مصطفى بهجت- خاص المنصة
أقباط العريش النازحين إلى دير الأنبا اسطفانوس بالاسماعيلية

فخ "السوشيال ميديا "في قضية "أقباط العريش".. قل ولا تقل

منشور الثلاثاء 28 فبراير 2017

 

عقب انتشار الأنباء عن بدء رحيل أهالي العريش ورفح عن منازلهم بعد سلسلة من حوادث القتل التي استهدفت مصريين يدينون بالمسيحية، التقطت شبكات التواصل الاجتماعي الخبر وكذلك وسائل الإعلام، ومالت كل مجموعة لاستخدام مصطلح للإشارة لهؤلاء المرتحلين. فاستخدم البعض تعبير "مُهجَّرين قسريًا"، واستخدم آخرون مصطلحات: نازحين، ولاجئين.

واشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي على إثر تلك الأحداث ما بين شجب و استنكار وانزعاج، لكن هذه المرة كان إستخدام لفظ "اللاجئين المسيحيين"، بمثابة إحتساء كوب ماء بارد بعد تناول قرن فلفل حار!

أثار اللفظ انزعاج الكثيرين، لكونه لفظًا سيء السُمعة. فهو مرتبط بالشتات والحروب، ومن المرعب أن نراه يبدأ في الظهور في بلدنا، وأن يقال على مواطنين مصريين: "لاجئين". لكن هناك معضلة تتخطى مجرد الانزعاج من استخدام هذا المصطلح في الإشارة لأقباط العريش. هذه المعضلة: قانونية وحقوقية.

من العوامل المهمة في حفظ الحقوق؛ هو الوصف الدقيق للحدث. فالتوصيف الصحيح يساعد في إيجاد طرق لحل المشكلة ويحافظ على الشفافية الضرورية للوصول للحقوق.  لذا فعلينا ان نتوخى الحذر في استخدام لفظ "اللاجئين".

في القوانين والمواثيق الدولية هناك خطوط فاصلة واضحة بين اللجوء والهجرة والتهجير القسري والنزوح. فلكل من هذه الحالات أسباب وظروف محددة

هجرة وتهجير

 

في المعجم الوسيط، الهجرة هي الخروج من أرض إلى أرض أخرى.

أما حسب تعريف شعبة السكان بالأمم المتحدة؛ فالهجرة ظاهرة جغرافية يقصد بها انتقال السكان من منطقة جغرافية لأخرى. ووفقًا لهذا التعريف؛ فإن الهجرة هي عبارة عن انتقال "طوعي" لفرد أو مجموعة الأفراد من مكان لآخر، داخل أو خارج حدود دولتهم إذا كان الإنتقال للخارج فهي هجرة خارجية، أما إذا كان الإنتقال للداخل فهي هجرة داخلية؛ كالإنتقال من القاهرة للأسكندرية مثلاً.

ماذا عن الهجرة القسرية (التهجير) إذن؟ الهجرة القسرية هي مصطلح عام يشكل كل من: حركات اللاجئين، والنازحين داخليًا، والذين يتم تهجيرهم نتيجة الكوارث الطبيعية، أو البيئية، أو النووية، أو "مشاريع التنمية".

                                            

تهجير سكان مدن القناة خلال فترة العدوان الثلاثي 

 

النمط الأول: الهجرة القسرية الناتجة عن الصراع:

وهؤلاء هم من يتركون منازلهم لعدة أسباب منها: عجز الدولة أو تقصيرها المتعمد عن حمايتهم، أو الصراعات المسلحة بما فيها الحروب الأهلية أو الاضطهاد بسبب الجنسية، أو العرق، أو الديانة، أو الرأي السياسي، أو الإنتماء إلى فئة إجتماعية معينة.    

النمط الثاني: الهجرة القسرية بسبب مشاريع التنمية:

مثل مشاريع السدود، والطرق، المطارات، ومبادرات التطوير الحضري، ومشروعات التعدين وإزالة الغابات، والمحافظة على المحميات والمشاريع البيئية.

في هذه الحالة، غالبا ما يبقي المتضررون داخل حدود دولتهم، ويتم إعادة توطينهم، لكن نادرًا ما يتم تعويضهم بشكل كافِ.

هذا النمط وسابقه متقاربان، في كون ضحاياهما غالبًا: أقليات عرقية، وسكان أصليين، أو الفقراء في المناطق الريفية أو الحضرية. 

                                       

تهجير النوبة للمرة الثانية لبناء السد العالي

 

النمط الثالث: التهجير القسري الناتج عن الكوارث

تشمل تلك الكوارث؛ كوارثًا طبيعية مثل الزلازل والبراكين والفيضانات والانزلاقات الأرضية، والتغييرات البيئية، مثل إزالة الغابات، والتصحر، وتدهور الأراضي، أو كوارث بشرية مثل الإشعاع، والحوادث الصناعية.

