فرحة اللاعبين بعد تصدي الحضري لركلة الجزاء الأخيرة

مصر وبوركينا.. عن التحكم في إيقاع المنافس

منشور السبت 4 فبراير 2017

يومًا بعد يوم تزداد الدروس المستفادة من تواجد منتخب مصر في بطولة كأس الأمم الأفريقية، هيكتور كوبر نفسه رغم تاريخه الكبير وخبرته العريضة ربما لم يخض تحدياً بمثل تلك النوعية من التفاصيل قبل ذلك.

بدأ منتخب مصر مباراة بوركينا فاسو في نصف النهائي بشكله المعتاد 4-2-3-1 الأكثر التزاماً من طرفه الأيسر في وجود تريزيجيه لمساندة الظهير الأيسر فتحي، والمتحرر تماماً في الرواق الأيمن بوجود صلاح في "مشاهدة" الظهير الأيمن أحمد المحمدي.

 

بعد استخدام 19 لاعباً في 4 مباريات فقط قرر كوبر الدفع بإبراهيم صلاح في التشكيل الأساسي ليكون اللاعب رقم 20 الذي يظهر من قائمة منتخب مصر في البطولة، عدد كبير للغاية تم استخدامه في أقل عدد ممكن من المباريات.

الأمر السابق يوضح بشدة ضعف مردود عدد من اللاعبين وعدم قناعة المدير الفني بجاهزية البعض الاخر مثل كريم حافظ وعمرو وردة، وربما الإصابات مع ضعف المردود مثل أحمد حسن كوكا.

مروان محسن مصاب وكوكا كذلك، عندما نظر كوبر حوله لم يجد مهاجم في قائمة الفريق للدفع به، حسناً فلندفع بالجناح محمود كهربا في مركز المهاجم الصريح وسنظل على نفس المنهج التكتيكي باستخدام الكرات الطويلة واعتباره مهاجم "محطة" لأنها الطريقة الأكثر مناسبة للفريق ككل حتى وإن لم تناسب كهربا نفسه.

موقف يدل على عدم وجود عمق في قائمة الفريق وضعف كبير في اختيار البدلاء، الأمر نفسه يمكن قوله بعد ظهور إبراهيم صلاح بمستوى سيّء للغاية في مركز لاعب الارتكاز الثاني وعدم قدرته على أداء دور لاعب الوسط المساند صاحب المهام المتداخلة في الهجوم والدفاع.

منتخب بوركينا برسم خططى 4-3-3 بالاعتماد على فارع الطول ذو القوة الغاشمة والخبرة الكبيرة أرستيد بانسي، في وجود ناكولما وتراوري كجناحين عكسيين يمتازان بالقدرة على التسديد والتحول للعمق من أجل إفساح المجال لتقدم ظهيري الجنب وإرسال الكرات العرضية.

 

فعلياً لم يحدث ذلك التقدم المنتظر من ظهيري بوركينا نتيجة للخوف الشديد من مرتدات المصريين. قارن بين تمركز رباعي دفاع بوركينا في مباراتي مصر وتونس حتى تصل إليك الفكرة كاملة عن مدى احترام الفريق البوركينابي للفراعنة.

معضلة إبراهيم صلاح وكهربا

وجود لاعب ارتكاز الزمالك الاحتياطي بجوار طارق حامد لم يحل أي مشكلة للفريق ولَم يقدم ذلك التنوع المطلوب بين لاعبي الارتكاز، الفريق افتقد للحلول من خط الوسط منذ غياب محمد النني.

إبراهيم لم يضف شيئاً على المستوى الدفاعي كذلك حيث أخطأ في التمرير مرات عديدة أثناء التحول الهجومي لمنتخبنا، الفعل السابق صنع خطورة بالغة على مرمى مصر لأن فريقنا يعتمد في الأساس على جودة تمركز لاعبيه، وأخطر ما يعيبه هو إمكانية ضرب ذلك التمركز أثناء التحول من الدفاع للهجوم عن طريق الضغط العالي الذي يتبعه المنافسون.

العبرة هنا ليست بعدد التمريرات التي فقدها اللاعب، ولكن بمدى تأثير ومكان وتوقيت كل تمريرة مفقودة، الأمر أقرب لما يشبه التأثير النوعي qualitative عن التأثير الكَمّي quantitive. 

اللاعب نفسه تسبب بسوء توقيته في هدف بوركينا، إبراهيم لم يكن في أفضل حالاته الذهنية وارتقى بشكل خاطيء للكرة العرضية التي استلمها بانسي من وراءه.

تمركز إبراهيم وتوقيته السيء كذلك كان سبباً في خروج حجازي وجبر من اللعبة تماماً والاكتفاء بمشاهدة الهدف البوركينابي من قلب منطقة المرمى.

