محمد زيدان. صورة برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا

محمد زيدان.. رحلة تدمير الذات

منشور الثلاثاء 13 ديسمبر 2016

تعكس المسيرة المضطربة للمصري محمد زيدان في عالم كرة القدم ضرر "القرارات الخاطئة" والمتسرعة على حياة اللاعبين وفُرص نجاحهم.

فتحت الدنمارك أبوابها لموهبة زيدان بعدما سقط اللاعب الشاب من حسابات فريق المصري بمحافظة بورسعيد، وبعدما قضى فترة مع فريق الجمارك بالدرجة الثانية.

يحلم "زيزو" منذُ طفولته أن يصبح "لاعبًا كبيرًا يجني الأموال وينال نصيبًا من الشهرة والنجومية" وبعدما أتيحت له الفرصة في الدنمارك أمسك بها. لم تتفلّت من بين يديه.

كان عمره وقتها 18 عامًا فقط. مُراوغ موهوب يملك سرعة كبيرة ويجيد التصويب بقدميه.

خلال 5 مواسم قضاها في الدنمارك، لعب زيدان بشكل احترافي في صفوف فريقي "اي بي جلادساكس" و"ميتلاند".

قادته موهبته لأعلى درجة نجاح قد يصل إليها لاعب كرة في البلد الاسكندنافي؛ توّج هدافًا للدوري الدنماركي موسم "2003-2004" بعدما سجل 19 هدفًا، تم اختياره أمهر لاعبي المسابقة موسمين متتاليين، وأفضل لاعب في النصف الأول من موسم (2004-2005) حين سجل 11 هدفًا في 17 مباراة فقط.

كان رحيل زيدان عن الدنمارك أمرًا حتميًا. موهبة اللاعب تفوق حجم المنافسات في الدولة الصغيرة كرويًا. أشارت تقارير متعددة إلى اهتمام موناكو الفرنسي بخدمات زيدان لكنّ جماهير ميتلاند دشنت حملة للضغط على اللاعب ومحاولة إثنائه عن الرحيل، ونجحت في مهمتها.

بعد عام، لم تكن لمثل هذه الحملات جدوى؛ حيثُ نجح فيردر بريمن الذي تألق في صفوفه مصري آخر هو هاني رمزي، من ضم زيزو.

 

كان زيدان انتقل إلى ميتلاند مقابل 400 ألف يورو في صيف 2003، وبعد عام ونصف تجاوزت قيمة انتقاله للفريق الألماني 3.5 مليون يورو.

"زيدان من أفضل اللاعبين الذين خرجوا من قارة إفريقيا. ينطلق كالعاصفة التي تطوي كل شيء أمامها، مشاهدته في الملعب أمر ممتع، سيكون له شأن كبير إذا تطور مستواه في الموسمين المقبلين".

زيّنت تلك الكلمات التي قالها بيتر شمايكل الحارس الأسطوري لمانشستر يونايتد نهاية مسيرة زيدان في الدنمارك قبل الانتقال للبوندزليجا.

 

رحلة المجد

"أنا شخص مزاجيّ. لا أستطيع التألق في مكان إلا إذا كنت سعيدًا". تُلخص تلك الجملة مسيرة زيدان الطويلة والمتقلبة في ألمانيا بين عامي 2005 و2012.

مسيرة سترى فيها لاعبًا بنسختين متمايزتين تمامًا؛ الأولى يظهر فيها مُرتبكًا غير واثق من قدراته يُهدر فرصًا سهلة، والثانية لهدّاف من طراز فريد، لا يكتفي فقط بتسجيل الأهداف الجميلة؛ بل يراوغ منافسيه ويهينهم أو كما قال عنه شمايكل "يعصف بالمنافسين" مهما كانت أسماءهم وشهرتهم.

 ماينز، النادي الألماني الفقير، هو حاضنة تألق زيدان خلال تلك السبع سنوات السمان العجاف.

احتضنه للمرة الأولى موسمًا كاملاً (2005-2006) على سبيل الإعارة بعد أشهر معدودة مع فيردر بريمن.

