الصورة من موقع Odyssey

الجنس والجندر.. إشكالية أدب المرأة

منشور الاثنين 15 مايو 2017

تاريخيًا، كانت كلمتا الجنس والنوع تُستخدمان بالتبادل، لكن في المجتمع الحديث، أصبح المعنيان مختلفين بصورة كبيرة. راج مفهوم الجندر في سبعينيات القرن الماضي، في أمريكا ثم أوروبا. ظهر التمييز بين الجنس sex والنوع (الجندر Gender) لاعتبار الجنس مسألة بيولوجية بحتة والجندر مسألة تصور اجتماعي.  ويقوم الجندر على أساس العوامل الاجتماعية؛ المثل والنظم الثقافية والتوقعات حول الرجولة والأنوثة في مجتمع ما، ومجمل الخصائص والأدوار التي يضفيها المجتمع على كل من الرجل والمرأة.

قبل وجود التمايز بين الجنس والنوع، كان النقد النسوي موجودًا، والذي كما تقول جوليا كريستيفا جاء ليفكك النظام الترميزي ويعيد صياغته على أسس جديدة يتم فيها تعريف الآخر، والتعامل معه باعتباره عنصرًا مماثلًا. وتكمن أهمية كريستيفا في أنها تخطت بتحدٍ كبير الكثير من المقولات القديمة الثابتة حول الإنسان بكل ما تنطوي عليه من انتهاك لحقوق الآخر.

ومن تيارات النقد النسوي الرئيسية: النقد النسوي الأمريكي الذي كان محوره الهجوم على الميراث الأبوي السائد، والنقد النسوي الفرنسي الذي انشغل بالتحليل النفسي بصورة أكبر، وكانت أطروحات جاك لاكان عصبًا في هذا التحليل، ثم امتزج النوعان بصورة ما، أو أصبحا متداخلين، فظهرت العديد من المناهج الأخرى في النقد النسوي مثل: النقد النسوي التفكيكي، النقد النسوي السيمولوجي، (النسويات السود)، النقد النسوي الوجودي، والنقد النسوي الاجتماعي الذي اهتم بدراسة تاريخ الفوارق الجنسية التي حددت أدوار الرجل والمرأة.

الأدب النسائي

مع وجود النسوية والنقد النسوي، كان من الطبيعي الالتفات والاهتمام أكثر بمصطلح الأدب النسائي والنقد الأدب النسائي، والذي تلقي آراء متباينة ما بين متحفظ ومؤيد وبين بين. نُظَر البعض ساخرًا لكتابة المرأة وتم وصفها بالكتابة النيئة الرخوة، أو أدب الأظافر الطويلة، أو أدب الأيدي الناعمة، أو أدب "الملائكة والسكاكين" كما يقول السويديون. (1) الأدب الأنثوي، وكما تقول شيرين أبو النجا في كتابها "عاطفة الاختلاف"، شمل الإبداع النسوي الذي تنتجه المرأة بشكل عام، لكون الأنوثة عند النقد الذكوري، وحتى عند بعض المبدعات العربيات ليست سوى الجمال، والرقة (الأميل إلى الضعف).

التسمية نفسها كانت محل خلاف، هل يكون المصطلح هو الأدب النسائي الذي رغم اتساع استخدامه يرتبط بعمومية كبيرة؟ أدب المرأة الذي لا يرتبط بخصوصية فنية؟ الأدب الأنثوي الذي يرتبط بدلالة حسية وإن نادي البعض بالنص الأنثوي. البعض يرفض المصطلح رفضًا لمبدأ التصنيف وأن التصنيف عقم أدبي، وأنه مجرد وضع للمرأة في مقابل الرجل. خالدة سعيد مثلًا، في كتابها "المرأة التحرّر والإبداع"، ترفض مصطلح "الإبداع النسائي" من منطلق كون التسمية تتضمن تهميشًا مقابل مركزية ليست واقعًا، هي مركزية الأدب الذكوري فترى أنه "مصطلح شديد العمومية وشديد الغموض، وهو من التسميات الكثيرة التي تشيع بلا تدقيق... وإذا كانت عملية التسمية ترمي أساسًا إلى التعريف والتصنيف وربما إلى التقويم، فإن هذه التسمية على العكس، تبدأ بتغييب الدقة، وتشوش التصنيف وتستبعد التقويم، هذه التسمية تتضمن حكمًا بالهامشية مقابل مركزية مفترضة".

