جنود الأمن المركزي

فيسبوك الشرطة.. سلاح استقطاب في مصر وجسر تواصلٍ في العالم

منشور الاثنين 16 نوفمبر 2015

تستخدم الشرطة المصرية منصات التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك، أداةً في حالة الاستقطاب التي تعيشها مصر، وذلك على العكس من الكيفية التي تستخدم بها أجهزة أمن أخرى، مثل شرطة دبي وشرطة نيويورك، فيسبوك، كوسيلة للتواصل مع الجمهور وخلق محتوى مقروء ومصور وترفيهي وتثقيفي يهم المتابعين.

وتحاول وزارة الداخلية على الدوام من خلال صفحتها الرسمية على فيسبوك إثبات كفاءة الشرطة في التعامل مع الملف الأمني الذي تفاقمت آثاره خلال الأعوام الأربعة الماضية، أو لتبييض الوجه في مواجهة تهم لم تتوقف باستمرار سياسات التعذيب وإساءة استخدام السلطة.

في المقابل، تقول شرطة دبي التي انضمت إلى فيسبوك عام ٢٠١١، عبر صفحتها على هذا الموقع إنها تحرص على على استخدام المنصة الاجتماعية باعتبارها مقدم خدمة للجمهور، يسعى إلى استخدام التكنولوجيا لتسهيل توصيلها، وتقييم رضاء المستفيدين عنها.

تقدم شرطة دبي نفسها عبر منصات التواصل الاجتماعي بصورة الطيب، على العكس من الشرطة المصرية التي تحاول دائمًا إثبات شيء ما.

https://www.facebook.com/dubaipolicehq/photos/a.570913269633810.1073741826.168706556521152/978150788910054/?type=3&permPage=1

تتشابه التهم التي توجه على نطاق واسع لجهاز الشرطة المصري، بإساءة أفراده استخدام سلطاتهم، وارتكاب جرائم التعذيب والقتل، مع تلك التي توجه إلى شرطة نيويورك، إذ تشير تقارير حقوقية إلى أن هذه الأخيرة منظومة لا تخلو من الفساد، والعنف في مواجهة المتهمين، والتمييز في مواجهة السود.

ومع ذلك،  لم تقدم شرطة نيويورك نفسها على الإطلاق بصورة "الشرس" عبر صفحتها التي يشترك فيها نحو نصف مليون شخص، بل على العكس، فقد حرصت على الظهور بصورة "الطيب" و"المرح"من خلال إبراز جوانب المشاركة المجتمعية لضباطها مثل مساعدة سيدة في عبور طريق، أو علاج طائر مصاب، بالإضافة إلى استعراض مجهود أفرادها في التعامل مع أحداث العنف في المدينة الأمريكية.

فضلًا عن هذا، أنتجت محتوى مصورًا ترفيهيًا، يظهر أداء أحد الضباط حركات راقصة في إحدى فعاليات المدينة.

https://www.facebook.com/NYPD/posts/934187789991337:0

في الصورة يظهر شرطي أمريكي يفخر بمساعدته صقر على الطيران، بعد تعثر جناحه تحت كوبرى بروكلين.


بدأت قصة الشرطة المصرية على فيسبوك عام ٢٠١٢، عندما قرر وزير الداخلية آنذاك محمود وجدي تدشين صفحة رسمية تخاطب جمهور هذا الموقع، الجمهور الذي دعا عبر الموقع نفسه قبل عامٍ واحد إلى التظاهر في ٢٥ يناير ٢٠١١ فتحولت التظاهرات إلى ثورة شعبية انسحبت الشرطة على أثرها وسببت فراغًا أمنيًا في مصر حاول الجيش تعويضه. 

ويتهم معارضون مصريون، إضافة إلى منظمات حقوقية مصرية ودولية، الشرطة بارتكاب جرائم تعذيب على نطاق واسع، وهو ما ينفيه دائمًا مؤيدو السيسي في مصر وتبرئ وزارة الداخلية نفسها.

وتعرّف الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية المصرية نفسها بطريقة مقتضبة دون إسهاب، في وثيقة أطلقت الصفحة عليها اسم "سياسة التواصل الاجتماعي للصفحة"، جاء فيها أن إنشاء الصفحة يأتي "إيماناً من سيادته (وزير الداخلية) بأن التواصل والتعاون الدائم والمثمر بين وزارة الداخلية وأبناء مصرنا الحبيبة سيؤدى إلى تحقيق الأمن الأمان والاستقرار لوطننا الحبيب".

وتنشر هذه الصفحة التي يتابعها أكثر من ٥ ملايين و5٠٠ ألف مشترك، يتفاعل منهم نحو 88 ألف مستخدم مع المحتوى المنشور، عادة، بيانات الوزارة التي تتعلق بالقضايا الأمنية التي تشغل الرأي العام.


