 2017

رُفِعَ أذان المغرب؛ فأفطر السائق على عصير وتمرات فاعلي الخير بالشوارع، دون أن يقتسمهم مع "الزبونة"، التي سألته قبل دقائق عن الأذان، ولايزال أمامها وقت حتى تصل وجهتها، والسبب لم يكن إلاّ مظهرها، فهي غير مُحجّبة.

"ماعزمش عليّا خالص وفضلت ساكتة؛ ولما وصلت قلت له أنت عملت كده علشان فاكرني مسيحية، أو مش صايمة. اللي بيبقى معاه أكل؛بيعزم على الناس، لكن أنت حكمت إني مش صايمة" تحكي الفنانة التشكيلية رنوة يوسف، لـ"المنصّة"، ما دار بينها والسائق، وتضحك قبل أن تقول "يعني هو أكل وشرب، وأنا فضلت عطشانة وجعانة، علشان هو شايفني كده". اعتذر السائق الذي يتبع إحدى شركات استئجار السيارات عبر تطبيقات الهواتف الذكية، وانتهى الموقف سريعًا وبسلام.

لكن قبل يومين من ذلك الموقف، كان لرنّوة واقعة أكثر حدّة، مع سائق آخر بالشركة نفسها، تسببت في تأخيرها عن موعد عمل، وبدهشة ممزوجة بغضب، كتبت عنها في حسابها على فيسبوك: "سواق كريم كنسل الرحلة اول ما شافني وقالي معلش اصل انا صايم يا آنسة.... نزلوا نوع صيام جديد؟".

انتصرت رنوّة الغاضبة، إذ اعتذرت لها الشركة، ووعدتها بمعاقبة السائق، لتصير بهذا أحسن حالاً من أخريات يتعرضن لعنف وتحرشات من "الصائمين"، بدءًا من السباب ومحاولات فرض زيّ معين عليهن، انتهاءً بأذى بدني، تعرضت له بالفعل واحدة منهن، هي شروق أحمد، بعد أسبوع واحد من حلول رمضان.

اقرأ أيضًا: التحرش بالحوامل.. شهادات خادشة للحياء

غطي شعرك يا "شر****"

"كأنهم بيعاقبوكي إنك بتعيشي"، تقول شروق، لـ"المنصّة"، كتفسير شبه وحيد لما وقع لها قبل أذان المغرب بساعة تقريبًا، حين كانت تتجه بالمترو من وسط البلد للمعادي.

جلست شروق بجوار باب المترو سيئ التهوية، وبلا مشاكل كانت تقترب منه كلما انفتح، أملاً في نسمة هواء باردة، حتى وصلت محطة حدائق المعادي "لمحت بطرف عيني حد على الرصيف بيجري ناحية الباب، وافتكرته متأخر وعايز يلحق المترو، لكن لقيته بيقرب منّي أكتر، ولسه برفع عيني أشوفه، لقيته بيضربني بشنطة في وشي".

فسرت شروق ما فعله الفتى، ذي الـ16 عامًا تقريبًا، بحسن نية "افتكرته كان هيقع، لكن اتأكدت بعدها إنه اتعمّد يضربني، لأنه نزل على رصيف المترو يجري ويضحك، وقال لي بصوت عالي: (ابقي غطي شعرك يا شر****)".

"على فكرة هو شكله طبيعي، شبه اللي بنشوفهم في الشوارع" تُكمل شروق "مفيش حد على الرصيف أو في العربية اتهزّ، وكل اللي عيني وقعت عليهم، كانوا بيشاوروا عليه وعليّا ويضحكوا ويتودودوا (يهمسون). مالحقتش انزل وراه ولا أردّ عليه، استوعبت والباب بيقفل، كانت صدمة".

معاقبة "الفاطرين"

تهامست سيدات المترو وضحكن على ما وقع لشروق، لكن بعض قريناتهن يبادرن بالعدوانية، مثلما حدث في الأسكندرية مع ميرام الديساوي، التي حصلت "المنصّة" على شهادتها.

تحكي ميرام ما تعرضت له على مدار أسبوع تقريبًا، خلال شهر رمضان الجاري، "بخلّص شغل الساعة ٥ قبل الفطار، وباركب من شارع أبوقير ميكروباص أو تاكسي؛ فأحيانًا ستات كبار يزقّوني ويركبوا هما. كنت بقول سلوكيات فردية، لحد ما بنت في العشرينات عملت كده؛ وسوّاق التاكسي رفض يركّبها، وشاور عليا وقال لها: هي اللي شاورت الأول؛ فكان ردّها عليه: تلاقيها فاطرة أصلا، أما أنا صايمة، عيب على دقنك".

