بوستر الفيلم

وحوش رائعة وسيناريو مُحبِط

منشور الأربعاء 30 نوفمبر 2016

اسم الفيلم "الوحوش الرائعة و أين تعثر عليها؟" هو اسم الكتاب الذي كتبه "نيوت سكامندر" بعد رحلته في نيويورك و تمت دراسته في العام الأول من الدراسة في "هوجوورتس" فيما بعد، والكتاب موجود في الواقع، نشرته رولينج باسم نيوت سكامندر وبمقدمة لألبوس دمبلدور وحواشي هاري بوتر نفسه. 

 

ها نحن نعود لعالم سحري آخر من عوالم هوليوود، وهو عالمٌ سحري شكلًا وموضوعًا، كانت بدايته في عام 2001 بأول فيلم في سلسلة "هاري بوتر" (هاري بوتر و حجر الفيلسوفالمأخوذة عن روايات بنفس الاسم للكاتبة المبدعة ج. ك. رولينج؛ وانتهت السلسة بثمانية أفلام من سبع روايات يتراوح مستواها -في رأيي- بين المتوسط والرائع، مع غلبة الأخير في معظم الأفلام. ومع النجاح الكبير الذي نالته السلسلة، كان لا بد من استغلال هذا العالم الثري بالتفاصيل في أفلام أخرى.

بداية جديدة

قبل الحديث عن فيلم وحوشٌ رائعة و أين تعثر عليها Fantastic Beasts and where To Find Them يجب الإشارة إلى أن هذا يعتبر أول فيلم في عالم "هاري بوتر" يكون له سيناريو أصلي (أي ليس مأخوذًا عن أى مصدر أدبي أو فني آخر)، وهو سيناريو لرولينج في أول تجاربها في السيناريو السينمائي. 

 

يتناول الفيلم قصة تدور قبل أحداث "هاري بوتر" بسبعين سنة؛ إذ يصل الساحر الانجليزي "نيوت سكامندر" (إيدي ريدمين) إلى أمريكا ويصطدم بعالم السحرة الأمريكي، الذي تختلف قواعده وقوانينه المختلفة بدرجة كبيرة عن مثيله في إنجلترا والذي عرفناه من خلال سلسلة "هاري بوتر". أثناء رحلة "نيوت" نتعرف على خبرته الواسعة في مجال الوحوش السحرية وكيفية تربيتها والعثور عليها، وهو الأمر المخالف لقواعد المجتمع السحري الأمريكي. وعلى خلفية الأحداث يتنامى لعلمنا وجود ساحر شرير يسمى "جريندلوالد" (جوني ديب) قام بالعديد من العمليات التي تهدد بفضح السحرة وسط مجتمع غير السحرة (No-Majs أو Muggles). وهناك جماعة من غير السحرة تقودها امرأة تدعى ماري لو بيربون (سامانثا مورتون) وابنها كريدينس (إيزرا ميلر) تهدف لتنبيه العامة من خطر وجود السحرة بينهم، هذه الأمور كلها أوقعت السيناريو في عدة مشكلات.

من ضمن هذه المشكلات أن السيناريو لم يحاول أن يصنع علاقة قوية بين طرفي القصة أي البطل "نيوت" الذي نتتبع حركته وهو المحرك الرئيسي للقصة من جهة وعنصر الشر الرئيسي في الفيلم من جهة أخرى؛ فكان نيوت طوال الأحداث في بحثٍ دائم عن كائناته اللطيفة منها والضخمة المزعجة، الأمر الذي أوقعه في سبيل الساحرة الأمريكية "تينا(الممثلة كاثرين ووترسون) التي تسعى لاستعادة وظيفتها في وزارة السحر التي تتطلب منها البحث والقبض عن السحرة الخارجين عن قوانين المجتمع السحري، كما أوقعه في رجلٍ غير ساحر (Muggle) مغلوبٌ على أمره، مما أوجد الكثير من المواقف الكوميدية جدًا.

 

ورغم أننا شاهدنا الكثير من رحلة "نيوت" إلا أن السيناريو ضنَّ بالخوض في حياته وشخصيته وحتى سبب مجيئه إلى أمريكا إلا بصورة سطحية ومحدودة جدًا مقارنة بمدة عرض الفيلم التي تجاوزت الساعتين ونصف، لذلك –وعلى عكس الجزء الأول في سلسلة "هاري بوتر" - لم أجد كمشاهد ما يدفعني للتعاطف مع رحلة البطل والشخصيات الأساسية والثانوية على السواء (التي لم يُذكَر لها بدورها خلفيةً أو دوافع). وكذلك كانت هناك مشكلة في رسم شخصية الشرير الذي ظهر فجأة في النصف الثاني من الفيلم، وأصرّ السيناريو مصر  تقديمة فجأةً كشرٍّ متخفّ، في حين أن سذاجة العرض والحكي المباشر الصريح أفسدوا متعة التحول التي جاءت سطحية ومملة على صعيد الكتابة والصعيد البصري أيضًا، وهو الأمر الذي أثر بشكل سلبي على لإيقاع الفيلم فكان مقسمًا الى قسمين أولهما حكي و سرد وثانيهما مغامرة رئيسية منفصلة تمامًا عما قدمه في الجزء الأول وغير مستفيدة منه تمامًا، وهى المشكلة الأخرى في السيناريو التي أدت إلى ملل كبير في تتابعات النهاية.

