ذوو الإعاقة يدفعون فاتورة "الإصلاح" الاقتصادي مضاعفة

منشور الثلاثاء 4 يوليو 2017

أثرت الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة بدءًا من تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر/تشرين الثانية 2016 وحتى الآن بشكل سلبي على ذوي الاحتياجات الخاصة بأكثر مما تأثرت بها باقي فئات المجتمع المصري وذلك بحسب مسؤولين حكوميين وناشطين في مجال حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. 

وقال الحقوقي محمد أبو طالب، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة وينشط في هذا المجال، لـ"المنصة" إن القرارات الاقتصادية "أثرت بالسلب على ذوي الاحتياجات الخاصة ومن يعولوهم" بأكثر مما تأثر بها غيرهم.  

 وتشير إحصائيات عبر صفحة البنك الدولي على الإنترنت إلى أن الإعاقة تزيد "من خطر الفقر عن طريق إنقاص فرص العمل وضعف الأجور وزيادة تكلفة المعيشة".

انعكاسات "الإصلاح" الاقتصادي

بجانب المتطلبات المعيشية مرتفعة الكلفة، هناك العديد من الاحتياجات الأخرى سواء كانت احتياجات طبية، أو أدوات مساعدة، أو تقنيات، كلها قد تأثرت سلبًا نتيجة تعويم الجنيه - وهذا ما يبينه أبو طالب، حيث يوضح أن "تحرير سعر الصرف له نتائج كارثية على كافة الأصعدة لذوي الإعاقة وخصوصا إذا علمنا أن كل شيء متعلق بذوي الإعاقة مستورد من الخارج".

ويضيف أن "الأدوات المساعدة مثل الكرسي المتحرك أو العكاز أو الدراجة البخارية المجهزة لذوي الإعاقة الحركية أو العصي البيضاء للمكفوفين، كل هذه الأدوات وغيرها تضاعف سعرها عقب القرارات الاقتصادية الأخيرة، إذا أخذنا مثالا على هذا فالعصي البيضاء للمكفوفين التي يبلغ سعرها 45 دولارًا، كان سعرها قبل التعويم يبلغ نحو 500 جنيه، تزيد أو تنقص قليلًا، أما الآن فسعرها يتجاوز الألف جنيه. ومثلها "بعض الأدوات المساعدة التي تضاعف سعرها عدة مرات نتيجة لزيادة الجمارك والضرائب".

ويشير آخر بيان لشعبة المستلزمات الطبية إلى أن المستلزمات الطبية غير العلاجية شهدت زيادة 100 بالمئة، و هذا ما أكده أبو طالب إذ أشار إلى أن "أسعار المستلزمات الطبية  مثل سماعات الأذن أو الأطراف صناعية صارت للقادرين فقط، إذ تبدأ أسعارها من 6000 جنيه إلى 34000 جنيه في المتوسط، وأدى هذا لأضرار كبيرة وخصوصًا على الأطفال الذين سيفشلون في أي محاولة للاندماج مع المجتمع بدون توفير الوسائل الطبية المساعدة التي تعينهم على أعباء حياتهم. 

وقد قامت الحكومة في وقت سابق برفع أسعار الدواء بنسب تتراوح من 30 إلى 50 بالمئة، وهو ما يشير أبو طالب إلى أنه "يؤثر أيضًا على ذوي الإعاقة الذين يحتاجون أكثر من غيرهم للخدمات الطبية على مختلف الأصعدة من تدخل طبي بسيط إلى عمليات جراحية صعبة لها احتياجات جميعها مستوردة، مثل زراعة القوقعة للصم أو زراعة القرنية للمكفوفين أو تركيب الأطراف الصناعية، وهذه الخدمات تضاعفت أسعارها مما يشكل عبئًا مبالغًا فيه على ذوي الإعاقة وأسرهم". وقررت الحكومة دمج ما لا يزيد عن 10 بالمئة من ذوي الاحتياجات الخاصة داخل المدارس التابعة لها - إلا أن أبو طالب يشير الى "الأثر السلبي لتعويم العملة على التقنيات المساعدة والبرمجيات الإلكترونية المتعلقة بذوي الإعاقة من برامج قراءة الشاشة للمكفوفين والتي يصل سعرها تقريبًا إلى ألفي دولار، وطابعة برايل للكمبيوتر التي بلغ سعرها حوالي 7000 دولار، والأوراق المخصصة لها أيضا. ويشكل هذا تحديًا أمام المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني التي تقدم بعض الخدمات سواء بشكل مدعم أو مجاني وتتحمل عبئًا ماليًا كبيرًا على كاهلها".  من جانبها تتحدث مستشارة وزير الاتصالات عبير شوقير  عن "جهود الوزارة في مساعدة زوي الإعاقة وحصر نطاقهم الجغرافي حيث تشرف الوزارة على 199 مدرسة تقدم خدمات لـ 15 ألف معاق".