تتعامل بعض الصائمات، بمنطق الأفضلية عمن سواهنّ، كما يُبين موقف وقع الأسبوع الماضى، لداليا عُمر، حين كانت تستقل ميكروباص رحلتها اليومية للعمل "طلعت أكل وعصير من شنطتي؛ لقيت ست مُحجّبة جنبي بصت عليا ونفخت (تأففًا)، وقالت بصوت عالي: (ماهو خلاص، الصيام مبقاش ليه احترامه)".

تتناول داليا طعامها أحيانًا، في أتوبيس الشركة، التي تعمل بها مٌبرمجة، وسط نظرات استنكار "ماحدش فيهم يقدر يتكلم عشان قوانين الشركة، بس بيبصولي بقرف". ولتجنُب نظرات "القرف" تضطر داليا للتسلل إلى كافيتريا الشركة "بنزل من غير ماحد يشوفني من التيم (الفريق)، أصل احنا 6 شركات، فاللي بيشوفوني في الباص، غير زمايلي في المكتب".

داليا غير المُحجّبة، تتعرض لمضايقات لفظية من رجال "بلاقي واحد يقرب مني ويقول لي اللهم اني صايم، وواحد يستغفر. والسنة دي قبل رمضان بيوم واحد، لقيت اللي بيقولي (في الشارع): على فكرة رمضان بكرة"، ومثلها السكندرية ميرام التي تسخر مما تلاقيه "تقريبًا الرجالة بيحبوا يعلنوا إسلامهم في وشي؛ بيقرّبوا مني ويستغفروا ربنا".

اللهم إني ساخط

يوجه رجال للفتيات عبارة "اللهم إني صايم"، بسخط وتأفف ونظرات اشمئزاز، لكن منهم من لا يكتفي بالتحرش اللفظي، ففي حادثة وقعت أول يوم من شهر رمضان لعام 2015، كانت التعدي بدنيا على فتاة، طلبت عدم ذكر اسمها.

"كنت ماشيه مع صاحبتي المحجبة جنب سور نادي سبورتنج، وفجأة واحد من عربجية الكارو ضربني بالكرباج على رجلي، صرخت وجريت وراه، وحاولت اضربه"، تقول الفتاة التي ساعدها المارّة ضد صاحب الكارو، والذي قال لهم تبريرًا لاعتدائه "دي لابسة بنطلون محزق أول يوم رمضان، منظرها هيفطّرني".

انتهت محاولات الفتاة في قسم الشرطة، إلى محضر ضد "العربجي" بالضرب وليس التحرش، بعد ضغط عليها ممن رأوا أن المعتدي "اتضرب خلاص".

 

اقرأ أيضًا: الدورة الشهرية.. دماء في رقبة السلطة

ضد مَن؟

 المواقف السابقة كانت لفتيات غير مُحجبات، لكن هذا لا يعني أن المضايقات تستثني أحدا، "لما كنت محجبة، كنت بتعرض لمضايقات، لأن النوع ده من العنصرية بيكون ضد الستات عمومًا، الموضوع مش المظهر، لكن هو إني مش لاقي حاجة تانية أطلّع فيها غضبي غير الحلقة الأضعف، الستات"، تقول رنّوة يوسف.

ويُدلل على ذلك موقف تعرضت له شروق أحمد، في رمضان الماضي، حين كانت لاتزال مُحجّبة، "راجل معدي جنبي بعربيته، ضربني بكل قوته على ضهري، ولما عدّى قال لي: (ماتقعدوا في بيوتكم، أنتو بتشيلونا ذنب). وكأننا في الشارع مع أطفال، وشغلنا الشاغل إننا نضايقهم".

لماذا لا ترد السيدات على التصرفات العدائية؟ "كنت بردّ، لكنهم بيناقشوني في حريتي الشخصية بمنطق ديني، وبطريقة كتّر خيرنا إننا سايبينك، فمايبقاش ليكي عين تتكلمي وانتي غلطانة"، تقول شروق، التي ترى أن رمضان تحديدًا يدفع الناس للتعامل "بعين قوية"، من منطلق إن غير المحجبة "بكل تأكيد غلطانة، ومالهاش حق الاعتراض".

ومثلها، ترى رنّوة أنها ستكون "الطرف الأضعف" في مثل هذه المواقف؛  لأن أغلب الناس-في رأيها- تتبني الموقف نفسه تقريبًا "فواحد بيشتم والتاني شايفه وفرحان، لأنهم اتفقوا على إني سبب فطارهم" لهذا صارت تتجنب الخروج في نهار رمضان، إلّا بسيارة ولدواعي العمل.