الرفض كذلك جاء لكون التصنيف يضع حدودًا للمرأة ويحول دون تحررها وتعبيرها عن وجودها. غير النظرة المباشرة للتسمية وهي: "الأدب الذي تكتبه المرأة مستسلمة فيه لجسدها، والذي نلمح فيه الكليشيهات الكتابية".

من يقبلون بمصطلح الأدب النسائي/ أدب المرأة يستندون لدلالة الخصوصية، خصوصية ما تكتبه المرأة مقابل الرجل. فالنسوية هي بصورة ما وجهة نظر النساء بشأن قضايا المرأة وكتابتها، وكل ما يتعلق بها وما تحمله من "خصوصيات تجعل منه ظاهرة مميّزة وعلامة دالة في حق الإبداع الأدبي"، أو كما تعرفها نعيمة المدغري في كتابها "النقد النسوي": "لا تقتصر على كونها مجرد خطاب يلتزم بالنضال ضد التمييز الجنسي ويسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وإنما هي أيضا فكر يعمد إلى دراسة تاريخ المرأة وإلى تأكيد حقها في الاختلاف وإبراز صوتها وخصوصياته". إيلين شوالتر الناقدة النسوية في كتابها "حرية المرأة وأدبها" تميل إلى الربط بين مفهوم الخصوصية في الكتابة النسوية، واختلاف الحياة التي تحياها المرأة، والواجبات المنوطة بها حيث ينتج عن ذلك كما ترى "مضمون مختلف في أعمالها الأدبية، وإن هناك من الملامح المشتركة بين هؤلاء المؤلفات، ما يكفي لرسم تقاليد أدبية نسائية واضحة ومحددة". الاتجاه الثالث "البين بين" لا ينفي المصطلح لكنه يميل لصعوبة إحاطته وتعريفه، يطرح الاتجاه تساؤلات مثلا: هل توجد فعلا كتابة تسمى نسائية؟ هل يتعلق الأمر بأدب مكتوب من لدن النساء أو بأدب كتبه الرجال عن النساء؟

هيلين سيسكو، الجزائرية المولد والنشأة قبل انتقالها إلى فرنسا، وصاحبة كتاب "أحلام المرأة الوحشية"، التي تكتب بلغة هجينية من الفرنسية والإسبانية والإنجليزية، تستخدم مصطلح الكتابة المؤنثة وتطالب النساء بأن يضعن أجسادهن فيما يكتبن:" اكتبي نفسك يجب أن تسمعي صوت جسدك، فذلك وحده هو الذي يفجِّر المصادر الهائلة للا شعور". اتجهت ماري إيجلتون إلى مسألة أن النظرية النسوية انتقلت من رفض لغة مميزة للمرأة إلى هدم سيطرة المواقف الذكورية التي أوجدت ذلك التمايز. ورغم ميل إيلين شوالتر إلى وجود خصوصية وملامح مشتركة في الأدب الذي تكتبه المرأة، فهي تميل إلى عدم تبني نظرية ما. تعترف شوالتر بوجود خصوصية لكن دون حاجة إلى وجود نظرية أو منهج.

أي أن النظريات النسوية باتت تميل إلى حقوق المرأة ككل ضد البطريركية والأبوية، وإن كان بعض النسويات ما زلن يميلن إلى عدم وجود مشكلة في النظرية ما دام يتم التعاطي معها ونقدها بصورة سليمة، وإمكانية الاستفادة منها أو رفضها.

نسوية عربية

رغم أن التنظير النسوي كان حراكه غربيًا بصورة كبيرة، إلا أنه قد كان هناك حراك عربي يتعاطى مع تلك المسألة وإن ارتبط بحقوق المرأة ككل لا فكرة الأدب وحدها.