عادة في مثل هذه الأفلام التحضيرية (التي تؤسس لسلسلةٍ ما) نجد الكثير من الشرح و الحكى المباشر مثلما كان الجزء الأول من "هاري بوتر" على سبيل المثال والذي وصلت مدة عرضة لثلاث ساعات، ولكن وعلى الرغم من هذا ساهمت كل مشاهد "حجر الفيلسوف" في ترسيخ علاقة المشاهد بالشخصيات الرئيسية وعلاقتها ببعضها، وتم توظيفها و الاستفادة منها على مدى السلسلة، عندما بدأ التعريف بالشرير الرئيسي "فولدمورت" أو حتى المغامرة الرئيسية في القصة التي تخص حجر الفيلسوف، لذلك أتمنى أن أرى لمسات ستيف كلوفس (كاتب سيناريو جميع أفلام "هاري بوتر") في الأربعة أجزاء القادمة من "وحوشٍ رائعةالتي تم الإعلان عنها بالفعل.

وحوشٌ رائعة حقًّا!

 

من المستحيل أن أنكر أن المحتوى البصري في الفيلم أكثر من مبهر، وأعتقد أنه أكثر تجربة بصرية إبهارًا منذ فيلم "أفاتار" للمخرج جيمس كاميرون. فقد كان تصميم الكائنات وتحريكها مميزين جدًا وكذلك الاستفادة من التقنية ثلاثية الأبعاد –على الرغم من عدم رضائي عنها عمومًا - الا أنه تم توظيفها في بناء علاقة شعورية ومكانية بين المشاهد و الكائنات الجديدة بشكل مبتكر كليًا وهى نقطة تحسب للمخرج "ديفيد ييتس(الذي كان أخرج آخر أربعة أجزاء في سلسلة هاري بوتر)، لكن يبدو أنه فقد في هذ الفيلم السيطرة على السيناريو و الإيقاع، إذ أنه –في اعتقادي- لم يتم توظيف الابتكار البصري في إثراء الشخصيات الرئيسية أو حتى تحريك الأحداث، ففقد قيمته وأستطيع أن أقول بسهولة إن الكثير من المشاهد لو تم حذفها بالفعل فلن يتأثر الفيلم بشيء.

أما تتابعات النهاية فجاءت مكررة بصريًا وأساء إليها المونتاج كثيرًا فزاد الاحساس بالملل.

لم يكن التمثيل مميزًا، لكن تظل إطلالة "إيدي ريدمين" ممتعة جدًا وكذلك الممثلة صاحبة الملامح الدقيقة "كاثرين ووترسون" التي قامت بدور "تينا"، وتم استغلال شخصية الشخص العادي أو غير الساحر "جيكوب كوالاسكي" (الممثل دان فوجلر) بطريقة كوميدية ليقدم دور المشاهد نفسه الذي يتعرف على العالم لأول مرة، وأعتقد أنه كان موفقًا جدا و أتمنى ظهوره بدور أكبر في الأجزاء القادمة.

كولن فاريل كان جيدًا ولكن لم تكن شخصيته مميزة اطلاقًا، في حين كان إيزرا ميلر كارثة. 

 

 

ماذا بعد؟

رغم إحباطي بهذه البداية الا أني أعتقد أن القادم أفضل، خصوصًا وأن الفيلم حقيقةً لم يغفل ربط الأحداث بما ترسخ في عقل محبي عالم "هاري بوتر"، بدايةً من الثيمة الموسيقية الساحرة التي بدأ بها الفيلم للمبدع "جون ويليامز" وصولًا لشخصية "جريندلوالد" -التي تم ذكرها في الفيلم والتي سيقوم بها "جوني ديب" - والتي ذُكرَت في فيلم "هاري بوتر ومقدسات الموت ج1"، كما ذُكرَت علاقته العدائية بـ "ألبوس دمبلدور" (مدير مدرسة "هوجوورتس" التي تعلم بها هاري بوتر، لكن في الأحداث هنا هو ما زال مُدّرسًا بها)، الأمر الذي يبشر بعودة شخصيات من عالم هاري بوتر. 

أما بالنسبة لاسم الفيلم "الوحوش الرائعة و أين تعثر عليها؟" فهو اسم الكتاب الذي ألفه "نيوت سكامندر" بعد رحلته في نيويورك و تمت دراسته في العام الأول من الدراسة في "هوجوورتس" فيما بعد، والكتاب موجود في الواقع، نشرته رولينج باسم نيوت سكامندر وبمقدمة لألبوس دمبلدور وحواشي هاري بوتر نفسه. 

 

من الواضح أن "ج. ك. رولينج" لم تقتصد في عالمها وأثرته بالكثير من التفاصيل وصولًا لكتب المدرسة التي درسها هاري بوتر، ونظرًا إلى أنها –في رأيي- لم تثبت نفسها ككاتبة سيناريو في للسينما، فأتمنى أن أرى تطورًا ملحوظًا في الأربع أجزاء القادمة التي تم الإعلان عنها والتي سيقوم ديفيد ييتس أيضًا بإخراجها.