حلال على أوروبا.. حرام على الصين

منشور الأربعاء 1 فبراير 2017

لم تستغرق المفاوضات وقتا طويلا.. لماذا؟ لأن المال حاضر و"ساعة الكاش" مواتية والمبلغ الذي عرضه النادي لضم النجم الموهوب لا يمكن رفضه.. هذه هي القاعدة والاستثناءات نادرة.

في عام 1976 وجد دييجو نفسه بقميص أرجنتينيوس جونيورز في مباراة رسمية قبل 10 أيام من بلوغه عمر 16 عامًا. مراهق لم يخط شاربه بعد يصبح أصغر لاعب يشارك في تاريخ الدوري الأرجنتيني. تألق دييجو مع الفريق ورحل منه إلى بوكا جونيورز، أحد قطبي كرة القدم الأرجنتينية لموسم واحد، ثم جاءت النقلة الكبرى.

7.7 مليون دولار تلمع في عين مارادونا، بعد نشأة في بيت ذاق به مرارة الفقر مع 7 أخوة.. العرض القادم من برشلونة الإسباني لا يعوّض، فهو الأكبر في تاريخ اللعبة حتى ذلك الوقت، عام 1982، سيحصل على دخل يعادل أضعاف ما تقاضاه في بوكا، فلم "لا"؟ بل كيف يقولها؟

الحال ذاته مع "الخليفة المفترض" ليونيل ميسي، بقصة انتقال من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا تتشابه إلى حد كبير مع اختلافات طفيفة في التفاصيل.

المصدر ليس أمريكا الجنوبية فقط، بل إفريقيا أيضا المبتلاة بالأزمات دائما لكنها عامرة بالمواهب.

فبعد أن نشأ جورج طفلا في واحدة من أفقر أحياء مونروفيا، لأبوين استطاعا بالكاد تلبية متطلباته، اكتشف موهبته في كرة القدم واتجه للاحتراف عام 1985 لكن داخل إفريقيا، حتى اصطادته شبكة الكرة الأوروبية عبر بوابة موناكو الفرنسي بعد ذلك بثلاث سنوات.

لم يكن مبلغا ضخما ذلك الذي نقل أسطورة كرة القدم الليبيرية وأيقونة اللعبة في التسعينات جورج وايا إلى فرنسا، لكن نحو 150 ألف دولار في تلك الفترة وبالنسبة لناد فقير كالذي ينتمي له حينئذ (تونير ياوندي الكاميروني)، وللاعب نشأ في حي للمشردين، تعتبر عرضا لا يمكن رفضه.

مارادونا وميسي ووايا وغيرهم العشرات من نجوم لعبة كرة القدم اللاتينيين والأفارقة الذين لم يصنعوا مجدهم الخاص فقط في أوروبا، بل رسموا نجاحات الفرق التي لعبوا لها وأثروا كرة القدم كلعبة.

هكذا شكلت القارة العجوز مجدها في كرة القدم قبل عقود وأصبحت جنة اللعبة على الأرض، اعتمادا على قسم كبير من لاعبين جاؤوا من وراء الحدود، من دونهم يتحول عدد كبير من فرق القارة إلى مسوخ بلا طعم، القاعدة بسيطة ومعروفة ونادرا ما تخيب: اغرهم بالمال تحصل على خدماتهم، أموال أوروبا أصبحت مغناطيسا يشد المواهب الكروية نحوه بل يحتكر أفضلها، حتى يفقد بريقه فيعتزل أو يرحل إلى درجة أدنى.

هذا بالضبط ما تحاول الصين فعله حاليا ويستكثره عليها الجميع بتساؤلات مستنكرة: كيف لهذا البلد الذي لا يفقه شيئا في كرة القدم أن يتجرأ ويزاحم أوروبا على ضم النجوم؟ كيف يستقطب دوري مغمور لاعبين كبارا يغامرون بمستقبلهم المهني ويخوضون تجربة غير محسوبة العواقب في بلاد الشرق الأدنى التي تلتمس طريقها بصعوبة شديدة نحو العالمية؟

الإجابة: الصين تسير حرفيا على طريق سلكته أوروبا قبل عقود وأثبت نجاحه، أم أننا نسينا كيف تعاقد برشلونة مع مارادونا وميسي، وكيف ضم أيندهوفن الهولندي روماريو ورونالدو، وكيف ظفر موناكو بجورج وايا؟ لماذا لم يقل أحد وقتها: كيف نسمح بتجريد بوكا جونيورز ونيويلز أولد بويز في الأرجنتين وفاسكو دا جاما وكروزيرو في البرازيل وتونير ياوندي، من نجومهم؟

لكن ما الذي يميز الدوري الصيني عن غيره من التجارب "الطفلة" في عالم كرة القدم؟ ماذا يملك "التنين" من مقومات للنجاح بخلاف التجارب الأميركية والأسترالية والهندية التي انخفض منحناها سريعا بعد علو؟

عوامل عدة يمكن أن تكون حاسمة في التجربة الصينية الواعدة بإمكانها أن تكفل لها الاستمرار، فالمال متوفر والكيانات التي تستثمر في كرة القدم وتساند الأندية عملاقة، بدليل أن أندية الدوري الصيني أنفقت في عام 2016 وحده أقل قليلا من نصف مليار دولار في التعاقدات، كما أن مساحة القاعدة الجماهيرية للعبة تتسع بشكل مطرد في بلد يعيش به أكثر من 1.3 مليار إنسان، بعد زيارات متكررة يقوم بها أكبر أندية العالم.

أما العامل الأهم فهو وجود "إرادة سياسية" تدفع ثورة كرة القدم في الصين إلى الأمام، يقودها الرئيس الصيني تشي جين بينج بشخصه، وإن كان بالقوة الجبرية.

10 سنوات رصدها الرئيس الصيني، بين عامي 2015 و2025 لمضاعفة حجم اقتصاد كرة القدم في الصين، وتأسيس 20 ألف مدرسة كرة و70 ألف ملعب، لتمتلك البلاد 100 ألف لاعب على الأقل عام 2020، أما الهدف الأسمى فهو تحويل الصين إلى قوة كروية ضاربة على مستوى العالم، والانتقال بالمنتخب من الترتيب 81 حاليا إلى التتويج بكأس العالم يوما ما حتى إن كان بعيدا، ولم لا؟

اقرأ أيضًا: القتل البطيء لكرة القدم