مساءلة صورة الأم في "عن الأمومة وأشباحها"- اقتباسات

منشور الأربعاء 22 مارس 2017

قبل شهرين تقريبًا من حلول موعد الاحتفال بعيد الأم في مصر، صدر كتاب "كيف تلتئم.. عن الأمومة وأشباحها"، والذي تُسائِل فيه الشاعرة إيمان مرسال الصورة الموروثة عن الأمومة، باعتبارها عطاء متدفق وتضحية دائمة ونفي للذات في سبيل الأبناء. 

ثم قبل أيام من عيد الأم الذي حلت ذكراه أمس الثلاثاء، تعددت الكتابات الصحفية ومنشورات فيسبوك التي تطرح التساؤلات ذاتها، بل وتجاوز بعضها ما ذهبت إليه مرسال في كتابها من محاولات للاستكشاف؛ إلى محاكمة تلك الصورة الموروثة ورفضها، باعتبارها صورة مناقضة للقيم النسوية وللتحضر، ولكونها: ترسخ صورة تهميش المرأة واختصارها في مجرد ذات لها جسد يستخدم في إنتاج وتربية الأطفال، كغاية وهدف وجود.  

ينقسم كتاب مرسال الصادر في 140 صفحة تقريبًا إلى قسمين، تطرح في الأول تساؤلاتها، وتوثق في الثاني أشباحها من خلال علاقتها بوالدتها التي توفت في طفولتها وابنيها الذين خاضت مع أحدهما رحلة علاج طويلة من مشكلات نفسية يمر بها. 

في هذا الموضوع تكتفي المنصة بنقل اقتباسات تلقي الضوء على بعض الأفكاره والتساؤلات الواردة في الكتاب، والتي أسهمت عقب نشره في الحوار حول "صورة الأم- المرأة وغايتها"، وهو الحوار الذي لا يزال مستمرًا حتى لحظة نشر هذا التقرير 

تفتتح مرسال كتابها بمقطع شعري وسؤال حول الصراع بين الأم والطفل وهل يمكن لواحدهما أن يكون عدوًا للآخر.

1- "يخرج هذا الصراع بين الأم ومولودها عن الأرشيف الإنساني العام؛حيث الأمومة عادة عطاء، تماه بين ذاتين، حب لا محدود وغير مشروط. كأن قصيدة سوير (التي تفتتح الكتاب) تجعلنا نفكر في أمومتين: أمومة المتن- الذي تكوَّن عبر الخطابات الدينية والفلسفات والأخلاق والقيم الاجتماعية المقبولة- حيث ينظر إلى الأمومة كفطرة إنسانية محمية بشكل طبيعي من الصراعات والتوتر، وأمومة في الهامش قد تجد شظاياها السردية في بعض كتب الطب والنصوص الأدبية وبعض قصص الجرائم الأسرية، حيث هناك أصوات متفرقة تحاول التعبير عبر المرض النفسي أو الكتابة أو الجريمة عن الرعب والصراع والتوتر داخل أمومتها".

2- "ما شغلني هنا ليس كيف استقرت ملامح محددة للأمومة داخل المتن العام، ولكن كيف ننصت إلى ما يخرج عليه ويعارضه. كيف يمكن أن ندرك أن الأمومة الموسومة بالإيثار والتضحية تنطوي أيضًا على الأنانية وعلى شعور عميق بالذنب. كيف يمكن أن نراها في بعض أوجهها صراع وجود، توتر بين ذات وأخرى، وخبرة اتصال وانفصال تتم في أكثر من عتبة مثل الولادة والفطام والموت".

3- "البقاء ليس للأصلح فقط، بل للأكثر أنانية وقدرة على كسب معركة الوجود".

                                           

إيزيس تنجب حورس بمساعدة حتحور 

4- "يمدنا أي وصف طبي لعملية الحمل والولادة بمجازات عديدة عن التهديد والصراع والانتقاء والاستثمار والخطر؛ يدافع الرحم عن نفسه ضد الجنين الضار، يزداد جداره سمكًا وهذا ما يؤدي إلى الحيض، إنها الوسيلة التي يختبر بها جسد الأم صلاحية الجنين حتى يقبل باستمراريته. على جسد الأم أن يتأكد أن الحمل هو استثمار جيد للمستقبل. ستتكون المشيمة إذا كسب الجنين معركته، لكن في نفس الوقت لا بد من تكون غشاء رقيق يفصل دم الأم عن دم الجنين، الانفصال لا التماهي هو شرط النجاة لكليهما".

5- "يبدو الشعور بالذنب وكأنه الشعور الذي يوحّد الامهات على اختلافهن. إنه يكمن في المسافة التي تقع بين الحلم والواقع مثلما في البنوّة والحب والعمل والصداقة، هو أيضًا نتاج المسافة بين مثالية الأمومة في المتن العام وبين إخفاقاتها في الخبرة الشخصية".

6- "أمي التي ماتت في سبعينات القرن العشرين مثال نموذجي لكثير من نساء العالم الثالث إلى اليوم، نساء يلدن – للحظ السيء- في لحظة يتعرض فيها الطب التقليدي والتبادل الشفوي للخبرات لانقطاع واضطراب بسبب الحداثة، بينما لا تتوفر لهن مؤسسات طبية تستطيع أن تقوم بهذا الدور بسبب تعثُّر نفس الحداثة".