خلال هذا الموسم لعب زيدان 26 مباراة وسجل 9 أهداف. وساهم في تواجد الفريق بالمركز الـ11 بعيدًا عن مؤخرة الترتيب.

عاد إلى بريمن، عجز عن المشاركة بشكل منتظم. النسخة الباهتة من اللاعب المصري طفت على السطح واختفت معها الأهداف.

طرق زيدان أبواب ماينز مرة أخرى، هناك يجد السعادة التي يبحث عنها. يشعر أنه نجم الفريق يتحرر من أعباء إثبات الذات وسط اللاعبين الكبار.

هذه المرة كان الانتقال بشكل نهائي وليس على سبيل الإعارة بمقابل 2.8 مليون دولار.

3 أهداف دفعة واحدة سجلها زيدان في مرمى إينرجي كوتبوس في الجولة 22 من الدوري؛ بعدما صام عن التهديف في أول 3 مباريات له مع ماينز.

هذا "الهاتريك" كان مُقدمة لأزهى فترة في مسيرة زيدان الكروية على مستوى الأندية.

في نهاية فبراير/شباط 2006 سيتسلم زيدان جائزة أفضل لاعب في البوندزليجا خلال هذا الشهر، سجل 6 أهداف في 5 مباريات.

واصل "زيزو" تألقه، يسجل ويراوغ ويتألق، ومع نهاية الموسم كان زيدان قد سجل 13 هدفًا لماينز في 15 مباراة فقط خاضها مع الفريق في الدوري.

لم تسعف أهداف المصري فريقه، ولم تضمن له البقاء في الدوري الممتاز؛ ليهبط ماينز ويقرر زيدان بدء مغامرة جديدة مع هامبورج الألماني. انتقل إليه مقابل 5.8 مليون يورو وبراتب ضخم يبلغ 9.2 مليون يورو خلال 4 مواسم.

اعتذر زيدان عن خوض منافسات كأس الأمم الإفريقية 2006 مع المنتخب المصري لكنه وجد لنفسه مكانًا مع الفراعنة لاحقًا.

في مصر يختلف الوضع عن ألمانيا، هنا لا يحظى زيدان بقاعدة دعم جماهيري كتلك التي يمكلها في ماينز. لا يتعامل معه المشجعون باعتباره نجم الشباك أو اللاعب الأبرز في صفوف المنتخب والأسباب متعددة، من بينها وربما على رأسها أن أحدًا لم يراه يلعب في مصر. وهو أيضًا لا ينتمي للأهلي أو الزمالك.

كما أن إطلالة زيدان على الكرة المصرية عززّت تصورًا كان شائعًا وقتها، وربما إلى الآن، عن اللاعب المصري المحترف في أوروبا، أنه، في الأغلب، شخص مغرور "متفرنج".

الوشم على ذراعيه، قصّات شعره الغريبة، طريقة احتفاله بالأهداف.. أمور رسخّت هذا التصور.

إلى جوار عماد متعب وعمرو زكي ومحمد فضل تواجد زيزو في قائمة هجوم المنتخب المصري في كأس الأمم الإفريقية 2008.

قدم أداءً مميزًا منذ المباراة الأولى وكان من الأسباب الرئيسة في التتويج بالبطولة للمرة الثانية على التوالي.

 

في هامبورج، لم تكن الأمور على ما يرام.الفريق الملقب بـ"الديناصورات" يضم نجومًا من بينهم رافايل فان دير فارت لاعب ريال مدريد السابق ونيجيل دي يونج وفينسنت كومباني، والمنافسة في خط الهجوم ليست سهلة في وجود باولو جيريرو.

بعد مشاركته في كأس الأمم 2008، عاد زيدان إلى ألمانيا متأخرًا، نشب خلاف بينه وبين مدربه يوب ستيفنز. لم تكن الأمور جيدة مع الفريق الطامح لمنافسة الكبار على لقب البوندزليجا.

انتهى الموسم بشكل سلبي. تحوّل زيدان من لاعب أساسي في صفوف الفريق إلى ضيف على مقاعد البدلاء يشارك غالبًا في ثُلث المباراة الأخير.

واكتفى المهاجم الدولي بتسجيل هدفين فقط في الدوري خلال 21 مباراة وصنع مثليهما.