 

رسم بياني يوضح عدد المتابعين الجدد، ومستوى التفاعل مع منشورات صفحة وزارة الداخلية على موقع فيسبوك، خلال مطلع شهر نوفمبر، ونهاية أكتوبر. " data-embed-button="almanassa_media_browser" data-entity-embed-display="view_mode:media.embed" data-entity-type="media" data-entity-uuid="4a884e86-36e2-4fc6-b72c-a07b295b66c9" data-langcode="ar">

وتركز الصفحة على عمليات العنف التي ينفذها مسلحو تنظيم ولاية سيناء، أو القبض على عناصر من جماعة الإخوان المسلمين.

كما تحاول هذه الصفحة تفنيد مزاعم وقوع انتهاكات من الشرطة بحق مواطنين، خاصة أولئك المحتجزين في أقسام الشرطة، خاصة مع تكرار حالات الوفاة داخل الأقسام والذي تبرره الداخلية عادة عبر بياناتها، التي تعيد الصفحة نشرها، بتعرض المحتجزين المتوفين لمتاعب صحية.

ومع تكرار الحوادث وإحالة عدد من ضباط الشرطة إلى المحاكم الجنائية بل وإدانة بعضهم، أقرت الوزارة بوقوع "تجاوزات فردية"، وأطلقت صفحة منفصلة، باسم "الشكاوى والاقتراحات لوزارة الداخلية"، داعين متابعيها الذين بلغ عددهم أكثر من 120 ألف شخص إلى  تطبيق مبدأ "الشرطة المجتمعية"، عبر تقديم الاقتراحات أو التلبيغ عن شكاوى.

 

https://www.facebook.com/MoiEgy/videos/10152593208875085/

 

وأشارت الصفحة إلى أن "جميع الشكاوى و الاقتراحات يتم نسخها يوميًا، و يتم عرضها على قيادات وزارة الداخلية ويتم متابعتها بمعرفة السيد وزير الداخلية شخصيًا، من أجل الفحص والبت في حل الشكوى وإزالة أسبابها خلال 48 ساعة بحد أقصى. والكل يعمل بكل جد على إزالة أسباب جميع الشكاوى ودراسة المقترحات".

وطوال 4 سنوات، لم تعلن صفحة الشرطة المصرية عن سياستها في نشر المحتوى، والتفاعل مع تعليقات المستخدمين، على عكس صفحات لجهات نظيرة لها انضمت في وقت لاحق إلى المنصات الإجتماعية، مثل شرطة دبي، وشرطة نيويورك.

لم يعن القائمون على الصفحة بخلق محتوى خاص لمتابعي المنصات الاجتماعية، بقدر ما اعتبروا الصفحة بوقًا إعلاميا لنشر "جهود الوزارة"، وهو أمر لم تعمد إليه على الإطلاق أي من صفحتي شرطة نيويورك أو دبي.

 

https://www.facebook.com/MoiEgy/photos/a.181676241876047.36036.181662475210757/981774951866168/?type=3&permPage=1

 


صفحات الشرطة: دعاية.. خدمة.. ترفيه

وفيما حرصت الصفحة في بدايتها على توثيق الأخبار المنشورة عن جهود الوزارة الأمنية في الصحف المصرية بشكل يومي من خلال جمعها في ألبوم صور؛ فإنها توقفت عن ذلك نهائيا مؤخرًا، وصارت تكتفي بإعادة نشر فيديوهات يبثها التلفزيون الرسمي عن أنشطة الوزارة وقياداتها.

وتحتل الصور المصحوبة بمحتوى شارح النصيب الأكبر من محتوي الصفحة، وتتنوع بين نتائج الحملات التي تشنها قطاعات الوزارة المختلفة، ونعي لقتلى الوزارة في المواجهات الأمنية، وصور الأنشطة المتعلقة بالقيادات الأمنية.

وبينما تمتنع صفحتا شرطة دبي ونيويورك أجهزة عن نشر صور وبيانات لمتهمين مقبوض عليهم، فهذه الصور تشكل النسبة الأكبر من محتوى الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية المصرية، التي تكتفي بإخفاء هويتهم بوضع علامة بيضاء على العيون، وذكر الأحرف الأولى من أسمائهم إذا كان المتهم مرتبطا بجرائم الاتجار بالمخدرات أو بتشكيل عصابي، في حين تكشف الهوية بشكل كامل إذا كان المتهم ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، كما حدث مع المقبوض عليهم بتهمة إغراق مدينة الإسكندرية من خلال سد مصارفها الصحية.

 

https://www.facebook.com/media/set/?set=a.981095145267482.1073746463.181662475210757&type=3

 

واستغلت الوزارة وجودها في الفضاء الإلكتروني لنشر محتوى يدافع عنها في مواجهة حملات الهجوم الإلكتروني عليها في قضايا تتعلق باستخدام القوة ضد المتظاهرين، وقتلهم. فعلى سبيل المثال، شارك القائمون على الصفحة، فيديو يحوي رد مسؤول في وزارة الداخلية، يوضح ما أسمته الوزارة: حقيقة صفقة استيراد الغاز المسيل للدموع من الولايات المتحدة، وهو الخبر الذي كشفته جريدة المصري اليوم، وكان سببًا في الهجوم على الوزارة.


