رؤوف مسعد مع كمال القِلِش- أرشيف الكاتب رؤوف مسعد

رؤوف مسعد.. باتمشى في الذكريات أنا وكمال

منشور الأحد 27 نوفمبر 2016

رحت جبت كمال، لبسته هدومه زي ما كنت بعمل معاه وإحنا في لندن في شقة حسام عبد الله بعد ما كمال عمل عملية القلب المفتوح، وبقي في لندن حوالي عشرة أيام نقاهة وتحت المراقبة. حسام إدانا شقته: أودتين نوم حلوين وصالة صغننة معقولة. الشقة كانت في منطقة راقية اسمها برتسربر. حسام ومديحه مراته ملوا التلاجة أكل.

حسام دفع لي ثمن التذكرة من أمستردام للندن عشان ما كنش معايا فلوس، وكنت رحت لندن قبل كده أثناء العملية، وأجرت أنا  وسعد هجرس أودة في بيت ناس إنجليز ما نعرفهمش، جابت لنا الأودة سعاد الجزايري العراقية بأجر معقول جدا: عشرة إسترليني لينا إحنا الاتنين مع فطار كويس..

كانت بنت كمال الصغيرة دنيا اتصلت بي من القاهرة بالتليفون، وقالت لي "والنبي يا عمو تروح لندن وتقعد مع  بابا وهو بيعمل العملية، عشان ميزانية العملية من الوزارة ما فيهاش مُرافق. وافقت  علما إني برضه ساعتها ما معيش فلوس، لكن مراتي آنا ماريكا  سهلت المسائل كعادتها.

المهم بعد ما خلصت العملية، أنا وسعد أخدنا كمال لشقة صادق الصايغ  صاحب كمال من أيام شغله في بغداد. وصادق جه لندن بعد مذابح الشيوعيين في العراق أيام صدام، واستقر فيها مع ابنه وبنته  وزوجته (سعاد الجزايري)،  لكن حدث الطلاق بينهما واستقر كل منهما في شقة؛ البنت مع سعاد والولد المراهق، أحيانا مع صادق.

بقيت كام يوم في الأودة مع سعد، وبعدين سعد قال إنه مطلوب للشغل بتاعه في القاهرة ومضطر يمشي.

باعرف كمال من أيام حبسة الواحات.. تقريبا سنة 1962، حينما حُكم علينا وإحنا في المحكمة العسكرية في اسكندرية، وتم ترحيل القضية كلها للواحات، وجه نصيبي في الزنزانة اللي بيسكن فيها كمال، وتعبير يسكن هو تعبير المساجين والسجن كمان. يعني أنا بعرف كمال من اتنين وستين، وبقينا أصحاب لحد ما توفى.

 

غلاف كتاب إنسان السد العالي لرؤوف مسعد وصنع الله إبراهيم وكمال القلش 

   كمال عرفني على صنع الله إبراهيم، وهو بيعرفه من قبل السجن. بعد السجن رحنا ثلاثتنا يملأنا الأمل الى أسوان، وكتبنا كتابا مشتركا عن السد العالي اسمه "إنسان السد العالي" صدر عن هيئة الكتاب..

 مات كمال وأنا في هولندا..

مات كمال قبل أن يرى الثورة.. أي ثورة خمسة وعشرين يناير.

كنت في هولندا حينما اندلعت الثورة، وجئت إلى مصر بعد خلع مبارك. بالطبع تابعت وقائع الثورة من أول يوم على التلفزيونات العالمية.

أذكر أني التقيت صنع الله حينما كنت في مصر بعد خلع مبارك، ووجدته "مكتئبا " كعادته. أنا  سخرت من اكتئابه وهو استهجن تفاؤلي.. قلت له: أنا مبسوط عشان شفت مبارك في القفص وناس من زمايلنا وأصحابنا ماتوا قبل ما يشوفوا المشهد ده.. زي كمال.

                                     

احتفالات في ميدان التحرير أعقبت خلع مبارك

 بالطبع كنت بقابل دنيا ابنة كمال لأننا بنتحرك في نفس الدوائر.. كنت قريبا منها أيام ما كنت أزور كمال في بيته بعد طلاقه.

