جانب من قافلة العودة النوبية، المصدر: صفحة إئتلاف العودة النوبية بفيسبوك

"العودة النوبية".. قافلة يحاصرها الأمن وحق دستوري تنكره قرارات جمهورية

منشور الاثنين 21 نوفمبر 2016

اليوم، يستمر حصار "قافلة العودة النوبية" لليوم الثالث منذ انطلاقها صباح السبت، بمشاركة شباب نوبيين من مختلف قرى محافظة أسوان، متجهة إلى منطقة توشكى "فورقندي" النوبية، للمطالبة بوقف بيع أراضيها ضمن مشروع المليون ونصف فدان، إلا أن قوات الأمن قطعت رحلتهم عند الكيلو 40 بطريق أسوان- أبوسمبل، ومنعتهم من التقدم، فقرروا الاعتصام.

ويطالب النوبيون بالعودة إلى قراهم التي هجرتهم الدولة منها، على مراحل، بدأت منذ أوائل القرن الماضي وقت بناء خزان أسوان، وتكررت في كل مرّة تم تعليته فيها، نهاية بالهجرة الأكبر والأحدث في السيتينيات، بعد قرار بناء السد العالي، حيث أخليت أراضي النوبة تمامًا.

حصار واشتباكات

"عاملين علينا حصار، ومانعين دخول المياه والطعام للمكان، من السبت بالليل لحد دلوقتي مفيش حد أكل أو شرب"، يقول منسق القافلة، محمد عزمي لـ"المنصّة"، حول آخر مستجدات اعتصامه ورفاقه.

ويرسم منسق القافلة صورة للوضع في مقر الاعتصام، بقوله "مكان الاعتصام في صحراء، مفيش شبكة اتصال ولا إنترنت، وبداية الطريق كمين هو اللي وقّفنا وقفلوه علينا، ومفيش أكل ولا شرب بيدخل، أي حد بيجيلنا بيمنعوا اللي لونه أسمر، وبيدخلوا أي حد بَشَرة تانية".

خلق الوضع الحالي للمعتصمين تحركات على الجانب الآخر من الكمين- تحديدًا القرى النوبية الموجودة في أسوان- حيث خرجت قافلة منها تحت شعار "قافلة كسر الحصار"، لفتح الكمين، ثم مد المعتصمين بالأغذية، لاسيما وأن القافلة الأولى خلت من المواد الغذائية، التي كان مقررًا شرائها من منطقة أبوسمبل السياحية، والبعيدة عن وجهتهم (توشكى) بحوالي ربع ساعة، قبل أن يفاجئوا بإيقافهم في الكيلو 40. وتعرضت تلك القافلة الثانية لمواجهة عنيفة من قوات الامن نقلها المشاركون عبر السوشيال ميديا، مبينين تعرضهم لإطلاق نيران كثيف لمنعهم من الوصول للمُحاصرين. 

وتعد هذه القافلة النوبية، هي الثانية التي يمنعها الأمن من الوصول إلى وجهتها في أقل من شهر، إذ انطلقت واحدة في 5 نوفمبر/ تشرين أول الجاري للهدف نفسه، واحتجزها أحد كمائن أسوان المتواجد في قلب المدينة، وعدل منظموها عن الاستمرار في إجرائهم الاحتجاجي، بعد وعد من نائب مدير أمن أسوان بحل أزمة القرى النوبية.

 

جانب من إحدى القرى النوبية

وكان تعليق رئيس الاتحاد النوبي العام على وعود القيادي الأمني: "قال لنا ماتقلقوش والدنيا تمام، ومن يومها لحد 19 مفيش جديد، مفيش إرادة سياسية لفعل شيء أو تعديل القرار، لأن النواب حتى بتوع أسوان لما توجهوا للحديث في هذا الموضوع، قيل لهم قضي الأمر والموضوع خلصان، والمليون ونصف فدان تدخل في أي حتة، حتى لو كانت أراضي استحقاق دستوري".

وينفي "عزمي" وجود إصابات بين المعتصمين أو خسائر مادية، إلى الآن، وإن ذكر أن أحد الضباط تعدى أمس،الأحد، على واحد من المتظاهرين، والذين يقول عنهم إنهم يفترشون جانب طريق أسوان- أبوسمبل، بخيام علّقوا عليها لافتات بشعارات ترفض طرح أراضي قراهم ضمن المليون ونصف فدان، وأبرزها "النوبة ليست للبيع".

ويوجد في مقر الاعتصام الآن، حوالي 130 شخصًا و10 حافلات فقط، هي ما تبقى من 35 حافلة- إجمالي العدد الذي انطلقت به القافلة أمس، قبل أن يتراجع عدد من المشاركين فيها بسبب "خوفهم بعد تصوير بطاقاتهم الشخصية، وتلقيهم تهديدات بالملاحقة"، وفقًا لما قاله لـ"المنصّة" منسق القافلة.