وبشكل أو بآخر قد تتداخل بعض الأسباب السابقة مع بعضها، أو يؤدي واحدها للآخر. فمثلاً؛ إزالة الغابات يُسهِّل من انجراف التربة، وبالتالي يمهد الطريق للانزلاقات الأرضية وهكذا.


هذه هي أنماط الهجرة القسرية، لكن ماذا عن المُهَجَّرين قسريًا؟

هناك فئات تتعرض للتهجير القسري، وهي: اللاجئين، طالبي اللجوء، النازحين داخليًا، المُهَجَّرين بسبب التنمية، المشردين بفعل الكوارث، المتسللين، والأشخاص ضحية الإتجار بالبشر.

جميعهم ضحايا لما يُسمى بالـ"تهجير القسري"، لكنهم يختلفون فيما بينهم في الظروف التي عرضتهم للتهجير القسري.

1-اللاجئين 

نصت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951، والمتعلقة بأوضاع اللاجئين، في مادتها الأولى على أن اللاجئ هو الشخص الذي يقيم "خارج بلده الأم". وهو غير قادر أو راغب في العودة إليها، بسبب الخوف من الإضطهاد بسبب العرق، الدين، الجنسية، أو الانتماء السياسي، سواء لانتمائه لفئة اجتماعية بعينها أو بسبب رأيه السياسي.

ويعد اللاجئين هم أفضل المهجرين قسريًا حالاً، فهم يتمتعون بأوضاع قانونية جيدة ولهم حقوق حمائية.

2- طالبو اللجوء

وهم الذين عبروا الحدود ولكن لم يتم البت في طلبات لجوءهم بعد بالقبول أو الرفض. ومن المدهش أن أغلب طلبات اللجوء لا يأتي أصحابها من الدول شديدة الفقر؛ وإنما من الدول الفاشلة أو التي يوجد بها حروب أهلية، أو درجة عالية من إنتهاك حقوق الإنسان.

3- النازحون داخليًا

هؤلاء عرَّفهم تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عام 1992، بأنهم الذين أُجبروا على الفرار من منازلهم فجأة، أو بشكل غير متوقع، في أعداد كبيرة. وذلك نتيجة للصراع المسلح والصراع الداخلي، أو إنتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، أو نتيجة للكوارث الطبيعية والبشرية، و"يبقون مع ذلك داخل أراضي بلدهم".

                                       

نازحون في جنوب السودان نتيجة للصراعات المسلحة

إذن فالفرق بين اللاجئ والنازح؛ هو أن الأول انتقل إلى خارج بلده، أما النازح فباق فيها. ويُطلق أحيانًا على النازحين داخليًا تعبير "اللاجئين داخليًا".

وفي عام 2011، تم تقدير أعداد النازحين داخليًا في جميع أنحاء العالم بحوالي 75.5 مليون شخص، وفقًا لمركز رصد النزوح الداخلي. ومسألة النزوح الداخلي هي مسألة شديدة الحساسية؛ وغالبًا ما تكون إحصاءاتها تقديرية.

4- المُهجَّرُون بفعل التنمية

وهم الذين اضطروا إلى التحرك نتيجة للسياسات والمشاريع المُنَفَّذة، لتعزيز ما يفترض أنه "تنمية". وتشمل هذه المشاريع البنية التحتية واسعة النطاق. ويبقى المتضررين عادة داخل حدود بلدهم.

ويطلق أيضًا على هذا النوع من المُهجّرين تسميات مثل "المطرودين"، "المشردين قسريًا"، أو "المُعاد توطينهم كُرهًا".

هذا هو بلا شك سبب النزوح واسع النطاق. هذا النوع من التهجير القسري غالبًا مايلقى قليل من الاعتراف أو الدعم أو المساعدة من الخارج للسكان المتضررين. لكنه كذلك يؤثر بدرجات متفاوتة على الأقليات العرقية والسكان الأصليين والفقراء في المناطق الحضرية أو الريفية. وتشير التقديرات إلى أن خلال فترة التسعينات شُرد نحو من 90 إلى 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم نتيجة لمشاريع تطوير البنية التحتية.

5-  المشردون بفعل الكوارث

يشار إليهم أحيانا بـ"اللاجئين البيئيين" أو "اللاجئين بفعل الكوارث"، في الواقع؛ معظم النازحين بسبب العوامل البيئية أو الكوارث لا يتركون حدود وطنهم.

وتشمل هذه الفئة النازحين نتيجة الكوارث الطبيعية (الفيضانات والبراكين والانهيارات الأرضية والزلازل)، التغير البيئي (إزالة الغابات، والتصحر، وتدهور الأراضي، والاحترار العالمي)، والكوارث من صنع الإنسان (الحوادث الصناعية، النشاط الإشعاعي).