فكرة الزواج للمساجين السياسيين تحديدا هي فكرة ملحة وغريبة في الوقت ذاته. يعني أنا مثلا اتزوجت  تلات مرات وطلقت مرتين.

كلنا لما خرجنا من السجن كان هاجس الزواج هاجسنا بدرجات متفاوتة. لكن هاجس الأنثى كان هاجسا ملحًا. فشخص مثل كمال قضى ما يقرب من ثمان سنوات متعاقبة  في السجون والمعتقلات المصرية. أي سرقوا ثمان سنوات من شبابه لم يشم فيها رائحة إمرأة، ولم يقترب جسديا من أنثى، ليخرج من السجن في نهاية العشرينات من عمره أو بداية الثلاثينات "عذراء ".

 لايختلف الحال كثيرا عني أو عن صنع الله إلا في سنوات السجن المتصلة.

 نخرج من السجن نبحث عن أنثى "ونسقط" في حبها حتى لو كنا نعرف بثقة أنها لا تحبنا.. مش مهم.

هكذا أقمنا علاقات لا تنتهي إلى شيء. بعضها ضاحك وبعضها حزين، لكن النهاية واحدة.

لكن قبل الزواج وبعد الخروج مباشرة من السجن، سنواجه كلنا بخيبة أمل أساسية وقاسية في كل ما كنا نؤمن به وسُجِنَّا من أجله. أي أفكارنا السياسية عن الشيوعية إجمالا، وعن الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية خاصة. كذا في رؤيتنا للشعب المصري.

ثلاثتنا ذهبنا لنعمل (أو ندرس) في المنظومة الشيوعية. كمال إلى ألمانيا الشرقية ليعمل في مجلة "المجلة" وهي مجلة دعائية. وصنع الله إلى موسكو ليدرس "سينما"، وأنا إلى وارسو لأدرس مسرح.

 رأينا "بطن ومصارين" الأحزاب والمؤسسات الشيوعية، ورأينا أيضا قمع الحريات والسجون والرعب والخوف من أجهزة أمنية متلصصة على كل فرد وكل شيء .

وارتحلنا في بلاد عربية وأفريقية تقول أنها اشتراكية ماركسية مثل اليمن الجنوبي، والعراق في عهد الجبهة الوطنية بين البعث والشيوعيين، وإثيوبيا في عهد حكم منجستو هيلا مريام.. إلخ.. إلخ

 قائمة متصلة من بلاد وأنظمة وخيبات عامة وخيبات شخصية

إذن خابت آمالنا في الشيوعية. وبدرجات متفاوتة. كمال كان أقلنا إحساسا بالخيبة أو الاعتراف بها. فبعد حل الحزب، وإطلاق سراحنا من معتقل الواحات كشرط  لحله. التقيت بكمال في العراق بعد عدة سنوات، ليعرض عليّ كمال مرة أخرى الانضمام إلى الحزب (السري مرة أخرى)، فأنضم  غير متردد. ابحث أيضا عن ملاذ نفسي آمن وسط رفاق الماضي. ورفاق السجن. وتزامن هذا مع فشل تجربة زواجي الأولى.

ومع عودة صنع الله من موسكو بدون "دبلومة"، ليعيش ويعمل في القاهرة ويتزوج أيضا.

 ويكون صنع الله قد نشر روايته الأولى "تلك الرائحة" من دار الثقافة الجديدة. وتصادرها الرقابة لينشرها مرة أخرى من بيروت. وحينما أسست دار "شهدي" في القاهرة عام 1982، نشرت "تلك الرائحة" لأول مرة في مصر كاملة، بعد حوالي ثماني عشر سنة من صدورها لأول مرة في القاهرة ومصادرتها.

 وسأكتشف تدريجيا أن الكتابة هي الملاذ الآمن. ليس الحب ولا الزواج ولا إنجاب الأولاد ولا الحزب ولا الجنس ولا العمل ولا النقود أوالسمعة والشهرة والجوائز..إلخ،  بل الكتابة بحلوها ومرها..

وسيخلو صنع الله إلى نفسه يكتب في شقته الصغيرة مبتعدا عن كل ما يشتت انتباهه وتركيزه في الكتابة، يتعايش في الحياة ومع الحياة بالحد الأدنى من الاستهلاك المادي اليومي.