 

مدربه السابق في ماينز يورجين كلوب انتقل إلى تدريب بوروسيا دورتموند. مدّ طوق نجاته لزيدان وانتشله من هامبورج لينتقل لبوروسيا في صفقة تبادلية شهدت انتقال ملادن بيترتش إلى هامبورج.

حصل زيدان على القميص رقم 10 في بوروسيا. بدا أنه في طريقة لاستعادة "أمجاد ماينز" خاصة أن كلوب يجيد تحفيز اللاعب.

كان كلوب يبدأ مشروعًا كبيرًا، ستظهر ثماره في السنوات اللاحقة، وبدا زيدان أحد الأعمدة الرئيسة في هذا المشروع.

سجل زيزو 7 أهداف في هذا الموسم وصنع هدفًا، وباستثناء 3 مباريات تعرض فيهم لإصابة عضلية لم يجلس على مقاعد البدلاء إلا مرة واحدة.

لم تكن انطلاقة موسم (2009-2010) مثالية لابن بورسعيد. ضل الطريق إلى شباك المنافسين وندرت أهدافه لكنّ كلوب نجح في جعل لاعبه الموهوب أكثر جماعية وأقل احتفاظًا بالكرة.

وصنع زيدان في هذا الموسم 8 أهداف وسجل 6 أهداف أخرى قبل أن يتعرض لإصابة بقطع في الرباط الصليبي في الجولة 31 من الدوري.

قبل أشهر من الإصابة، توّج زيدان مع المنتخب بكأس الأمم الإفريقية، لكنه لم يعد هذا "المجهول" الوافد علينا من أوروبا.

وضع زيدان بذور نجوميته في مصر ورواها بطريقته الخاصة؛ ربطته  "قصة حب" بالممثلة الشابة الشهيرة مي عزّ الدين. باتت عدسات المصورين تطاردهما كلما زار زيدان مصر.

أعلنا الخطوبة، ثم انفصلا سريعًا رافضين الإفصاح عن السبب.

هرول زيدان إلى الرئيس السابق حسني مبارك حين قرر استقبال المنتخب عقب التتويج بكأس الأمم، وانحنى ليقبل يديه في لقطة شهيرة.

هو الآن نجم كرة قدمٍ محترف في أوروبا، تتشعب علاقاته بالوسط الفني يومًا بعد يوم، وتتناثر أنباء عن صداقة قوية تجمعه بعلاء مبارك نجل رئيس الجمهورية.

هو أيضًا النجم الذي يعشق التسوق ويتباهي في كل لقاء بأنه يرتدي ملابس "من أغلى الماركات" وأنه يملك ساعة يد قيمتها 40.000 يورو، ويملك ما يقرب من 500 حذاء.

 

بعدما تعافى من الإصابة، وجد زيدان صعوبة في العودة لتشكيل دورتموند. نجح الفريق في تعزيز هجومه بلاعبين بارزين، ولم يكن المهاجم المصري الذي بات على مشارف عامه الـ30 قادرًا على إطاحتهم من التشكيل الأساسي.

مرة أخرى، جاء الحل من ضفاف نهر الراين، مسؤولو ماينز نجحوا في ضم زيدان على سبيل الإعارة في اليوم الأخير من موسم الانتقالات الشتوية في موسم (2011-2012).

وبعد غياب اقترب من خمسة أعوام، عاد زيزو لماينز كبطل تعلّق عليه الجماهير آمالها.

لم يخيب زيدان آمالهم، وبعد شهرين فقط من انضمامه بات أول لاعب في تاريخ البوندزليجا يسجل أهدافًا في 6 مباريات متتالية لكنه تعرّض في تلك الفترة لأزمة "جماهيرية" ما زال صداها يتردد حتى الآن.

في فبراير/شباط 2012 وبعد قرابة عام على خلع حسني مبارك من منصبه، قُتل 72 من مشجعي الأهلي في "استاد بورسعيد" عقب مباراة جمعت فريقهم بالمصري في الدوري الممتاز.

