وفد في استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته الرسمية الأولى لواشنطن- الصفحة الرسمية لعبد الفتاح السيسي- فيسبوك

الأحلام المُعلقة بين السيسي وترامب

منشور الأحد 2 أبريل 2017

قبل ساعات من زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرسمية الأولى لواشنطن، نشرت صحيفة نيوزويك تقريرًا حول التطلعات الأمنية والسياسية للإدارتين المصرية والأمريكية، وما ينتظره الرئيسان عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب من هذه الزيارة. 

عندما تحولت مصر من الحكم الإسلامي إلى الحكم العسكري في ما عدته الإدارة الأمريكية"انقلابًا دمويًا" بعد عامين اثنين من الربيع العربي، منحت إدارة أوباما لحليفها الكبير شيئًا أكثر إيلامًا من وقف المساعدات العسكرية: كتفًا باردًا.

من المنتظر أن يتغير ذلك يوم الاثنين عندما يستضيف الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الرجل العسكري القوي والقائد المكلف بجلب الاستقرار إلى البلد الواقعة في شمال القارة الإفريقية.

ستكون هذه أول زيارة رسمية من رئيس مصري إلى الولايات المتحدة منذ 2009، لإحياء علاقة بردت خلال رئاسة باراك أوباما، ومن المنتظر أن يناقش الطرفان قضايا التعاون الأمني والاقتصادي المشتركة، والإخوان المسلمين، وسرا: حقوق الإنسان.

قال مسؤول رفيع في البيت الأبيض لمراسلين عبر الهاتف: "[ترامب] يريد أن يستغل زيارة السيسي ليحيى العلاقة الثنائية بين البلدين، ويبني الرابطة القوية التي أسسها الرئيسان عند لقائهما الأول في نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي" وذلك في تصريحات صدرت أمس الأول، الجمعة.

بين أوباما وترامب        

لقاء السيسي والمرشح الجمهوري -وقتها- دونالد ترامب

رفض أوباما استضافة السيسي في البيت الأبيض، وأوقف التمويل العسكري لـ17 شهرًا، تلت وصول السيسي للسلطة عقب إقصاء محمد مرسي عن الرئاسة في يوليو حزيران 2013. كان مرسي هو "الرئيس الوحيد المنتخب ديموقراطيًا في مصر".

وكانت المرة الأولى التي يتبادل فيها الرئيسان [السيسي وأوباما] التحايا الطيبة على التراب الأمريكي، كانت خلال لقاء على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2014.

وبعكس سلفه، تعامل ترامب بود مع زعيم ثاني أكبر متلقي للمعونات العسكرية من الولايات المتحدة (1.3 مليار دولار سنويًا). تقابل الاثنان [ترامب والسيسي] على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي – بعد عامين من لقاء السيسي بأوباما- كما قابل السيسي وقتها هيلاري كلينتون. لكن بدا أن السيسي علق رهانه على أحد طرفي السباق.

وعد ترامب السيسي باستقباله في زيارة رسمية إذا ما فاز في الانتخابات، وأعرب عن إعجابه بالحرب التي يشنها السيسي ضد الإسلام المتطرف. وفي المقابل كان السيسي أول زعيم في العالم، وطبعًا أول زعيم عربي، يهنئ ترامب عندما أُعلن فوزه بسباق الرئاسة الأمريكية في نوفمبر/تشرين ثان 2016.  

واصل ترامب تصريحاته العلنية المؤيدة للسيسي، مشيدًا باستعادته البلاد بالقوة من بين يدي الإخوان المسلمين، وهي أقدم وأكبر مجموعة إسلامية في مصر، والتي قادها مرسي نحو السلطة في أعقاب إزاحة الديكتاتور السابق حسني مبارك عن الحكم في 2011، "لقد استطاع السيطرة على مصر.. لقد استطاع حقًا السيطرة عليها" هكذا قال ترامب في مقابلة مع محطة فوكس نيوز خلال جولاته الانتخابية في سبتمبر.

ربما يرى ترامب في نفسه شيئًا من تصرفات السيسي وصفاته كرجل قوي، فقد تعهد ترامب بتدمير تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، كما فعل السيسي خلال قتاله الممتد في شبه جزيرة سيناء، وفي هجمته على جماعة الإخوان المسلمين، التي شن مناصروها عدة هجمات ضد السلطات المصرية.

                         

مرسي يلقي اليمين الدستورية في ميدان التحرير 

ولهذا، ستكون القضايا الأمنية في القلب من محادثات يوم الاثنين بين الرئيسين، بحسب تصريحات أحد مسؤولي البيت الأبيض، وهي قضايا ينشغل بها ترامب في هذه المنطقة (الشرق الأوسط). وأضاف المسؤول أن ترامب يدعم طرح السيسي المتعلق بإصلاح وتحديث الخطاب الإسلامي في مصر"، وأن الرئيس مهتم بسماع أفكار السيسي حول جماعة الإخوان المسلمين، والتي تتعلق بـ"أمور مقلقة تتعلق بالأنشطة التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة". وتتناقش إدارة ترامب في ما إذا كان عليها أن تعلن اعتبار الجماعة منظمة إرهابية.   

