المجلس الأعلى لثلاجات الموتى

منشور الاثنين 10 أبريل 2017

رقد ما يقارب الخمسون مسيحيًا في الثلاجات مجددًا. وبعدها استخرج السيسي قانون الطوارئ من الثلاجة الكبيرة التي تسمى بالدولة المصرية. وقبلها وبعدها تناثرت أقاويل وآراء من الثلاجة الكبرى التي تدعى مصر.

شهداء الشرطة الأبرار، الرجل الذي احتضن القنبلة، حتى الكلمة السخيفة المكررة "شهداء مصر" التي تُطلق على ضحايا الانفجارات من أصحاب الزي الرسمي، وكأن خمسين من المسيحيين، أو أي من المدنيين ليسوا شهداءً لمصر. هي من الثلاجة ايضًا. زنازين أمنية من المفردات المكررة.

حتى موجة شعور الأغلبية بالاضطهاد؛ هذا الشعور الحارق لدى مجموع المسلمين في مصر بأنهم هم المضطهدون، هو شعور ليس بجديد. حتى حالة إنكار الدولة، وعدم تصديقها، وعدم الإيمان بجدواها، أو حتى بوجودها بالمعنى الإيجابي، هو شعور ليس بجديد.

اقرأ أيضًا: دليل العلماني الحزين  

في محاولة لوضع المساحيق فوق وجه ميت، قرر السيسي تأسيس ما يسمى بالمجلس الأعلى لمواجهة الارهاب. هي ليست مساحيق، هي تفاهة وانعدام للمعنى. في سياق آخر كان يمكن وصف إعادة فرض قانون الطوارئ والمجلس الأعلى بالسيريالية، إلا أن السيريالية فن.

ما هو الجديد؟ الجديد هو هذا التدني الخطابي. هذه السذاجة المعلنة. الرجل الذي شهد موت خمسين من المصريين المسيحيين يطالب الإعلام بعدم تغطية الحدث. هذا جديد. جديد سيئ، مثل كل ما يحمله هذا الرجل أو يمثله.

القديم هو استمرار الموات، موات يقودنا، خطوة بخطوة، للفناء.

القديم هو أن الدولة تبذل قصارى جهدها في إبقاء قابس الكهرباء المُغذي لهذه الثلاجة في مكانه. ليس الجديد فساد الأطعمة التي تحللت داخل ثلاجة لا تفتح ولا أن الثلاجة ستنهار، ولا أن الناس صارت تعبد الفناء وتجده حلا. وليس وجود جماعة من المبشرين بيوم القيامة يسخر منهم العقلاء، بل صار هذا الرأي قبلة العقلاء.

كل هذا ليس بجديد.

https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Falmanassanews%2Fvideos%2F1365981443440976%2F&show_text=0&width=560

قد يقول البعض إن الفناء لازم لإعادة البعث، وإن الشيء الوحيد الايجابي فيما يجري هو تهدم المعبد كله فوق سكانه قبل أن يُبنى بيت جديد. هي نظرة عامة للتاريخ، نظرة توراتية من ناحية، عقد الإله عهدًا مع نوح لكل البشر، بل والحيوانات. وبعد الطوفان لم تكن الأرض جنة عدن، وما الذي فعله الإله؟ عقد اتفاقًا مع بني إسرائيل، اصطفاهم، الصفوة، النخبة.

قد لا يحمل الطوفان خلاصًا. الفناء هو الفناء؛ ولكن هذا، كشأن كل ما كتب أعلاه، قديم. قديم كثلاجة الموتى التي تنتشر في مساحة مليون كيلومتر مربع، وتحرص على تلويث نهرها بأغانيها الوطنية المصطنعة.

كل ما يمكننا هو الحلم القديم بعقل جديد، يرى أن الأسود لم تقتل القطط، ولا الذئاب الكلاب، ولا الإنسان القردة، من أجل أن يعيشوا، من أجل أن يكونوا.

مأساة هذا العصر أن جديده قديم. جديده سيئ مثل خطب السيسي أو مثل كل قتل جديد. وقديمه يستحق هذه الصفة، لا من ولع بالصيحات، بل لأنه يجعل الوليد عجوزا، لأنه يعظ بالفناء، لأنه سيزدري عبارة مثل "دعونا نهدم الثلاجات، ونبني بيوتًا مليئًة بالفرح".

وبين كل هذا تسير مواكب التوابيت وتتوسع فهارس الشهداء في شوارع تظن أن عليها أن تقتل أسماءها لكي تنال الخلاص.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.