سيكون كمال قد كتب روايته الوحيدة القصيرة "صدمة طائر غريب"  بعد إطلاق سراحنا، وتجربة رحلته الأولى إلى المانيا الشرقية ليشتري سيارة فولكس فاجن سكند هاند يرجع بها إلى مصر، وهذا حوالي عام 66. كان وقتها ما يزال يعيش في كنف عائلته في ما يطلق عليه كمال "البيت الكبير".  وستهل علينا سنة الهزيمة في 1967، وسيسافر صنع الله بعدها إلى بيروت ومنها إلى ألمانيا الشرقية ليعمل أيضا في وكالة الإنباء الرسمية هناك، ويشارك اثنين آخرين شقة صغيرة ألمانية من ثلاث غرف للنوم. وسأزوره أنا حينما حصلت على منحة لدراسة المسرح في وارسو، ويكون هو يكتب أثنائها روايته الثانية "نجمة أغسطس".

                                              

الكاتب الراحل كمال القِلِش 

كمال لم يعد ثانية للكتابة إلا قبل سنوات قليلة من وفاته، بعد آن لزم شقته في مدينة نصر بعد عملية القلب المفتوح، حيث بدأ يكتب أجزاء من سيرة حياته وينشرها في "القاهرة" الأسبوعية. ولم ينه ما كتبه إذا مات أثناء الكتابة.

أعتقد أن "أزمة " كمال المركبة بدأت منذ آن تركته "صديقته" لتتزوج شخصا ثريا. وكان كمال لا يملك شيئا، لا يملك حتى عملا ثابتا.

 هكذا يحاول كمال أن " يتأقلم " بشروطه مع واقع لا يعرف عنه كثيرا ولم يعايشه.. هو يرى نفسه مطالبا أمام أسرته بان يثبت لهم أنه لم يخب.. فهو قد تم اعتقاله وهو ما يزال طالبا بالحقوق مثل صنع الله، ولم يكملا دراستهما أبدا بعد ذلك.

عمل في عمل متدني في السلك القضائي "كاتب محكمة " أو هذا ما قاله لي ومنها إلى المعتقلات. شقيق كمال الأكبر تدرج في السلك الوظيفي حتى وصل إلى منصب "وكيل وزارة"،  لكن كمال بالنسبة للعائلة "خريج سجون" ولم يكمل دراسته.

من هنا – كما أعتقد – حاول كمال أن يندمج مرة أخرى داخل الأسرة، وأن يجعلهم يقبلوه. وأن يندمج في علاقة عاطفية وأن تكتمل بالزواج كما وعدته ولم تف، وأن يصبح " صحفيا " بأسلوب متميز وأن تقبله صحافة عبد الناصر، ولم يحدث هذا. إذ كنت أنا وكمال نعمل "مراجعين" بالقطعة في مجلة آخر ساعة بعد إطلاق سراحنا. ونتيجة لعلاقة كمال الشخصية مع صلاح حافظ (الماركسي والسجين السابق ) رئيس التحرير.

لكننا وجدنا أنفسنا ذات صباح ممنوعين من دخول مبنى المؤسسة بعد آن أقال السادات بليل محمود أمين العالم رئيس مجلس الإدارة، وبالتالي تمت الإطاحة بالماركسيين  "الضعفاء" أمثالنا أنا وكمال.

سيحاول كمال بجهد بالغ بعدها أن يلتحق بجريدة الجمهورية المصرية.  ليذهب في رحلة بحث عن نقود إلى العراق، ومن العراق إلى ألمانيا الشرقية في رحلة بحث عن هوية سياسية ويقين زائغ ضائع. وسألتق به بعد ذلك في ألمانيا الشرقية في شقته بالغة الصغر، وهو يدخل في مرحلة من مراحل الكآبة وفقدان اليقين على كل المستويات بما فيها الشخصي.