بداية من يونيو/ حزيران 2012، قاد مرسي جماعة الإخوان المسلمين لما يزيد قليلا عن العام في أروقة السلطة. زعيم الحركة[1] وصل إلى كرسي الرئاسة عقب فوزه في انتخابات تعددية. لكن الاحتجاجات انتشرت بينما تعثرت مصر في صراعها مع التراجع الاقتصادي وفقر الإدارة الحكومية.

المظاهرات العارمة "مهدت لحركة الانقلاب العسكري" الذي أنهى ولاية محمد مرسي في 2013. وقادت الحركة العسكرية إلى اعتقال وقتل ونفي آلاف من اعضاء الجماعة. وبعدها صنفت مصر الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة إرهابية، لتنفيها إلى خارج الفضاء السياسي الشرعي في مصر في ديسمبر/ كانون أول 2013.

خلال الشهور التالية على التحرك العسكري الذي انتهى بالسيسي على مقعد الرئاسة، انهمرت التقارير حول انتهاكات الشرطة، والاحتجاز الاحتياطي والتعذيب والاختفاء والإعدامات الجماعية. وأسوأ جرائم نظام السيسي كان المذبحة الجماعية لـ817، على الأقل، من المتظاهرين المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة في العاصمة المصرية وعلى أطرافها.  

ولكن بينما اختار أوباما أن يحتل الحديث عن حقوق الإنسان قلب تعاملاته مع حلفائه في الشرق الأوسط، ومنهم مصر، وإسرائيل والبحرين، فإن ولاية ترامب اتخذت خلال أشهرها الأولى شكلاً محددًا، تسلك فيه طريقًا مغايرًا تمامًا لطريق سلفه.

                                           

السيسي وأوباما خلال قمة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب

ستتلقى البحرين 19 طائرة مقاتلة أمريكية ستفرج عنها وزارة دفاع ترامب، بعد أن قيدها أوباما بشرط مسبق يتعلق بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في الدولة الخليجية الصغيرة. كما أرخى ترامب القيود المفروضة على الضربات الجوية في الصومال، وأشرف على هجمة جوية فاشلة في اليمن، نجم عنها مقتل أكثر من 24 مدنيًا، وهجمات جوية أخرى على الموصل والرقة خلفت أعدادًا كبيرة من الضحايا. ويوم الخميس الماضي، قال فريق ترامب إن الإدارة الامريكية لم تعد تريد أن تشهد إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد – الذي اتهمته الأمم المتحدة بقتل شعبه بالأسلحة الكيميائية- عن السلطة.   

من المنطقي إذن على ضوء تلك الخلفية، أن يعتزم ترامب استضافة أكثر قادة شمال أفريقيا سلطوية ووحشية، الرجل الذي سيطر على أحد أجهزة الاستخبارات في مصر قبل أن يصبح على رأس الجيش، ثم في النهاية على رأس الدولة كلها.

بعد فوز ترامب، رأى فيه السيسي "حليفًا محتملاً سيولي القليل من الاهتمام لمسألتي الديموقراطية وحقوق الإنسان"، على عكس إدارة أوباما، كما يقول إيساندر العمراني مدير مشروع شمال أفريقيا في المجموعة الدولية للأزمات.

وبينما نددت الولايات المتحدة علنًا بانتهاكات حقوق الإنسان في العديد من الدول، إلا أن مسؤول البيت الأبيض قال إن مسألة القمع المصري للمعارضة، سيتم التعامل معها في الغرف المغلقة: "منهجنا هو التعامل مع هذه الأمور الحساسة بشكل سري، وأكثر تحفظًا. نحن نعتقد أن هذا هو المنهج الأكثر فعالية للتقدم على هذا الصعيد والوصول إلى نتائج مُرضية".  

ولهذا، فإن السيسي ينتوى انتهاج المبالغة في الصمت فيما يتعلق بحقوق الإنسان أثناء لقائه بترامب يوم الإثنين، على حد توقع الخبراء، أملاً في يحصل على ما يريد في قضايا الإخوان المسلمين وزيادة المساعدات العسكرية.  

يقول العمراني: "المصريون يراهنون فعلا على أن يغير ترامب الموقف الذي كان مسيطرًا خلال إدارة أوباما: كوضع قيود على مبيعات أسلحة معينة، بالإضافة لابتعاد الرئيس السابق عن التعرض لسؤال الإسلام السياسي".