اشتراك كهربا في مركز المهاجم الصريح هو المسؤول الأول عن ضعف حلول المنتخب الهجومية.

الهروب من ضغط المنافس عن طريق التدرج بالكرة وبناء هجمة منظمة لا يجيده منتخب مصر كثيراً، ولَم يكن مُجدياً في تلك الليلة كذلك لوجود الثنائي طارق حامد وإبراهيم صلاح في وسط الملعب وضعفهما الكبير في المحافظة على امتلاك الفريق للكرة.

كان الحل هو استخدام الكرات الطويلة لقلب الهجوم مباشرة حتى وإن لم يكن كهربا قادر بالفعل على إثبات صلاحية ذلك الحل الهجومي، لكننا وبكل وضوح لا نملك غير ذلك لنفعله.

هل لم يكن هناك أي حلول أخرى؟

كان المخرج المنتظر للمنتخب الوطني من هذا المأزق للهروب من الضغط ونقل الفريق للحالة الهجومية؛ هو اللجوء للطرفين وبناء الهجمة من على خط الملعب الجانبي.

بوركينا تملك جناحين هجوميين لا يعودان للمساندة الدفاعية، فيما يتمركز ثلاثي الوسط في العمق لحماية قلبي الدفاع كما يوضح الشكل السابق، جناحي مصر كان بإمكانهما صناعة الفارق إن تم استخدامهما بشكل أكثر جودة.

هناك حل آخر يمكن استخراجه من الاعتماد على الأجنحة في بناء الهجمة والتحكم في درجة ميل مدافعي الخصم نحو الخط الجانبي؛ ذلك الحل هو الكرات العكسية.

بناء اللعب على أحد الخطين يتبعه بالضرورة فراغات كبيرة في الجهة الأخرى من الملعب، هنا كان من الممكن الاعتماد على إرسال الكرات العكسية مثلما حدث مرة واحدة فقط طوال المباراة عن طريق الكرة العكسية ناحية تريزيجيه؛ والتي أعطته المساحة الكافية من الوقت للدخول إلى العمق والتسديد المباشر نحو المرمى في مشهد الخطورة الوحيد لمنتخبنا طوال الشوط الأول.

لماذا ظهر رمضان صبحي بشكل جيد عند اشتراكه؟

رمضان لا يتمتع بمثل مَلَكات تريزيجيه في الركض ومساندة الدفاع، وعليه فبعد إشراكه تغيرت بعض التفاصيل داخل الملعب، حيث اعتدكوبر على لاعب ستوك سيتي في بناء الهجمة والاحتفاظ بالكرة بجوار الخط الجانبي أطول فترة ممكنة؛ من أجل إعطاء الفريق رئة هجومية ومساحة زمنية لالتقاط الأنفاس.

كيف يتحكم منتخب مصر في إيقاع المنافس؟

أحد أشكال التحكم في خصمك على المستوى الدفاعي ليس فقط منعه من صناعة الفرص، لكنه أيضاً قد يتم عن طريق السماح له بصناعة الفرص التي يجيد دفاعك التعامل معها.

شخصية منتخب مصر منذ تولي كوبر للمسؤولية تم بناءها على هذا المبدأ في الأساس، وذلك نتيجة لاختلاف طبيعة ونوعية الأدوات المتاحة للانضمام للمنتخب في هذا الجيل من اللاعبين.

لم تكن تلك هي المباراة الأولى التي تفرض فيها على المنافس الإيقاع الذي يناسبك، فعلناها في مباراتي غانا والمغرب كذلك بشكل أكثر وضوحاً بينما كان الإجهاد عقبة كبيرة في فعل ذلك بنفس الجودة أمام بوركينا فاسو.

يلجأ منتخب مصر دائماً لإجبار منافسيه على إرسال الكرات العرضية من أجل الوصول للمرمى؛ لأنها تضمن تمركز دفاعي أفضل كثيراً من نظيره الهجومي للخصوم.

نفعل ذلك عن طريق غلق القنوات والممرات الأرضية بين المدافعين، وعن طريق التحكم في الفراغات كذلك فيما بين خطي الوسط والدفاع وإغلاقها تماماً بتواجد رباعي دائم في كل قنوات الملعب.

أسلوب الدفاع المتأخر كذلك سبب آخر لتقديم الجودة اللازمة في شخصية الفريق المصري عن طريق التحول الدائم في الحالة الدفاعية للرسم التكتيكي 4-4-2 بتواجد 10 لاعبين خلف الكرة، ومواجهة المنافسين بعد خط المنتصف بعدة خطوات.

التحول السابق يضمن اختفاء الفراغات بين الخطوط ويساعد مدافعي الفريق على تقديم أداء دفاعي جيد نتيجة لتوزيع المهام الدفاعية على الفريق بأكمله.

