روايات وحقائق حول اغتيال "عادل رجائي".. الموت للزي العسكري

منشور الأحد 6 نوفمبر 2016

في السادسة صباح يوم السبت 22 أكتوبر الماضي، فتح ضابط الجيش الخمسيني ذو الرتبة المرموقة باب شقته الواقعة في الدور الأرضي بإحدى البنايات السكنية بمنطقة العبور، شمال القاهرة متوجهًا لعمله.  وكعادته اليومية، هرع إليه جندي الشرطة العسكرية المخصص لحراسته، ليتناول منه بذلته المموهة وحقيبته، ويضعهما في السيارة التويوتا لاندكروزر البيضاء ذات اللوحات العسكرية، المخصصة لتنقلات الضابط.   

في تلك اللحظة؛ وقبل أن يصل صاحبنا لموقعه المعتاد في المقعد الخلفي للسيارة، فوجئ برجلين ملثمين متشحين بالسواد، يعدوان صوبه قبل أن يطلقا -أمام عينيه المندهشتين- وابلاً من الرصاص أصاب صدره ورأسه، وأبصرت عيناه قبل أن يسلم الروح؛ طلقات الرصاص التي اخترقت جسد سائقه ويد حارسه، قبل أن يستولي مطلقا الرصاص على سلاح هذا الأخير، ويلوذا بالفرار مستخدمين سيارة دايو نوبيرا كانت في انتظارهما خلف منزل الضابط.

هذه الرواية هي ما جاءت على لسان شهود العيان، لتصف لحظة اغتيال العميد عادل رجائي ضابط الجيش الذي قُتل على يد ملثمين صباح السبت 22 أكتوبر/ تشرين أول المنقضي.

لم تُعرف هذه الرواية إلا بعد ساعات من اغتيال الضابط الراحل. متزامنة مع ظهور معلومات أكثر تفصيلاً،  توضح أن الضابط المستهدف يشغل منصب قائد "الفرقة التاسعة مدرعة". وأنه كان  "أحد أبطال سيناء" كما وصفته جريدة الوطن.

على الفضائيات؛ بدأ إعلاميون في الحديث عن الفقيد باعتباره "المسؤول عن هدم الأنفاق في سيناء، ولهذا تمت تصفيته"، على حد تعبير المذيع يوسف الحسيني، أما الإعلامي البارز عمرو أديب فوصفه بأنه "كان مشيب سيناء كلها، وكان أستاذ هدم الأنفاق".

لم يكن أديب والحسيني هما فقط من روجوا لتلك الرواية، فقد شاركهم العديدون في السباحة (تصريحا أو تلميحا) مع التيار المتبنى لفكرة أن العميد عادل رجائي تم استهدافه لدوره البارز في هدم أنفاق سيناء، قبل أن تظهر روايات أخرى تحاول تفسير سبب استهدافه بالاغتيال.

عام في سيناء

بحسب الشهادات التي جمعتها "المنصة"؛ انتقل العميد عادل رجائي إلى سيناء في 2013، وأمضى هناك عامًا واحدًا فقط تقريبا، عمل فيه مساعدًا لقائد الفرقة السادسة مدرعة، التابعة للجيش الثاني في الإسماعيلية، والتي سُمح لها (بعد التنسيق مع الجانب الإسرائيلي)  بالتواجد في سيناء، بعد هجمة الإرهاب الشرسة هناك.

فوفقًا لاتفاقية كامب ديفيد، لا يحق لمصر نشر قوات مدرعة في المنطقة المتاخمة للحدود الإسرائيلية.

أحد المجندين السابقين في "الفرقة السادسة مدرعة" التي خدم بها العميد عادل رجائي، تحدث ل"المنصة" قائلا: "الفرقة السادسة تعمل بالتنسيق مع (الفوج الأول- حرس حدود)، في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة في شمال سيناء. ويقتصر دور الفرقة على الدعم والتأمين، وهو الدور الذي قام به الفقيد بكفاءة، في الوقت الذي أسندت فيه مهام هدم الأنفاق لرجال الفوج الأول، بالتنسيق مع سلاح المهندسين. أما الفرقة السادسة  التي عمل بها الفقيد، فاقتصر دورها على الدعم والتأمين دون تدخل في عملية هدم الأنفاق".

لكن اسم رجائي ظهر في سبتمبر 2013، عندما تم تفجير مكتب المخابرات الحربية في رفح، وهي العملية التي أفضت إلى استشهاد 6 من أعضاء الجهاز وإصابة آخرين. يومها تحرك رجائي ونشر قواته للتأمين والسيطرة في "حي الإمام"  برفح، حيث مقر مكتب المخابرات الحربية الذي تعرض للهجمة.