 فلم يعد لدينا يقين، أو كثير من يقين  يساوى حبة خردل.  سيكتب صنع الله (سوداوياته السياسة) كما أطلق عليها أنا معريا الطبقة الوسطى في "ذات"، ثم مستقيلا من الثورة في "وردة"، وكان قبل ذلك كتب "بيروت.. بيروت" عن اندحار الثورة الفلسطينية، وقبلها " اللجنة" عن الاندحار الشخصي، وكيف أن العقوبة التي قررتها "اللجنة" على الشخصية المحورية ؛ هي أن يأكل بعضه (!)

 

أغلفة روايات الكاتب صنع الله إبراهيم

 كنت أنا قد تركت العراق حيث عملت لثلاث سنوات في مؤسسة السينما والمسرح. أترك العراق وصدام حسين ومذابحه للشيوعيين لأعمل صحفيا في بيروت في جريدة السفير. وسيأتي صنع الله إلى بيروت لينشر اللجنة في السفير، ويجمع مادة "بيروت ..بيروت" ،ونلتقي  ليظهر لي صنع الله للمرة الأولى سوداويته وبارانوِيِّتِه (جنون الاضطهاد)  وكآبته التي وصلت به ومعه  إلى مرحلة مرضية.

نصل إلى مرحلة منتصف العمر. حيث ينظر الواحد إلى الوراء فلا يجد أنه حقق شيئًا من أحلامه، وينظر إلى الأمام فلا يجد إلا مزيد من عدم التحقق.

 وتلاحقنا الأمراض.. أجسادنا تفشل هي الأخرى في أن تلبي طلباتنا بعد خابت أمالنا في السياسة وفي العلاقات النسائية.  ولم تبق سوى صداقة "قلقة" بيننا. نحن مثال لجيل كامل يشبهنا..

 أمر بطلاقي الثاني وأنا في بيروت. أرجع إلى القاهرة بعد غيبة متواصلة لاثنتي عشر سنة. لم أكن أريد الرجوع إلى مصر بعدما وجدت لبنان، البلد الذي يوفر لي ما أريده في البلاد "الجسر بين عالمين ..الشرق والغرب"، بلد بلا حكومة ونظام سياسي قمعي مثل مصر وسوريا والعراق وكل الدول العربية. بلد النشر والموسيقى والحرية

لكن حرب شارون على منظمة التحرير في يوليو 1982، أجبرتني على العودة إلى مصر، فلم أكن أريد أن ألتحق بالفلسطينيين في منافيهم . فقد كان شعاري ولا يزال: "أتعاطف مع الفلسطينيين ولكن لا اعمل معهم أو عندهم".

هذه الجردة السريعة لرحلة حياة وحيوات متشابهة، الهدف منها استكشاف التحولات في أصحاب الرحلة.  فأنا حينما ارتبطت بالسيدة الهولندية التي أصبحت زوجتي فيما بعد، وأنجبنا بنتا وولدا، قررت الإقامة في هولندا لأسباب بسيطة وواضحة: فلم يعد يربطني بمصر كمكان شيء هام، أو حساس أو عاطفي. وهذا اكتشاف اكتشفته منذ بداية قدومي إلى مصر من السودان. فمصر كانت بالنسبة لي كصبي ومراهق وشاب، هي المكان الذي يعيش فيه أخوالي  وخالاتي الذين أحبهم.

ثم مصر هي التي سرقت من عمري أربع سنوات في المعتقل والسجن.

السودان ثم لبنان هما البلدان العربيان اللذان أحب أن أعيش فيهما براحتي.. لكن مصر: لأ!!

هكذا سآتي إلى مصر "مجبرًا " لأؤسس دار شهدي للنشر، بإيعاز من أرملته روكسان، وستشاركني ابنتها حنان في الإدارة بضع سنوات، ثم نغلق الدار بعد موت روكسان وأذهب لأقيم في هولندا بصفة نهائية مع إجازات سنوية إلى مصر.  

المناضل الشيوعي المصري شهدي عطية الشافعي

كنت قد بدأت أكتب بعد عودتي الاضطرارية من بيروت في "بيضة النعامة " التي أعدت كتابتها مرات متعددة وأنا في هولندا، وطلبت من كمال وصنع الله مراجعة ونقد ما كتبت.