التحول نفسه يجعل المنافس يعاني في خلق الحلول الهجومية، المراوغة لن تكون مجدية نظراً لتواجد أربعة لاعبين مصريين في كل مربع من مربعات الملعب، التسديدات كذلك لن تمر بسهولة بسبب غلق القنوات المؤدية للمرمى.

لغة الأرقام يمكنها إعطاء المزيد من التوضيح للشرح السابق، منتخب بوركينا أرسل 38 كرة عرضية طوال المباراة لم تنجح منها سوى 15 فقط في الوصول للزميل ولَم تتحول أيا منها لفرصة هدف سوى في الكرة الوحيدة التي تم تسجيلها بالفعل نتيجة للخطأ المشترك بين تريزيجيه وإبراهيم صلاح، الأول ترك المساحة الزمنية اللازمة لتوجيه الكرة العرضية أما الثاني بسبب التوقيت الخاطيء للارتقاء.

منتخب بوركينا سدد 10 كرات نحو المرمى، ونجح لاعبو مصر في اعتراض 6 منها فيما وصلت 4 فقط للحضري سهلة بين يديه دون تشكيل خطورة تذكر.

يبقى جناحا مصر هما حجر الزاوية في نجاح تكتيك كوبر الدفاعي من عدمه، وجود صلاح وتريزيجيه بالقرب من الظهيرين يسهل كثيراً من مهام المدافعين في التقاط الكرات العرضية؛ لأن إرسالها تم تحت ضغط كبير وبالتالي ليست موجهة للاعب بعينه.

الجناحان كذلك عليهما مهمة كبيرة في التغطية العكسية والتقاط الكرة الثانية، على سبيل المثال عند إرسال الكرة العرضية من الناحية اليسرى ينضم الظهير الأيمن للداخل وبالتالي يبقى على الجناح مهمة التغطية على الكرة الثانية.

هدف خارج السياق

هدف منتخب مصر كان علامة فارقة في مجريات المباراة، ليس لتوقيته أو طريقة تنفيذه ولكن لأنه تم تسجيله بطريقة مخالفة تماماً لكل ما كان يحاوله الفريق من طرق وأساليب هجومية طوال البطولة.

هدف بتلك الطريقة وباستخدام 18 تمريرة يعطي بعض الضوء للمدير الفني أن بإمكانه تطوير الشكل الهجومي للفريق، وتقديم بعض الاستراتيجيات القائمة على الاستحواذ.

ركلات الثقة الترجيحية..

ركلات الترجيح من علامة الجزاء تبقى دائماً من الأمور الجدلية غير القابلة للتقييم أو التحليل بشكل منهجي واضح، فقط ثقة رمضان صبحي ورعونة حارس بوركينا صنعا الفارق الذي حسمه عصام الحضري.

في النهاية تبقى الملاحظات في افتتاحية المقال عن عمق وجاهزية قائمة الفريق مجرد كلمات عابرة، وليست تشكيكاً في كوبر على الإطلاق.

 

سارقو الفرحة

على غرار سبارتاكوس في النسخة الأمريكية أو شمس الزناتي في النسخة المصرية؛ لايزال هيكتور كوبر سائراً على الدرب رغم تساقط محاربيه واحداً تلو الأخر آملاً في كتابة رائعته الخاصة عن كيف تقهر حظك السييء في 6 خطوات.

ربما تخطى الأرجنتيني حتى الآن خمس عقبات بنجاح كبير ولكن تبقى الخطوة الأهم في مسيرة البطولة هي عزل اللاعبين تماما عن كل ما يحدث حولهم، وتأهيل الفريق ذهنياً وبدنياً قبل مواجهة الكاميرون، وليست مواجهة الكاميرون في حد ذاتها هي العقبة.

على غرار ليلة أم درمان الكئيبة في عام 2009، تستعد الطائرات للانطلاق من القاهرة إلى ليبرفيل محملة بلفيف من المسؤولين والفنانين والرياضيين من أجل حضور النهائي وتصدر مشهد الفرحة بجوار كأس البطولة.

ربما تكون بعض الطائرات قد وصلت للجابون بالفعل وقت قراءتك هذه السطور، وبدأ ركابها في التقاط الصور التذكارية مع كوبر ولاعبيه رغم أن هؤلاء أنفسهم هم أول من شككوا في منتخب مصر قبل انطلاق البطولة.

افعلوا ما شئتم ولكن ستظل كرة القدم لجماهيرها الأصليين المحرومين منها حاليًا لأسباب يعرفها الجميع. كل ما أتمناه أن يهزم كوبر "سوء الحظ" الذي يواجهه في كل النهائيات التي يخوضها ويتوّج المنتخب باللقب الأحد المقبل.