في يناير 2014 عاد رجائي للمنطقة المركزية في القاهرة، ليعمل كمساعد قائد الفرقة التاسعة مدرعة. والمتفق عليه؛ أنه  خلال العام الذي قضاه في سيناء، -وبحسب شهادة من عملوا معه- أدى دوره بكفاءة عالية في تأمين العديد من المهام العسكرية، من ضمنها مهام زملائه المسؤولين عن هدم الأنفاق.

ولكن؛ لا يوجد سبب واحد منطقي يجعلنا نصدق أنه جرى اغتياله ردًا على دوره في هدم الأنفاق في سيناء، فبحسب الشهادات المتوفرة لدينا، فهو لم يشارك بشكل مباشر في تلك المهام، وكان دوره قاصرا على التأمين فقط. كما أن عمله في سيناء انتهى قبل ثلاث سنوات.

عودة للعاصمة

في نشرة تنقلات السادة الضباط في ديسمبر 2013؛ صدر قرار نقل العميد عادل رجائي للفرقة التاسعة مدرعة، ولم يمض وقت كبير قبل أن يترقى الراحل لشغل منصب رئيس أركان الفرقة، ثم تولى منصب قائد الفرقة مؤخرًا.

والفرقة التاسعة مُدرعة أو "حماة الأهرام" كما يلقبها البعض (نظرا لتواجدها في منطقة دهشور بالقرب من أهرامات الجيزة)، هي إحدى فرق المنطقة المركزية، وتتكون من : لواءين  مدرعين، لواء ميكانيكي، لواء مدفعية.

أحد ضباط الفرقة تحدث إلى المنصة بشرط عدم ذكر اسمه قائلاً: "الشهيد عادل رجائي كان رجلاً منضبطًا. لا أريد أن أقول أنه كان قدوة يحتذى بها للعسكري الشريف حتى لا تظن أنني أبالغ، لكن أُشهِد الله أنه كان أبا لكل من تعاملوا معه، وكان نموذج للتفاني في عمله وفي طاعة الأوامر".

وعن مهام الفرقة التاسعة يتحدث الضابط شارحا: "الفرقة تقع في نطاق المنطقة المركزية، مما يفرض عليها مجابهة أي تهديد للعاصمة حال حدوثه. لكن ليس معنى ذلك أن الفرقة موجودة لتأمين العاصمة فحسب، فهذا جزء من كل".

وعن دور الفرقة التاسعة في ثورة يناير يقول الضابط: "قمنا بتأمين ميدان التحرير أثناء الثورة، كما لعبت الفرقة دورًا محمودا أثناء فترة ما يعرف بالانفلات الأمني، في تأمين كثير من المنشآت الاستراتيجية الهامة".

ونفى الضابط تمامًا أن تكون الفرقة التي قادها الضابط الراحل قد لعبت دورًا في فض اعتصامي رابعة العدوية أو ميدان النهضة. مضيفًا: "حتى لو كان للفرقة  أي دور -وهو ما لم يحدث- فإن الفض تم في شهر أغسطس 2013، حينها كان العميد عادل لا يزال في خدمته في سيناء، فالشهيد انضم للفرقة في 2014".

لواء الثورة تعلن مسؤوليتها

لم تمض ساعات قليلة على اغتيال العميد عادل رجائي؛ حتى أعلنت جماعة تسمي نفسها "لواء الثورة" مسؤوليتها عن الحادث.

                          

مجموعة لواء الثورة المسلحة تعلن مسؤوليتها

لا توجد معلومات كثيرة متوفرة عن هذه المجموعة، كل ما نعرفه عنها أنها جماعة عنف مناوئة للسلطة، أعلنت من قبل في أغسطس 2016 عن مسؤوليتها عن  الهجوم على قوة كمين العجيزي بمدينة السادات. وبثت فيديو لها يصور لحظات تنفيذ العملية، مصحوبا بتهديد واضح لقوات الأمن والجيش بأنهم: "لن يتركوهم دون انتقام".

كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الغرب، قال لـ"المنصة": "لا يمكنني بالطبع الجزم بخصوص هويتهم. لكن بشكل عام، يجب أن ندرك أن جماعة الإخوان تفتتت لأكثر من جزء. وأنه كان هناك دومًا داخل الجماعة فصيل يميل للعنف أو المقاومة المسلحة  كما يقولون. (فالتنظيم الخاص) فكرة بقت في الجماعة عبر العقود".