وأضافت أيضًا أن "قلة عدد معلمي لغة الإشارة واختلاف اللغة نفسها في النطاق الغرافي يشكل تحديًا، حيث تقوم الوزراة بعمل قاموس موحد، وتوجيه وزارة التربية والتعليم على إعداد مدرسين قادرين على توحيد لغة الاشارة وتعمل وزارة التربية والتعليم على تأهيل 5 آلاف معلم الآن". 

وعود وأحلام

 

من جهته، يقول حسام المساح الأمين العام السابق للمجلس القومى للإعاقة إن "المعاقين لم يجنوا سوى الكلام والوعود حتى الآن"، مشيرًا إلى أن موازنة الدولة لسنة 2014/2015 والتي خفّضت مخصصات المجلس القومى للإعاقة بنسبة ثمانية بالمئة لتصبح 19.5 مليون جنيه بدلًا من 23.7 مليون خلال 2013/2014، فحتى المعاقين لم يسلموا من خطة الدولة التقشفية.

ويشير المساح إلى "إهمال الوزارات المعنية للدولة لجميع الاتفاقيات المبرمة بينها وبين المجلس"، قائلًا "وقعت خلال الفترة من إبريل إلى سبتمبر 2014، عدة اتفاقيات مع وزارات التربية والتعليم والاتصالات والقوى العاملة والتضامن الاجتماعي ولم يُفعّل منها شيء - مثل موافقة مجلس الوزراء ووزارة المالية على إدخال 145 درجة وظيفية للمعاقين للعمل بالمجلس القومي للإعاقة، خلال النصف الأول من 2014، وحتى الآن لم يفتح باب التقدم للوظائف، رغم بدء الموازنة الجديدة للدولة".

وتابع أن "رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب قد وعد بإلزام الهيئات والوزارات بتطبيق نسبة الخمسة بالمئة الخاصة بتعيين ذوي الاحتياجات الخاصة، وإنشاء خمسة مدن متخصصة لخدمة ذوي الإعاقة، وإعداد قاعدة بيانات لحصر عددهم وتوزيعهم الجغرافى، وحتى الآن لم تنفذ الحكومة أيا من وعودها".  ويلزم الدستور المصري الحكومة وأصحاب الأعمال بتعيين خمسة بالمئة على الأقل من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنشآت التي يزيد عدد العمال فيها عن 50 عاملًا، لكن تشير إحصائية عن عدد الطلبات المقدمة من ذوي الاحتياجات الخاصة لوزارة القوى العاملة 36686 طلبًا لم يتم تعيين الا 6870 فقط منهم في القطاعين العام والخاص. 

ويقول الدكتور أشرف مرعى الأمين العام للمجلس القومى لشئون الإعاقة إن "الإحصائيات الدولية أشارت إلى ارتفاع نسب البطالة بين المعاقين والمعاقات بنسبة 98 بالمئة، وتصل هذه النسبة في بعض الأماكن في العالم إلى 100 بالمئة بالنسبة للنساء ذوات الإعاقة، وسبب ذلك يرجع إلى عدم الحصول على تعليم كافٍ مع عدم توفير فرص للتدريب والتأهيل، ما يترتب عليه عدم امتلاك المهارات التى تجعل جهات العمل تستخدمهم فى الوظائف، وهذا المؤشر الدولى خاصة فى الدول النامية يعد إنذارا خطرا علينا الانتباه إليه، كما نأمل أن يكون هناك فى الفترة القادمة إحصائيات دقيقة عن ذوى الإعاقة حيث إن أعدادهم فى ازدياد. ويأكد أحمد حمدي - مدير جمعية “حقوقي” للدفاع عن ذوي الإعاقة إن "المعاقين في مصر لديهم مشكلات كثيرة ولم تحل إلى الآن، كان آخرها التعسف بنقل تبعية المجلس القومي لشؤون الإعاقة من مجلس الوزراء إلى وزارة التضامن الاجتماعي، والتي تمثل خصما للمعاقين في الأصل، وتهمل مصالحهم". 

ويزداد الوضع سوءًا بطبيعة الحال بالنسبة للنساء، فتقول نجلاء العسيلى عضو المجلس القومى للمرأة إن "النساء ذوات الإعاقة في مصر يعشن في معاناة كبيرة جدا وخاصة في مجال العمل، الذي يبذلن فيه جهودًا عظيمة، ولكنهن تواجهن تهميشًا ملحوظًا وخاصة أثناء الترقيات والحصول على المكافآت، وهذا ما جعلها تقوم بتقديم ورقة بحثية تضم المعوقات التي تواجه المرأة خلال العمل لتقديمها إلى مجلس النواب والمطالبة بتحقيق احتياجات المرأة المعاقة حتى تحصل على حقها في المجتمع".

وأعلنت وزيرة التضامن غادة والي عن وقف ما يسمى معاش المعاق وقيمته 323 جنيهًا، فيما أبدى البرلمان إعتراضه على هذا القرارـ مقدمًا طلبات إحاطة للوزيرة.