في محاولته لكسب دعم الولايات المتحدة ضد جماعة الإخوان المسلمين، قد يحاول السيسي أن ينضم لحرب ترامب ضد الإرهاب والإسلام المتشدد، وقد يحاول دمج الأمرين (الحرب على الإرهاب وتجريم الإخوان)، كي يحصل على النتائج التي يرغبها، كما يتوقع هيو لوفات زميل دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

يقول لوفات: "انشغل السيسي شخصيًا بالهجمة التي شنتها السلطات في مصر على الإخوان المسلمين، لذا أعتقد أنه سيقدم سياسته نحو الجماعة باعتبارها ضمن قضية أكبر تتصل بالحرب ضد الإرهاب والإسلام المتشدد، وهي القضية المفضلة لدى ترامب".

وأعرب مسؤولون أمريكيون سابقون عن أسفهم لكون مصر حليف يجر من المشاكل أكثر مما يقدم من حلول. حليف ذو اقتصاد منهار، وسجل سيء فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بالإضافة لتطرف يهدد استقرار البلاد. بالنسبة لترامب، تمثل مصر فرصة لإظهار تمتعه بعلاقة جيدة مع القادة العرب في الوقت الذي يُتهم فيه بالتحيز ضد الإسلام، كما أنها تمثل فرصة للتعاون الأمني، وهي حليف صالح للعب دور مستقبلي في مساندة مبادرة السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

التجاوز عن الفاشية

 

                                       

الشرطة المصرية تقوم بفض مظاهرة سلمية محدودة

المجموعات الحقوقية والنشطاء انتقدوا السهولة الشديدة التي حاز بها السيسي زيارة رسمية لواشنطن. منظمة العفو الدولية أرسلت بيانًا عبر الإيميل للنيوزويك، طالبت فيه الرئيس "ترامب"، باستخدام هذه الزيارة الرسمية للضغط على الرئيس المصري بشأن سجله في حقوق الإنسان.

ناجية بونعيم نائب المدير الإقليمي للحملات في مكتب منظمة العفو الدولية بتونس كتبت: "على الرئيس ترامب أن يكون واضحًا خلال لقاء الاثنين، في أن طبيعة ومدى العلاقة بين مصر والولايات المتحدة ستعتمد على اتخاذ السلطات المصرية خطوات قوية وراسخة في انهاء انتهاكاتها الحادة لحقوق الإنسان".

منى الطحاوي الكاتبة المصرية الناقدة للسيسي، والتي احتجزتها المخابرات الحربية عام 2011 أثناء فترة إدارة السيسي لها، ذكَّرَت بدعم الولايات المتحدة لمبارك في السابق، مبارك الذي غادر أحد المستشفيات العسكرية قبل أيام بعد 6 سنوات من الاحتجاز. تشير الطحاوي إلى أن ترامب ربما يواصل السياسة الأمريكية المتبعة منذ زمن. ولكن في أعين النشطاء، كان هناك أمل ما يلوح في عهد أوباما، هذا الأمل تلاشى تماما مع دخول ترامب إلى المشهد.   

تقول الطحاوي في مكالمة هاتفية أجرتها مع نيوزويك من القاهرة: "إدارة ترامب على استعداد للتجاوز عن انتهاك حقوق الإنسان والفاشية من أجل مصلحتها الخاصة"، وتواصل: "لابد وأن السيسي سعيد للغاية، هذا هو حلمه، ستمنحه هذه الزيارة الشرعية التي لا يستحقها. الرسالة الكلية هي: لقد عادت الأمور لمجراها بين الإدارة الأمريكية والنظام المصري".  

إذن، فاجتماع الاثنين سيمثل بداية تنصيب برنامج االتعاون بين ترامب والسيسي. وبالنسبة للمصرين فإن الدفء الذي جمع بين واشنطن والديكتاتور السابق مبارك، ثم بين العاصمة الأمريكية ورجل الجيش القوي، يعزز من موقف النظام الذي يحرمهم من الديموقراطية والعدالة. الآلاف من المساجين السياسيين بالإضافة لمرسي يذوون في السجون المصرية.

تقول الطحاوي: " نحن المصريين تعلمنا أن العدالة أمر عصي وصعب. وأن الإدارات الأمريكية المتوالية بما فيها إدارة ترامب، ساعدت على جعل العدالة حلما بعيدًا بالنسبة لنا".  


[1]  لم يكن محمد مرسي زعيمًا لجماعة الإخوان المسلمين. حيث يعد زعيم الجماعة هو مرشدها العام المنتخب الذي تختاره الجماعة زعيمًا سياسيًا ومرشدًا روحيًا لأعضائها. وكان "زعيم الإخوان" في ذلك الوقت هو المرشد العام الأسبق محمد بديع.