ويواصل الهلباوي: "بالنظر إلى المشهد الحالي سنجد فريق غاضب من فكرة السلمية والإصلاح، ويميل للانتقام والرد العنيف؛ خاصة بعد أحداث رابعة والنهضة، ومن هذا الفريق تتكون المجموعات المنفلتة، التي تتخذ من العنف مسارًا. لكن هل هذه المجموعات انشقت تماما عن الجماعة أم أنها موالية لبعض الأجنحة بداخلها؟  هذا أمر لا يمكن الجزم به الآن".

ما قاله القيادي الإخواني السابق، يتسق مع ما صرح به صامويل تادرس كبير باحثي معهد هدسون للحريات الدينية، حين قال: "إن بيان إعلان "لواء الثورة" عن مسؤوليتهم عن اغتيال عادل رجائي، تضمن الإشارة إلى أن العملية جاءت ردًا على مقتل القيادي الإخواني محمد كمال أثناء القبض عليه خلال وقت سابق. لذا يميل تادرس إلى أن حركة (حسم) وجماعة (لواء الثورة) "تمثلان الموجة الثالثة من مراحل تطور العنف الأخواني".

ولكن لماذا رجائي؟

وفقا للمعلومات المتوفرة عن الرجل، فما روجته بعض وسائل الإعلام حول استهدافه لمسؤوليته عن الإشراف على هدم الأنفاق في شمال سيناء هو حديث عارٍ تمامًا من الصحة.

أيضا ما يُشاع عن دوره في فض رابعة غير سليم لأنه لم يكن بالقاهرة حينها بالأساس. وبالقطع الحديث الذي دار بين البعض على شبكات التواصل الاجتماعي بكون اغتياله "مؤامرة داخلية" وأنه جرى اغتياله بتدبير من زملاء له بالجيش هو حديث لا يوجد ما يدعمه؛ فالرجل عرف عنه الانضباط وطاعة الأوامر بحسب شهادة من عملوا معه.

ثم بفرض أن ما يشاع صحيح، وأنه حدثت مشادة بينه وبين أحد القيادات قادت لإقصائه بالاغتيال، ألم يكن من الأيسر الإطاحة به في النشرة القادمة؟.

"تصفية عشوائية" هكذا يجيب اللواء عبدالمنعم كاطو- مستشار إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة عن السؤال. يضيف كاطو لـ"المنصة": "بالطبع قائد فرقة هو منصب له حيثية بالجيش. لكن استهداف العميد رجائي تم غالبا بشكل عشوائي، أي أن الضربة مُوجَّهة للقوات المسلحة، وليس لشخصه".

ويضيف كاطو: "الضربة لها عدة أهداف: "التأثير على الروح المعنوية للجيش والشعب - الانتقام من القوات التي تُنزل بهم العقاب باسم الشعب- وأيضًا إرسال رسالة (أننا أقوياء وقادرون)".

يتفق مع ذلك التفسير اللواء سيد غنيم -رئيس عمليات جهاز الاستطلاع الأسبق والذي يضيف: "نحن إزاء حرب طويلة ضد الإرهاب، استهداف أحد ضباطنا أمر طبيعي ومتوقع"

يضيف غنيم "بريطانيا حاربت الإرهاب لعقود، وكانت الأوامر كثيرًا ما تصدر للضباط هناك بعدم ارتداء الزي الرسمي في الشوارع لمنع استهدافهم". وعن كيفية الوصول لرجائي، يجيب رجل المخابرات السابق: "هذا أمر ليس بالصعب. نتحدث عن ضابط، ينزل من منزله يوميا في موعد ثابت، تنتظره سيارة لاندكروزر بلوحات عسكرية وسائق وحارس شرطة عسكرية، معلومة يعلمها كل الشارع  وأي ساكن بالمنطقة أو عامل بها يمكنه توصيل المعلومة بقصد أو بدون قصد للمجموعة الإرهابية التي استهدفته"

هذه المعلومات والشهادات تشير إلى أننا أمام نقلة نوعية في صدام الجماعات المتشددة المسلحة مع الجيش المصري. فتصريحات اللوائين كاطو وغنيم، تشير إلى أن ضباط القوات المسلحة ربما باتوا الآن مستهدفين في منازلهم، لمجرد انتمائهم للقوات المسلحة.

السؤال الآن: هل ستُعدِّل الدولة من استراتيجيتها في مواجه العنف المسلح لتتواكب مع التحولات الفكرية الأخيرة لدى تلك الجماعات، أم أنها ستظل مقتنعه أن الضربات الأمنية وحدها كافية؟