 

توقّف النشاط الكروي في مصر، تكرر الحداد في مختلف ملاعب كرة القدم في أوروبا، لكنّ زيدان، قرر أن يحتفل بهدف سجله في مباراة في اليوم التالي للحادث.

بدا زيزو، ابن المصري ولاعب المنتخب الأول، غير مُكترث بالحادث. فتح الاحتفال أبوابًا لانتقاده لأنه "فلول يحب مبارك وبالتأكيد سعيد لمقتل الأولتراس" كما تردد كثيرًا وقتها.

حاول زيدان تهدئة الجماهير الغاضبة وقال إنه "لم يقصد الإساءة" لكنه في المباراة التالية وحين سجل هدفًا قرر الاحتفال مجددًا بطريقة صاخبة قال لاحقًا إنها جاءت احتفالاً بقدرة ابنه آدم "على المشي لأول مرة".

أنهى زيدان موسمه متألقًا، سجل 7 أهداف مع ماينز في 12 مباراة فقط. ومع نهاية الموسم كان عقده مع بوروسيا دورتموند قد انتهى. 

أصبح زيدان حرًا في الانتقال إلى أي فريق يطلبه بعدما بات خارج حسابات بوروسيا. جاءته عروض أوروبية كثيرة لكنه قرر أن يُنهي رحلته الأوروبية واتخذ قرارًا وصفه لاحقًا أنه "أكبر غلطة" في حياته.

النهاية

"أريد أن أنسى هذين العامين، الفترة بين 2012 و2014 هي الأسوأ في حياتي على الإطلاق".

الشاب المفتون بالتسوق، قرر أن "يبحث عن تحدٍ جديد" يقول إنه "يعشق الإمارات ويحبها" لذلك قرر الانتقال للعيش هناك ولعب الكرة في صفوف أحد فرقها.

انضم زيدان، رغم معارضة زوجته، لفريق "بني ياس" الإماراتي وهناك انتهت مسيرته، فعليًا، مع كرة القدم.

بعد أشهر قليلة مع بني ياس تعرض لإصابة في الركبة، قال مسؤولو النادي الإماراتي إن النجم المصري "يتمارض" واتهموه أيضًا بـ"الغرور" بينما كان زيدان يُصر على أنهم عالجوه بطريقة خاطئة.

احتدمت الخلافات بينهما، قرروا أن يشارك زيدان مع فريق الناشئين وألا يتدرب مع الفريق الأول. طالبوه بإنهاء عقده بالتراضي لكنه رفض للحصول على مستحقاته المالية كاملة، ظل عامين بعيدًا عن الكرة وقدم شكاوى متعددة ضد النادي حسمت لصالحه لاحقًا.

بعد نهاية عقده، بات زيدان على مشارف عامه الـ33، كان بإمكانه اعتزال الكرة لكنه كان يعاند. ظلّ يقول إنه قادر على اللعب وأن هناك أندية أوروبية ما زالت تسعى خلف خدماته.

ينشر صورًا عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" أثناء تواجده داخل "الجيم" ويقول إنه سيعود للملاعب في أقرب وقت.

يذهب لنادي "المقاولون العرب" ويتدرّب ثم يقول إن تواجده مع الذئاب "للحفاظ فقط على لياقته البدنية" ولن ينتقل إليه. يتحدث فجأة عن النادي الأهلي وأنه "شرف له ولأي لاعب الانضمام للفريق".

 

أخيرًا، نجح في العودة للملاعب مع انطلاق الموسم الماضي (2015-2016) عبر بوابة "الإنتاج الحربي" بعد حصوله على ترضية مالية من أحد رجال الأعمال اقتربت قيمتها من 5 ملايين جنيه.

 قال زيدان وقتها إنه ما زال يأمل "في العودة للمنتخب" وأنها ستكون بداية جديدة له، لكن الأمر لم يستمر أكثر من 3 مباريات فقط توقفت بعدها مسيرته وتردد أن خلافات متعددة نشبت بينه وبين الجهاز الفني للفريق.

يتفرغ زيدان حاليًا لإدارة أنشطته التجارية، ويعمل ضمن برنامج لاكتشاف المواهب الكروية الشابة في مصر.

اقرأ أيضًا: هيكتور كوبر.. قُبح جميل