مصر والمغرب.. خطأ واحد يكفي

منشور السبت 28 يناير 2017

هناك حقيقة لا تقبل الجدال حولها؛ ألا وهي أن كاتب هذه السطور قد تجاوز ثلاثة عقود من عمره دون أن يرى منتخب بلاده يفوز على المنتخب المغربي ولو لمرة واحدة، مثله مثل كل أقران جيله الذين يقتنعون تماما أن مصطفى حجي هو قطتهم السوداء سائرًا على درب أقرانه ممن سبقوه مثل التيمومي، الخضريوي، وعزيز بو دربالة.

ولكن هل كان تفوق المغرب وحده كافيًا لترسيخ تلك العقدة في أذهان المصريين؟ يكفي تذكر سيناريو فيلم "سنوات الفرص الضائعة" لمشاهدة ركلة جزاء جمال عبد الحميد الضائعة في القاهرة عام 1985، ومن بعدها تسديدة طارق السعيد في الشباك الخاوية ولكن من الخارج على نفس الملعب في عام 2001.

الأرقام لا تكذب. واجه الفراعنة أسود الأطلس 26 مرة، ولم يفز منتخب مصر سوى مرتين فقط، وفي المقابل فاز المغاربة 13 مرة وتعادل الفريقان 11 مرة.

آخر فوز لمنتخب مصر على المغرب أتى في 17 مارس/آذار  1986 بصاروخية طاهر أبو زيد، ولم يسبقه سوى فوز وحيد بنتيجة (3-2) في تصفيات كأس أمم إفريقيا 1972.

سجل منتخب مصر 11 هدفًا فقط في شباك المغرب، فيما سجل أسود الأطلس 28 هدفًا. آخر هدف سجله المصريون في المغرب جاء في يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 1996 في تصفيات أمم إفريقيا 1998 وسجله حسام حسن، أما آخر هدف سجله المغاربة فكان صاحبه هو مصطفى حجي بكل تأكيد في تصفيات كأس العالم 2002.

التقى الفريقان 5 مرات في كأس الأمم الأفريقية، وفي 4 مرات من تلك اللقاءات الخمسة استطاع أحد الفريقين الفوز باللقب في النهاية أيا كانت نتيجة المباراة بينهما، إجمالا من الممكن أن نقول أن الفائز من مباراة "بور جونتي" مساء الأحد، سيفوز باللقب بنسبة 80%.

اقرأ أيضًا: مصر والمغرب.. ذكريات الصِبا المُرة

للتشابه وجوه كثيرة وللاختلاف أيضا

تناولنا فيما سبق التركيبات الدفاعية المعقدة التي ينتهجها هيكتور كوبر مع منتخب مصر، واستعرضنا كذلك أسلوبه الهجومي المتحفظ في مواجهة الفرق الكبيرة والتي سيكون المنتخب المغربي واحدا منها بكل تأكيد. هيرفي رينار المدير الفني للأسود يتبع أسلوبًا قريبًا من ذلك.

يتشابه المنتخبان كثيرا في أسلوب اللعب المتبع؛ حيث يفضلان اللعب الخاطف المباشر خلف خطوط المنافس والاعتماد على الهجمات المرتدة والكرات الطولية المباغتة counter attack playing style، ولا يلجأ أحدهما عادة إلي اتباع أسلوب الاستحواذ على الكرة وبناء الهجمات بشكل تدريجي منظم possession game playing style.

يتشابهان كذلك في اتباع أسلوب الضغط المتوسط على المنافس من منتصف الملعب، والاعتماد على لاعبين بأدوار مركبة باختلاف الحالة الهجومية والدفاعية للفريق.

هناك نقطة تشابه أخرى، الفريقان يعتمدان على مهاجم طويل القامة قوي البنية Target Man يعمل كمحطة دائمة لزملائه في التقاط الكرة الطويلة المرسلة من قلب الدفاع، وإعادة توزيعها للأجنحة المنطلقة خلف ظهيري المنافس أو صانع الألعاب المتقدم.

بتناول ما سبق ومتابعة المباريات الأخيرة للفريقين سنجد أن كلا المدربين الآن في مأزق كبير بسبب أنه سيضطر إلى مواجهة خصم يشبهه كثيرا في أسلوب اللعب، حتى وإن اختلف الرسم التكتيكي للفريقين داخل أرض الملعب.

 

مصر (4-4-1-1) – (4-2-3-1)
المغرب (3-4-3) – (3-4-2-1)

إذن يتشابه الفريقان في الخطوط العريضة والنقاط الإجمالية، ولكن يبقى السؤال فيما يختلفان وماذا يلزم أحدهما للتفوق على الآخر؟

يختلف الفريقان في التفاصيل والأدوات التي يستخدمها كل منهما لمباغتة خصمه، وأملًا في "فك العقدة" أتناول في السطور التالية نقاط القوة والضعف في الفريق المغربي وكيفية استغلالها أو تجنبها من منتخب مصر.