 مارجو بدران من أوائل من اهتموا بتأريخ تلك المسألة وتقول إن:" المرة الأولى التي اُستخدم فيها مصطلح النسوية Feminism في مصر، كانت في عام 1909 عندما نشرت ملك حفني ناصف مجموعة من المقالات عدّها كثيرون علامة فارقة في تاريخ المرأة". وبدأ الاهتمام بصورة شبة رسمية بمسألة حقوق المرأة مع تأسيس الحزب النسائي المصري عام 1923. وظهرت كتابات هدى شعراوي وزينب الغزالي بعدها. ولكن الغزالي" انفصلت عنها بسبب اختلافهما في التوجهات، وأسست جمعية السيدات المسلمات، وقد كان للغزالي موقف سياسي ترى فيه ضرورة أن يحكم القرآن مصر لا الدستور والقوانين الوضعية. وتمثل زينب الغزالي صورة شديدة الوضوح لحرية المرأة في العمل الإسلامي السياسي في وجه من يتشدد في منع نشاط المرأة" كما يقول محمد الجوادي. الملاحظ أن النظرية الأدبية النسوية في الغرب مهتمة بالإشكالية سعيًا للوصول إلى أكبر استفادة منها. لكن في العالم العربي ظهر الأمر أشبه بالتهمة سواء من النساء أو الرجال. خذ مثلًا عفيف فراج حين رأى أن المرأة تتحرك في كتاباتها في عالم الرجل، إذ تتمرد ضد الرجل كي تعود إليه، كما يلام حين ينتقد الكاتبة المرأة التي ترغب بتحقيق الحرية الجنسية لبطلتها دون أخذ اعتبار للواقع الاجتماعي.   

وكأن شرط التحقق لا يكون إلا على حساب الآخر، "فيتحول كل مزدوج إلى ساحة معركة يدور فيها الصراع من أجل تحقيق التفوق الدلالي باستمرار".

وشيطنت نوال السعداوي العلاقة بين الرجل والمرأة فـ "الرجال والنساء مرتبطين بعلاقة أكثر عدوانية من أية علاقة يمكن أن تقوم بين إنسان وإنسان، ففي حين أن الرجال جميعًا مجرمون، فلا يمكن لأية امرأة أن تكون مجرمة، فالإجرام يحتاج إلى ذكورة". وهذه التقاسيم والفواصل التي تُوضع، لا تؤدي إلى شيء اللهم مزيد من التعقيد. النظر للأدب على أنه (نسائي) أو (ذكوري) خارج النظرية الأدبية هو المشكلة، ما يهم هو كيفية التعامل معها والوعي بها ودراستها نقدًا أدبيًا لا من خلال محددات الخطاب النسوي الحقوقي.

الكتابة مرتبطة بالهوية، والهوية لا يمكن فيها فصل مسألة الجنس. سحابة الأدب واسعة والتصنيف هو المكان الذي تقف فيه تحتها ليس إلا. الأدب تراكم لكل لحظة في الحياة، وكل كتابة هي سيرة ذاتية، تأريخ لزمن عاشه صاحب الكتابة متأثرًا بكل شيء. الذاتية بكل ما تشمله، الجسد تكوينًا وتشريحًا، الأنا ومواجهتها، خصوصية الأمومة، الحس والخيال.

الأدب وسيلة لمواجهة الثوابت والمحددات، ودرجة الحساسية تجاه الثوابت والمحددات تنبع من الخصوصية. ما هي النظرة النسائية؟ كيف هو العالم تحت النظرة النسائية؟ كيف تنظر المرأة إلى الآخر؟ كيف تعبر عنه؟ وكيف تمثله وكيف تعلق عليه؟ ما هو تعريف الكتابة النسائية؟ ما الذي تعتقده النساء الكاتبات بخصوص هذه الكتابة النسائية؟

أدب المرأة /الكتابة المؤنثة غير موجود حين يريد أن يحصره أحد في خانة ما. أدب المرأة/الكتابة المؤنثة موجود حين يريد أن يرفضه أحد. المسألة مسألة النص وحده، والنظرية الأدبية وحدها.

---------------

(1) إلى أدب ما بعد نسوي، هدى حمد.