هتلر

كيف يصنع الديكتاتور شعبًا ساذجًا؟

منشور الأحد 19 مارس 2017

إن تحرير الناس من الأغلال التي تُفرض عليهم حقًا أمر عسير، لا سيما إن كانوا يؤمنون بضرورة وجودها، إنه من الصعب أن تحرر السُّذَّج من أغلالهم التي يبجلونها. فولتير*

إن حياة المجتمع الحديث تنتسب إلى عالمين عالم واقعي، وعالم غير واقعي؛ فأما العالم الأول، فهو عالم العلم وتطبيقاته، وهو عالم تشعَّ منه أنوار ساطعة تُبهر الأنظار. هو عالم مرادفه الحقيقة المحضة الناصعة.

أما العالم الآخر، فهو هذا المسرح المظلم، الذي تتمثل عليه الحياة السياسية الاجتماعية، والهياكل المتداعية التي يقوم عليها بناء هذا العالم محاطة بضروب الأوهام والأضاليل.

هكذا يروي لنا جوستاف لوبون* قصة المسرح المظلم، التي تحاكيها الشعوب المُقيدة بأغلال العبودية ومن خلف الستار يدير الديكتاتور سيناريوهات القصة، قصة رغم قسوتها تؤمن بها الشعوب بل تبجلها. فما هي أدوات الهيمنة على الشعوب؟!

صناعة الخوف

تعد ثقافة الخوف ميدانًا واسعًا لممارسة الضبط الاجتماعي والسياسي، وقد عرفته مختلف الثقافات وسعت إلى تأسيسه تحت ألوان ومسميات فنية رمزية مختلفة منها الأساطير الشعبية، التي تتخذ من المبهم والمجهول الذي يراقب ومستعد للفتك والإيذاء مادتها الأساسية ومنها يستمد الراوي والمشعوذ والكاهن قوته وهيبته.

 فعندما يخاف الناس يكونون أكثر استعدادًا لقبول إجراءات تنتقص من حرياتهم الشخصية، بل حتى من مقومات حياتهم الأساسية.

ففي الوقت الذي كان يخطط فيه هتلر للحرب ضد الشيوعية، اتخذ حريق الرايخستاج في 27 فبراير 1933م، كذريعة لقمع الشيوعيين الألمان والحزب الشيوعي الألماني.

 

ناهيك عن يلتسن الذي كان يقصف البرلمان الروسي بالدبابات في نفس الوقت الذي كان يمرر فيه القرارات الاقتصادية التي أفقرت الشعب الروسي وأدت إلى إفلاسه، بدعوى القضاء على مجلس السوفيت الأعلى.

نظام التعليم.. غرس الديكتاتورية

لا تبدأ لعبة السياسة وتنتهي عند الأحزاب ومقاعد الحكم، ولا حتى في ساحات الحرب أو الثورة؛ فإن تأسيس نظام قمعي، ينصاع له المجتمع ككل، يحتاج إلى الهيمنة على المدارس والجامعات لغرس الفكرة في عقول الأطفال والشباب وأسلوب حياتهم.

فقد كان التعليم هو إحدى أقوى أدوات غرس القيم النازية في نفوس الألمان؛ فلم يكن مسموحًا بانتقاد النظام النازي في المدارس، وكان المُعلمون المعارضون يُطردون أو يُرسلون للتدريب على القواعد الاشتراكية النازية، وسط صيحات (عاش هتلر) وصوره التي تملأ الفصول.

كما أن التاريخ لن ينسى المراجعة الشاملة للمناهج الدراسية في عهد موسوليني، التي كانت ركيزتها الأولى تعزيز فكرة الحرب والتوسع العسكري، مع غرس الأيديولوجية الفاشية في نفوس الطُلاب ومهاجمة الأفكار المخالفة لها.

الهيمنة الإعلامية

لا يمكن للدولة أن تسيطر على الجماهير بحق دون أن تُحكِم السيطرة على ما يلقى في  عقولهم، وذلك بجعل الحقيقة هي العدو الأول، لا حصانة لأحد فالجميع مستهدف حتى لو كنت صحفيًّا، حتى في أكثر الدول ادعاءً للديمقراطية.

هل سمعت بقصة الصحفي جوزيف ويلسون الذي اتهم جورج بوش بتلفيق اتهامات كاذبة لصدام حسين؛ لتبرير الحرب على العراق أبرزها استيراد اليورانيوم من النيجر؛ فكان نصيبه توجيه تهمة التجسس لزوجته.

هكذا استثمر الطغاة عملية إنتاج الخوف من خلال جمع الأخبار والأحداث وإعادة التعامل معها بفنيات وتقنيات متنوعة لتأخذ طابع التصنيع ثم تقدم للجماهير في قوالب إخبارية وأجناس إعلامية بعضها درامي يصعب التخلص من تأثيرها العام.

ومع التكرار والضخ المتزايد لهذه الممارسات يتم تثبيت ما يعرف بثقافة الخوف في وسائل الإعلام، ومنها يصبح للخوف المُصنع إعلاميًا سلطة على المتلقي.


* فرانسوا ماري أرويه، المعروف باسم (فولتير) (1694-1778م)، كاتب فرنسي عاش في إنجلترا، ذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة، ودفاعه عن حقوق الجماهير.

* جوستاف لوبون(1841 – 1931م)، مؤسس علم نفس الجماهير، من مؤلفاته: حضارة العرب (1884م)، حضارات الهند (1887م)، القوانين النفسية لتطور الشعوب (1894م)، وأخيرًا الآراء والعقائد (1911م).