أزمة تموين وشيكة

لكن أزمة نقص المواد الغذائية لا تقتصر على المعتصمين فقط، إذ تتربص أيضًا بقرى نوبية تقع على الطريق، كما قال لـ"المنصّة"، أحمد رجب، أحد السكان النوبيين بمنطقة أبوسمبل السياحية، التي تبعد حوالي 360 كيلومتر عن أسوان، وحوالي 320 كيلومترا عن مقر الاعتصام.

وكشف "رجب" أن قطع الطريق الذي تعرضت له القافلة من كمين باتجاه أسوان، تكرر مع مواطني قرية السلام بأبوسمبل، حين حاول عدد من مواطنيها مد المعتمصين، صباح الأحد، بالمواد الغذائية والأغطية، لكن كمين قريب من القرية منعهم من المرور ومواصلة رحلتهم لمقر الاعتصام.

ويرى "رجب" أهالي أبوسمبل، أكثر المتضررين من الحصار المفروض على القافلة، وقطع الطريق، بقوله "احنا مدينة حدودية، ومانعرفش نشتري أي حاجة من السودان، وكل إمدادتنا المعيشية تأتي من أسوان عبر طريق أبوسمبل"، وأشار إلى أن الأزمة لا تقتصر على مدينته، وضرب مثالاً بقرية كركر النوبية الواقعة بالقرب من مقر الاعتصام، والتي لا يوجد بها مخبز، وتمدها أبوسمبل بحاجتها من الخبز.

وعلى الرغم من ذلك يؤكد "رجب" تضامنه ومواطني مدينته مع أعضاء القافلة، وعدم اعتراضهم على تحركات رفاقهم، وأنهم حاولوا مساعدة المعتصمين بمواد غذائية من مخزون بيوتهم، سواء مواطني السلام أو كركر.

ولفت "رجب" إلى أن التضامن اتخذ صورًا أخرى، منها تنظيم أهالي قرية السلام، احتجاجات سلمية رفعوا خلالها مطالب القافلة، بجانب المطالبة بإنهاء الحصار والسماح للمشاركين بمواصلة رحلتهم إلى توشكى، والسماح بالأمر نفسه لمواطني أبوسمبل. معقبًا: "لأن المشكلة إن النوبيين مش عارفين يروحوا أراضيهم، في حين إن أي حد من حقه يروح أي حتة في مصر".

شرارة الاحتجاجات

كانت شرارة الاحتجاجات الحالية، قرارين جمهوريين حول ترسيم الحدود وتخصيص الأراضي، بصورة تتضارب مع الدستور المصري.

أما القرار الأول فيحمل رقم 444 لسنة 2014، وأصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن إعادة تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية، والذي أدخل قرى نوبية ضمن المناطق العسكرية المحظور السكن فيها.

ولاقى القرار في ذلك الوقت رفضًا من النوبيين، بصور مختلفة منها الإلكتروني، إذ اعتبروه "يُلغى حق اهل النوبة فى مواقعهم الاصلية بالمنطقة الشرقية لضفاف البحيرة".

 

ملصق ضد القرار 444

والقرار الثاني للرئاسة، صدر برقم 355 لسنة 2016، ويقضي بإعادة تخصيص 992 فدانًا من الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة، لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وكانت تلك الأفدنة هي امتداد مدينة توشكى الجديدة، ما يؤثر على إعادة توطين النوبيين في قراهم التي كانت موجودة في تلك المنطقة.

ورد "عزمي" على التصريحات القائلة بأن الأولوية في شراء أراضي المليون ونصف فدان، في امتداد توشكى، ستكون للنوبيين، بقوله "مفيش حاجة اسمها النوبيين يشتروا أراضيهم، لأن الدستور فرض على الدولة إنهم يرجعوا ببلاش زي ما هجرتهم ببلاش".

وينص الدستور المصري في مادته 236 على حق النوبيين في العودة، وإلزام الدولة بالعمل على ذلك وفقًا للفقرة الثانية من المادة: "وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون".

وأعلنت لجنة إعمار النوبة، المنبثقة عن وزارة العدالة الانتقالية، في أكتوبر/ تشرين أول 2014، أن تشكيل هيئة إعمار النوبة، سيتم خلال 45 يومًا، أي خلال العام نفسه، وأنه سيصدر قرار جمهورى لإنشائها، بمجرد موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسى. ولكن تلك الهيئة لم تشكل حتى الآن.

دفع ذلك أهالي النوبة، خلال مؤتمر أقيم في قرية دابود بمركز نصر النوبة، سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى إعادة المطالبة بتشكيلها، بالإضافة إلى تعديل القرار الجمهوري 444، ليعاود المعتصمون على طريق أبوسمبل، اليوم، رفع الطلبات نفسها.

ويؤكد "عزمي" رفضه والمعتصمون لأي قرار سيصدر، بعيدًا عن الذي يؤكد أحقيتهم في الأرض بقوله "الدستور أعطانا الأحقية في الأراضي دي، وفوجئنا الآن بطرحها للبيع في مشروع المليون ونصف فدان، وده خرق للدستور. ولا عودة عن تحركنا إلا بصدور قرار برفع كراسات الشروط الخاصة بتوشكى من مشروع المليون ونصف فدان".