كنت أكتب عن نفسي، وعن عائلتي، وعن السودان وعن الأقباط المسيحيين المصريين وعن الجنس باعتباره خيطا جامعا بين الشخصية المحورية "أنا بضمير المتكلم "  وما يحدث له  خلال رحلة حياة طويلة.

كتبت عن الجنس المثلي خارج السجن وداخله، رغم اعتراض صنع الله بحجة أن المباحث سوف تستخدم ما أكتبه ضد الشيوعيين لكن لم أبال وإن كنت حذرا في الكتاب. ليكتب صنع الله بعد أعوام طوال "شرف" عن الجنس المثلي في السجن أيضا، لكن بين مساجين لا سياسيين. ثم يكتب التلصص وهي أجزاء من سيرته الذاتية أيام الصبا والمراهقة، ثم "الجليد" وهي أجزاء من حياته وعن حياته في موسكو إبان دراسته هناك..

 أين كمال في كل هذا؟

 تحول كمال – كما حولناه أنا وصنع الله – إلى قارئ أساسي لمسوداتنا.. كنت حينما أقدم من هولندا، أقيم أحيانا في بيت صنع الله في مصر الجديدة، ويأتي كمال من بيته في مدينة نصر ليلتقي بي في الشهور القلائل التي أمكثها في مصر.   

لم يكن يفصح عن حياته العائلية وعن مشاكله مع زوجته، على العكس مني ومن صنع الله اللذان كنا نسخر من فكرة الزواج وكل ما يتصل بها.

فقد وجدنا ملاذنا في الكتابة ورفضنا العمل المنتظم، بينما كمال يصر على العمل المنتظم  بمرتب منتظم.

لعله كان يخاف - وهو في منتصف العمر- أن تعتبره عائلته مرة أخرى "خيبان"، أو زوجته  كذلك.

 بينما توصلت أنا إلى اتفاق مع زوجتي أن تتكفل هي باحتياجاتي المالية، وأتفرغ أنا للكتابة. وعمل صنع الله بالترجمة "من منازلهم"، وبكتابة روايات للأطفال لحساب دار الفتى العربي الفلسطينية التي كانت تجيد تسويق أعمالها.

ثم انتظم في النشر مع دار المستقبل التي أسسها وزير الإعلام الناصري محمد فائق، ولها أيضا سوق عربية ناصرية.

هكذا بدأ صنع الله يجني ثمرات كتاباته. ليحصل على جائزة العويس التي ستكفيه سؤال اللئيم من دور النشر!

وستتم ترجمة بيضة النعامة إلى خمس لغات لأحصل أيضا على فائدة مالية تساعدني على السفر والتجوال في الأرض الذي أحبه

 وسيذهب كمال في رحلة وحيدة قصيرة إلى أمريكا ليلتقِ بأصدقاء قلائل له هناك. مواصلا عدم الكتابة، أو مؤجلا إياها خوفا؟!

 ويتم الطلاق بين كمال وزوجته ..

لم يكن كمال يريد الطلاق رغم إلحاحنا نحن أصدقائه عليه. كان يتحجج بحجج مختلفة، لكني أعتقد – الآن – أن الطلاق كان معناه الاعتراف النهائي بفشل مشروعه الشخصي، بعد أن فشل مشروعه السياسي وتوقف عن المضي في مشروعه الكتابي.

فالطلاق هو المواجهة الواضحة بل الأكثر وضوحا مع الخيبة النهائية لكل الأحلام التي حلمناها منذ الصبا وحتى الكهولة فالشيخوخة.

اذكر أن طلاقي الأول أيضا أصابني بإحساس غريب من القتامة. إحساس بالفشل وضرورة الاعتراف به.

وبالطبع لم يكن الطلاق فشلي الأول كما ذكرت. فقد فشلت آن أجد الاشتراكية في بولندا ووجدتها تقتل أفرادها في الحبشة  واليمن الجنوبي.

كان صنع الله جريئا في أن يكتب عن هذا "الفشل  الاشتراكي" ويصوره مؤلما. عن هزيمة الأشخاص الثوريين ..هزيمة الأفراد والأنظمة الاشتراكية ..في "وردة".        

 

قادة الحزب الشيوعي المصري في جلسة محاكمتهم في الإسكندرية عام 1925