سياسة النشر والتعليقات

وعلى العكس من الشرطة المصرية، فقد كتبت شرطة دبي عبر صفحتها على فيسبوك "إعلان خصوصية" واضح للمستخدمين جاء فيه أن "شرطة دبي لا تتحمل مسؤولية ما تحتويه الصفحة من معلومات خارجة عن نطاق عملها. حيث توجد شروط الخصوصية والأمن الخاصة بالفيسبوك. كما تنوه للمستخدم بعدم مسؤولية شرطة دبي عن الأعمال القذفية أو العدائية أو غير القانونية من قبل مستخدمين آخرين أو وصلات أو أطراف ثالثة أخرى".

 

https://www.facebook.com/dubaipolicehq/photos/a.179855485406259.46080.168706556521152/982804841777982/?type=3&permPage=1

 

تطبيقا لسياسة الصفحة المعلنة، في تقديم خدمات للجمهور، فإن الصفحة تتيح للمستخدمين تحت بند الخدمات الأمنية: الإدلاء بمعلومة، التلبيغ عن جريمة، التواصل مع المتضررين من جرائم آخرين. وتحت بند الخدمات المرورية، توفر استمارة للاستعلام ودفع المخالفات المرورية، مع نشر دليل بأنواع المخالفات المروية وتوصيفها وعقوباتها، وهو ما لا تتيحه الشرطة المصرية. 

كما تستخدم شرطة دبي صفحتها على فيسبوك للتنويه عن الازدحامات المرورية، والحوادث الكبري على الطرق.

وتأكيدًا لصورتها على المنصات الاجتماعية كمُقدم خدمة، تنتج صفحة شرطة دبي فيديوهات تُبث على موقع يوتيوب  بعنوان "اعرف نفسك" تركز على التنمية البشرية، وفيديوهات أخرى بعنوان "من غرفة العمليات" تشرح كيفية استفادة المواطنين من الخدمات المقدمة، بالإضافة لعدة برامج أخرى تنتجها شرطة دبي وتبثها عبر حسابها الرسمي على يوتيوب.

ويبلغ تعداد مستخدمي الانترنت في مصر حوالي 37 مليون شخص بينما يبلغ تعداد مستخدمي الإنترنت في الإمارات 4.7 مليون مستخدم.

ومع هذا، يبقى تعليقات المشتركين علي الصفحة الإماراتية معظمها إيجابي ويشيد بأداء الجهاز، وإن كان عددها محدودًا، في حين تظل معظم تعليقات المشاركين على الصفحة المصرية-رغم كثافته- منقسمة بين طرفين متنازعين بين من من يؤيد الجهاز الأمني تاييدًا مطلقًا، ومن لا يرى فيه سوى الفساد.


 

بيان يوضح سياسة صفحة شرطة نيويورك في النشر، والتعامل مع التعليقات.

تتشابه التعليقات على صفحة نيويورك مع الصفحة المصرية في معدل كثافة التعليقات والتفاعل على الصفحة،  ومع الصفحة الإماراتية في إيجابيتها، وإشادتها بجهود الجهاز الأمني.

وعلى خلاف الشرطة المصرية والإماراتية، تتواجد شرطة نيويورك على انستجرام بحساب يتابعه أكثر من 44 ألف متابع، يحظى بتفاعل مرتفع من المتابعين البالغ عدهم 60 ألف مشترك، ويظهر تفاعلهم في التعليقات على المنشورات، والمشاركة، وتوظفه شرطة نيويورك في تأكيد صورة "الطيب" و"المرح".

https://www.facebook.com/NYPD/videos/925371260872990/

      مقطع فيديو  لأحد ضباط شرطة نيويورك يرقص مع طفل في محطة المترو، خلال عطلة الأحد.

ولمقاطع الفيديو الغلبة في المحتوى المنشور على صفحة شرطة نيويورك. ويتنوع المحتوى بين الترفيهي، والخدمي، وآخر يطلب العون من المشتركين للقبض على مشتبه بتورطهم في ارتكاب جرائم عادة تتعلق بالسرقة أو السطو المسلح.

نجحت الشرطة في نيويورك في استغلال منصات التواصل الاجتاعي خاصة فيسبوك، في خلق صورة تختلف عن تلك التي ترد في التقارير الحقوقية، وأفلام السينما، كجهاز أمني فاسد، حتى أنها وجهت في عيد ميلادها الثالث على فيسبوك، رسالة إلى مستخدمي صفحتها، يؤكد على صورة "الطيب" الخدوم لمواطنى المدينة الكبرى.