6- "يبدو أن التفكير في الأمومة يستدعي النظر في نفس اللحظة إلى اتجاهين مختلفين، اتجاه الماضي عندما كنت ابنة لأم واتجاه المستقبل عندما أصبحت أمًا لطفل. لا أعرف بأي طريقة تشكل البنوة أمومتنا، لكن في مقدوري أن أتخيل استحالة تحييدها أو تفاديها. هل يمكن أن يكون ذلك في حد ذاته سببًا غير مرئي لتوتر أمومتنا؟"

7- "إلى أن تنتبه النظريات النسوية إلى العنف والغضب والإحباط داخل الأمومة، عليك أن تسردي تجربتك أو تأنسي إلى السرد الذي يساعدك على إدراك أنك لست وحدك".

8- "كان ابني في الرابعة من عمره عندما سألني: (ما هو المكان الذي زرناه بالأمس؟) حاولت أن أتذكر، ولما اكتشفت إننا لم نذهب إلا إلى الحضانة والحديقة في الأيام الماضية، فكرت في الأسبوع السابق: (ذهبنا إلى طبيبة يوسف). نظر إلىّ وقد نفذ صبره: "(ا، لا، أمس) ظننت إن سوء التفاهم لا يدور حول المكان بل حول الزمن، ربما أمس بالنسبة إليه هو الشهر الماضي مثلا. فشلت محاولاتي في الوصول إلى إجابة. بعد جهد اكتشفت إنني كنت ببساطة معه في الحلم، إنه عندما يحلم وأكون معه في الحلم، فإنه فعلا كنت معه ومن الطبيعي أن أتذكر ما حدث لنا هناك".

9- " أشك أننا جميعًا نستبعد الهزائم والفشل والفضائح خارج ألبومنا العائلي. ألبوم الصور ليس أكثر من تأليف، سرد شخصي، أن ترتب ألبوم صور يعني أن تمارس الاختيار والتصفية والاستبعاد في نفس الوقت. إنه ليس توثيقًا للواقع، لتاريخ كامل، بل فعل انتقاء لما يتصوره المؤلف أو يريده كحياة وتاريخ. بمعنى آخر، كل ألبوم صور هو اقتراح لحياة ما، طبقًا لمن يسردها".

مجاز الأُم المخفية

 

 

أم تتخفى في صورة تجمع أبناءها 

10- تنقل مرسال عن جيفري باتشين أستاذ تاريخ التصوير في مركز لدرسات العليا بجامعة نيويورك قوله: "من المدهش، أنه رغم وجود بعض الآباء المختفين في هذه الصور، إلا أننا عندما نتحدث عن الصور نشير إلى الأم المختفية فقط. المختفية لا يمكن إلا أن تكون أمًا على وجه التخصيص. إننا نشهد الإيثار وإنكار الذات مع كل أم، ونختبر وضع المرأة في المجتمع الأبوي ككائن بلا هوية تخصها، مجرد عابرة، أداة للإنتاج، قناة تربط بين الرجل والطفل".

11- "صورة (الأم الأداة)، تصبح ذريعة لإلقاء نظرة أخرى، لتخيل علاقة أمومة بملامح تختلف في القليل أو الكثير عن صورة الأم في المتن العام. إنها أمومة مميزة أو غريبة أو متناقضة أو درامية، أو ببساطة لها قصة. قد تكون هذه الأم محملة بسرد أكبر منها، تصبح رمزًا للحظة تاريخية بكاملها، لصراع اجتماعي، لكارثة، للأمة كلها، وهناك أمثلة عديدة على ذلك... الصورة التي التقطها (و. يوجين سميث عام 1970) للأم اليابانية ريوكو أويمورا تحمم ابنتها المحتضرة. موضوع الصورة ولا شك هو الآثار الرهيبة لمرض ميناماتا (وهو نوع من تسمم الوئبق) على جسم وعقل الابنة توموكو، لكنها أيضًا توثيق للأمومة في مواجهة الموت".  

                                     

توموكو إيمورا في حمامها 

12- "في الحقيقة، كل يوم هناك صورة أيقونية جديدة للأمومة كضحية للحروب والديكتاتوريات والمنافي والذكورة... كل لحظة تاريخية خالية من العدالة ستضيف إلى هذا الأرشيف... في صورة الأم الأداة أو الأم الأيقونة أو الأم المؤدلجة.. تنتقل الصورة من متن الأمومة العام الذي نتلقاه ولا نقف أمامه كثيرًا.. تنتقل من كونها (غير مرئية) إلى كونها (خاصة) أو (مميزة) أو (غرائبية). إنها ثقيلة بما يناسب السرد الذي يدور حولها، مما يستدعي بعض الطاقة لتأمل إضافي".

13- "أن تكوني أمًا يعني أن تؤمني بقوة عليا أو تكوني أنت نفسك إلهة. ليس هناك مكان وسط".

بين أُمَّين

 

14- بمجرد أن أغلقوا عين القبر بعجينة الإسمنت، وحفروا اسم أمي وتاريخ ولادتها وموتها فيه، أصبحت جدتي امرأة أخرى لم أرها من قبل.

بدأت السيدة القوية المسيطرة صاحبة الحضور الذي لا يخلو من تعال تلطخ وجهها بالطين، وتشق الجلباب عن صدرها وتضرب بكل ما تملك من قوة على ثدييها العاريين.

أمام الجميع عاقبت جدتي ثدييها على فطام أمي النهائي بالدفن.     


كيف تلتئم.. عن الامومة واشباحها، إيمان مرسال، صادر عن منشورات "كيف ت"