طعام الشارع في بانكوك

الرحالة في آسيا | الغداء أخطبوط.. والحلو موز مشوي على الفحم

منشور الخميس 23 مارس 2017

بعد جولة صباحية سيرًا على الأقدام في شوارع بانكوك، قررت التوجه إلى معبد الفجر Wat Arun. يمكنك الوصول إليه بوسائل مواصلات مختلفة، مثل الأتوبيس، وذلك عبر خطوط رقم 19، 57، و83،  إلا أنني فضلت القارب، حيث يطل المعبد على نهر تشاو فرايا، في مواجهة مرفأ "تا تيان" Tha Tien حيث أقف الآن.

نسيت أن أخبرك أن بانكوك تتميز بشبكة مواصلات عامة جيدة جدًا، تربطها ببعضها البعض، مثل الأتوبيسات، أو الـ(sky train) وهو قطار معلق يربط المدينة كلها ببعضها، أو القارب، حيث استفاد التايلانديون من الأنهار والمجاري المائية في العاصمة، في التنقل عبر قوارب كبيرة، هي الأفضل في وجهة نظري، خاصة في ساعات خروج الموظفين من العمل. الأمر لا يتعلق فقط بتجربة جديدة، وإنما يساعد على الهروب من الازدحام المروري.

اقرأ أيضًا: الرحالة في آسيا | إسرائيل تغزو تايلاند بالفلافل.. وحشرات وعقارب على موائد الطعام

فور دخولك مرفأ "تا تيان" يستقبلك العديد من الأشخاص، كل منهم يعرض خدماته في القيام بجولات سياحية في النهر، بقواربهم الطويلة المميزة، وأحيانًا يضيفون إليها جولة داخل المدينة القديمة. في الحقيقة لست من هواة الجولات المعلبة، أستمتع أكثر باكتشاف المدن بنفسي، أخبرتهم أنني سأذهب بالقارب الكبير العام إلى المعبد الذي أراه الآن ماثلًا أمامي على الضفة الأخرى، بإطلالته الساحرة على نهر تشاو فرايا.

حركة القوارب في النهر مستمرة دون توقف، تنقل السائحين بين ضفتيه. هنا العديد من القوارب الكبيرة، مثبت فوق كل منها علم بلون مختلف، برتقالي وأخضر وغيرهما من الألوان، التي يشير كل منها إلى الشركة التي تُسير القارب، توجهت إلى أحدهم الذي لا يحمل أي علم، هو "قارب الشعب"، الذي يستخدمه المحليون في التنقل، حيث لا تتجاوز تذكرته الـ 3.5 بات (جنيه ونصف تقريبًا).

 

القوارب العامة وسيلة مواصلات مريحة في بانكوك

50 بات فقط، هي سعر تذكرة دخول المعبد، الذي يتميز بأبراجه العالية، يتوسطها برج يصل طوله إلى 80 مترًا، يمكنك الصعود إليه عن طريق سلالم. يُعَد وات آرون واحدًا من أهم المعالم الأثرية والسياحية في تايلاند، ويُعَد كذلك رمزًا دينيًا وتاريخيًا مهمًا لدى الشعب التايلاندي، منذ جعله الملك تاكسين معبدًا ملكيًا قبل أكثر من 200 عام. 

يقع المعبد وسط العديد من المباني الأثرية المجانية، وستلاحظ فيه وفيهم إدارة رجال الدين للأماكن المقدسة، فالرهبان ذوي الملابس البرتقالية لا يسيرون بخشوع أو يؤدون الصلاة فقط، هم أيضًا هنا يجلسون على مكاتب، ويبيعون التمائم، التي تستطيع أن تشتري منها تمائم خاصة بالحب والحظ والسعادة وغيرها، هم أيضًا يمنحون البركة كما في المعابد الأخرى، برش المياه "المقدسة" على الشخص الذي يجلس أمام الراهب في خشوع، قبل أن يربط حول معصمه خيطًا أبيض، "يجلب الحظ".

يضم المعبد مجموعة هائلة من التماثيل لبوذا، وكذلك تماثيل لحارس المعابد، وهو شخصية برأس تقترب من التنين وجسم إنسان تقف وأمامه سيوفه كرمز للقوة والحماية، وكذلك تماثيل لشخصيات دينية في الأساطير البوذية والتايلاندية، وأيضًا تماثيل رخامية للأفيال.

وبمناسبة الأفيال، يعد الفيل في تايلاند رمزًا مقدسًا، وأينما تولي وجهك ستجد فيلًا، سواء في الغابات والحدائق، أو في النقوش والتماثيل داخل المعابد، أو في التماثيل الصغيرة الموجودة في كل مكان، أو حتى في النقوش على هذه الملابس الزرقاء المزركشة والتي يعد الفيل العنصر الرئيسي في الزخارف الموجودة عليها، والتي أيضًا ما كنت لأرتديها لولا أنني في بلد تقدس الأفيال إلى هذه الدرجة.

على كل حال، لا شيء أحتاجه الآن بعد هذه الجولة الممتعة المرهقة، أكثر من فنجان قهوة، في كافيتريا معبد وات آرون. على طاولة وسط أشجار الموز جلست، لأرتشف قهوتي وأرتب جولتي المقبلة.