مهدي بن عطية هو الحلقة الأضعف في خط الدفاع المغربي يعيبه بطء الحركة وسهولة المراوغة والتهور في الالتحامات، ولكن يبقى هو الحلقة الأهم كذلك في منظومة رينار لقدرته الكبيرة على إرسال الكرات الطولية لقلب الهجوم. على منتخب مصر استغلال عيوبه ومنعه من التمرير الطويل بالضغط السريع عليه من مروان محسن بمجرد استحواذ المغاربة على الكرة؛ مع تركيز الهجمات المصرية خلف الجناح الأيمن نبيل درار لإجبار بن عطية على الدفاع والتغطية في مساحة أكبر.

الحل السابق سيجبر المنتخب المغربي بالضرورة على القيام بعملية الترحيل الدفاعي جهة اليمين، وهو ما يعني أن المساحة خلف الجناح الأيسر حمزة منديل ستصبح هي الأكثر مناسبة والأسهل على المصريين في عملية الاختراق؛ عن طريق الكرات العكسية المباغتة.

الخدعة بسيطة للغاية. على منتخب مصر أن يفعل التالي؛ يواجه مروان محسن بن عطية بالتزامن مع انطلاق تريزيجيه خلف درار مع تواجد السعيد والنني بالقرب منهما، وفي نفس التوقيت ينطلق محمد صلاح لعمق الملعب من الطرف الأيمن ساحبًا معه ما تبقى من دفاع ووسط المغاربة بعد إجبارهم على الترحيل بشكل جماعي للجانب الآخر.

بعد ذلك، ستكون كرة واحدة عكسية سليمة للظهير المنطلق أحمد المحمدي كافية في مثل تلك المباريات.

مبارك بو صوفة وكريم الأحمدي ثنائي الوسط المغربي متنوع الأدوار. مبارك هو صانع ألعاب الفريق والعقل الفكر المسؤول عن العمل الهجومي، وعلى النقيض منه تماما يأتي الأحمدي كلاعب ارتكاز دفاعي في المقام الأول.

إفساد وتفكيك تلك التركيبة الثنائية ليس بالأمر اليسير؛ ولكنه إن حدث سيضمن خروج المنتخب المغربي من اللعبة الجماعية تمامًا، وستبقى الفرديات وحدها ما قد تعينه أمام مصر.

عبد الله السعيد ومحمد النني هما فرسا الرهان في تفكيك تلك الثنائية. السعيد يجب أن يضغط بقوة على الأحمدي بشكل يمنعه من استلام الكرة من ثلاثي الدفاع؛ فيما يراقب النني بو صوفة كظله حتى يضطر المغاربة للخروج بالكرة إلى الأطراف من أجل بناء الهجمة أو اللجوء للكرة الطويلة؛ كحل أخير من الثنائي بن عطية ودا كوستا المضغوط عليهما كذلك من مروان محسن.

ربما تكون الكرات الطولية من أوجه قوة المنتخب المغربي مثلما سبق ذكره ولكن مواجهة منتخب مصر في حضرة قلبي دفاعه علي جبر وأحمد حجازي من المفترض أن تقلل خطورة تلك الميزة.

بتنفيذ الحلول السابقة مع التزام جناحي مصر بالضغط على طرفي المغرب منديل ودرار لن يتبقى من حلول للمنتخب المغربي سوى المهارات الفردية للثلاثي الأمامي، إن نجح منتخب مصر في تقطيع أوصال المنتخب المغربي وعزل الثلاثي فجر، النصيري، وبو هدوز تحت أنظار رباعي الدفاع ومعهم طارق حامد فسوف يكون ذلك نجاحا كبيرا بكل تأكيد.

أهم نقاط تفوق المنتخب المغربي هي الكرات الثابتة من تنفيذ المتميز فيصل فجر. ويعتمد أسود الأطلس على تكثيف تواجدهم في منطقة جزاء المنافسين حيث قد يصل عدد لاعبي المغرب إلى 6 لاعبين في انتظار التقاط الكرة الهوائية.

أهم لاعبي المغرب في الكرات الهوائية هم ثلاثي الدفاع وعلى كوبر ولاعبي مصر الحذر من ذلك كثيرا وتلافي ارتكاب المخالفات حول الصندوق بقدر الإمكان.

خطأ واحد يكفي

مباراة مصر والمغرب، هي واحدة من تلك المباريات التي قد يكون خطأ واحدًا كافيًا لانهائها تمامًا. الهدف لا يعوض بسهولة في مثل تلك المواجهات.

ما لم تكن مصريا أو مغربيا لا أنصحك على الإطلاق بمتابعة تلك المواجهة بين الأرجنتيني كوبر والفرنسي رينار؛ كلا المديرين الفنيين يملك في جعبته من الخطط والتكتيكات واللاعبين ما يجعلهما متشابهين كثيرًا، وبالتالي تصبح المواجهة بينهما صعبة وقوية وفقط لعبة واحدة خارجة عن المألوف ستكون كافية لحسمها.

ستكون المباراة، في الأغلب، خالية من فنون كرة القدم. لن يخاطر أحد الفريقين بأخذ زمام المبادرة خوفا من الاندفاع والخروج من مناطقه الدفاعية والاضطرار لارتكاب الأخطاء التكتيكية والفنية.

أخيرًا، التاريخ لن يلعب عندما يتواجه الفراعنة وأسود الأطلس غدًا، ومن المؤكد أن السحر لن يكون له دورا أيضا مثلما يعتقد الكثيرون. ستكون مباراة مقعدة بين 22 لاعبًا وهيكتور كوبر وهيرفي رينار.