 

يابانيون أجبروا على النزوح بعد التسرب الإشعاعي في فوكوشيما 2011

6- المتسللون

وهم المهاجرون المنتقلون إلى دول أخرى بصورة غير شرعية. وينتقل هؤلاء المتسللين في صفقات تجارية تعقد مع مهربين. هذا لا يعني أن هذه الممارسة لا تخلو من الاستغلال الكبير والخطر. حيث إن الذين يُعتَقَد بأنهم متسللون، يمكن أن يقعوا في فخ شبكات الاتجار بالبشر.

وحتى لو لم يتم ذلك؛ فإن سلامتهم الشخصية، وشروط السلامة والشروط الإنسانية لرحلتهم، وضمانات استقرارهم وقبولهم عقب وصولهم لوجهتهم؛ كلها أمور غير مضمونة. 

اقرأ أيضًا: بمباركة أوروبية.. اللاجئون الأفارقة "عبيد القرن الحادي والعشرين

ويمكن أن تشتمل تلك الفئة على المهاجرين المهربين الذين تعرضوا للتشريد القسري قبل أن يقدموا على الهجرة غير المشروعة كحل، كما في حالة السوريين. فضلا عن أولئك الذين تركوا وطنهم بحثا عن فرص اقتصادية واجتماعية أفضل.

غالبا ما تكون الدوافع مُختلطة. وقد ازدادت التشديدات الأمنية على حدود البلدان الجاذبة للهجرة غير المشروعة بشكل متزايد، لمقاومة دخول طالبي اللجوء، مما اضطر المُهاجرين من كل الأنواع إلى الخضوع لخدمات المُهربين.

7- المُتاجَر بهم.. أو ضحايا الإتجار بالبشر

هؤلاء هم الناس الذين انتقلوا عن طريق الخداع أو الإكراه لأغراض الاستغلال. لا يأتي ربح المهربين هنا من الحركة أو الانتقال، لكن من خلال استخدام المُتاجَر بهم جنسيًا، أو إكراههم على العمل بالسخرة  forced labor في بلد المقصد. ومن الممكن أن يكون الشخص المُتاجر به مُحتجز جسديًا، أو عن طريق الديون، أو مُهدد بالأذى هو أو عائلته في بلده الأم. ونظرًا للطبيعة غير القانونية وغير المعلنة لهذا النشاط؛ يصعُب جدًا حصر أعداد الناس الُمًتاجر بهم.

ووفقًا لما سبق؛ يتضح لنا أن أهل مدينة رفح مثلاً، تعرضوا للتهجير القسري بقرار من الدولة؛ بينما نزح سكان مدينة العريش نزوحًا قسريًا نتيجة للصراع والعنف، أما أهل النوبة فهم مُهجًرون قسريًا بسبب مشاريع التنمية.

أمَا عن موقف مجلس الأمن من التهجير القسري؛ فإنه لم يعالج هذه المسائل إلا معالجة جزئية فقط خلال الأعوام الممتدة من 1999 (عندما تطرق مجلس الأمن للمرة الأولى إلى قضايا حماية المدنيين)، وحتى 2010؛ عندما تبنى المجلس 747 قرارًا، منها على الأقل 142 أشارت إلى التهجير عامة، حوالي خُمس هذه القرارات أشارت إلى النزوح الداخلي.

ومع ذلك، فلم يكن هناك اتِّساق في التعامل مع التهجير والنزوح وفقًا لأوضاع بعض البلدان. فبالنسبة للسودان على سبيل المثال، كانت نصف القرارات الصادرة بشأنها تتحدث عن النزوح الداخلي رغم ان نسبة قليلة من سكانها تعرضوا للتهجير القسري والنزوح. في حين أنَّ دولة أخرى مثل ليبريا تعرضت لتهجير سكانها جميعًا (2.8 مليون نسمة) قسريًا على مراحل خلال سنوات الصراع الأهلي الممتدة، ورغم ذلك فقرارات مجلس الأمن بصدد ليبريا لم يظهر فيها التهجير القسري إلا بنسبة 3%.

ويلاحظ أيضاً أنَّ 90% تقريبًا من قرارات المجلس الـ22 حول جورجيا، تذكر التهجير؛ مقارنة بقرار واحد فقط تحدث عن التهجير من أصل 32 قرارًا حول الصومال.

وهناك حالات مشابهة لعدم الاتساق نجدها في طريقة تعامل مجلس الأمن مع حلول النزوح الداخلي. فمن أصل 142 قرار يذكر التهجير هناك ما يزيد على 100 قرار يشير ضمنيًا إلى بعض سُبل الحلول الدائمة.  لكن من بين الحلول الثلاثة الخاصة بالنازحين (العودة والاندماج المحلي وإعادة التوطين في بلد ثالثة) استقطب حل العودة الاهتمام الأكبر. ولا يوجد سوى قرارين اثنين يذكران حل الاندماج المحلي، وستة قرارات تذكر إعادة التوطين في بلد ثالثة.