طعام الشارع في بانكوك

على الجانب الآخر من النهر، الذي وصلته بنفس القارب الكبير، كنت على موعد مع الأخطبوط، في الحقيقة جربت أكله أكثر من مرة في جولاتي الآسيوية، وكانت هذه المرة الأولى في هذه الجولة. بعد خروجك من المرفأ ستجد العديد من عربات الطعام في الشارع، وهي ثقافة آسيوية بامتياز، ستجد عليها كل ما لذ وطاب وما يثير الاستغراب، وأطعمة لن تعرف حتى اسمها ولا مكوناتها، لكن كما اتفقنا، دعنا نجرب كل شيء، طالما مَن يجربون الأمر ما زالوا على قيد الحياة.

كان الغداء في هذا اليوم عبارة عن أخطبوط مشوي وجمبري، والحلو كان الموز المشوي على الفحم. لكن دعني أقول لك لا تسافر إلى تايلاند دون تجربة المطبخ التايلاندي، قد يكون متشابهًا مع المطابخ الآسيوية في بعض الأطباق كالأرز المسلوق، والمأكولات البحرية، لكنه له نكهة خاصة في بعض الوجبات، نكهة متوازنة، تجمع بين الحلو والحار والمالح في طبق واحد.

موز مشوي على الفحم

يعشق التايلانديون الأرز، وهو وجبتهم الأساسية، وتُعَدّ تايلاند واحدة من أكبر دول العالم المصدرة له، ويطبخونه بالعديد من الطرق مثل الأرز المقلي، لكن الأشهر هو الأبيض المسلوق، ويستهلك المواطن الواحد أكثر من 100 كيلو أرز في العام. يفضلون هنا كذلك الكاري والفلفل الحار وصوص السمك وحليب جوز الهند، الذي يصنعون منه الآيس كريم ويشربونه كعصير طبيعي وكذلك يضيفونه للشوربة. ما لا نبغي أن تزور تايلاند دون تذوقه هو طبق الـ "طوم يام"، وهي شوربة فواكه بحر حارة جدًا، ستحولك في لحظة إلى تنين ينفث النار من فمه.

بتوك توك مجاني، "رحمة ونور" على روح الملك الراحل، تجولت في العاصمة بانكوك، قبل الذهاب إلى معبد "وات إنتراويهان" Wat Intharawihan، في حي ناخوم. تستطيع أن تحدد موقع المعبد إذا كنت موجودًا في أي مكان بالحي، من خلال تمثال بوذا الذهبي العملاق، الذي يبلغ طوله 32 مترًا وعرضه 10 أمتار.

اقرأ أيضًا: الرَحَّالة | ثنائية الدين والجنس في تايلاند: "شعب متدين بطبعه"

يضم المعبد العديد من الأبنية، لكنني لا أعرف ما الذي شدني إلى هذا المبنى الذهبي تحديدًا، هو في اعتقاد المؤمنين بالبوذية، "قدس الأقداس"، بعد صعودي الدرج، وخلع حذائي قبل دخولي من الباب المزخرف، وجدتني أمام تمثال ذهبي كبير لبوذا، تحيطه التماثيل الصغيرة والورود، وسلال الفواكه، المقدمة له. هنا يقف المواطنون البوذيون بكل خشوع واحترام، أمام التمثال، بعد أن يسجدون ثلاثًا فور دخولهم القاعة، منهم من يتمتم في صمت، ومن يسجد، ومن يقف على ركبتيه أو قدميه ووجهة ناظر إلى الأرض، ويديه مضمومتين أمام صدره.

واصلت جولتي في المعبد، الذي بني عام 1867، واستمر بناؤه أكثر من 60 عامًا، إلى جوار القاعة الكبيرة، التي يقف بجانبها رجل يبيع أقفاص العصافير الصغيرة، وهي "عصافير البركة" التي تطلقها لتَنَل حريتها كرامة لبوذا، في حن تحصل أنت على السعادة، ويحصل التاجر على المال. 

في ساحات المعبد، يتوافد التايلانديون، رغم أن عددهم أقل بكثير من عدد الأجانب، هنا يشترون الورود والبخور، قبل أن يقفوا أمام أقدام هذا التمثال الضخم بكل خشوع، يضعون الورود ويمارسون طقوسهم الدينية، كالسجود والصلوات غير المفهومة، على الأقل بالنسبة لي، ثم يشعلون البخور، ويمسكونه بأيديهم، قبل أن يضعوها أمام وجوههم الناظرة للأسفل، ثم يضعونها أمام قدمي التمثال.

 

تمثال ضخم لبوذا

هو يحصل على السعادة بالخشوع أمام بوذا وتحرير العصافير كرامة له، أما أنا في هذا التوقيت كنت أبحث عن سعادتي عند هذا الرجل الذي يضع أمامه ثمار جوز الهند الأخضر، وبعضها في صناديق بها مياه وثلج لتبريدها، والحقيقة أنني أدمنت شرب حليب الكوكنت (جوز الهند) منذ زيارتي لمومباي بالهند، قبل أكثر من 10 سنوات، ومازلت أبحث عنه في كل دولة يتواجد فيها، رغم أن الأمر لا يحتاج لبحث في تايلاند، حيث يتواجد جوز الهند في كل مكان، اشتريت واحدة مقابل 30 باتًا، قبل أن يقطع البائع جزءًا منها بالسكين، لأتمكن من شرب هذا العصير الطبيعي المنعش، عله يخفض من حرارة الجو، ولو قليلًا.

كافة الصور من تصوير أحمد بلال، وخاصة بالمنصة