الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرفع شعار "رابعة" خلال خطاب في البرلمان

العلاقات المصرية التركية: أحاديث "الانقلاب" تعرقل "التطبيع" المشروط

منشور الاثنين 3 أكتوبر 2016

 

"الحكم الحالي في مصر هو حكم الانقلاب".. هكذا جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوجان هجومه على النظام المصري، خلال حوار أجرته معه مساء أمس قناة "روتانا خليجية" السعودية الخاصة.

وتتبنى تركيا موقفًا معارضًا لأحداث 30 يونيو وما تبعها من تغيرات في النظام السياسي المصري، إذ تعتبرها "انقلابًا عسكريًا" على الرئيس المدني المنتخب، وهو ما ترتب عليه قطع العلاقات بين البلدين، تجلت أبرز مشاهده في تبادل طرد البعثتين الدبلوماسيتين للبلدين في القاهرة وأنقرة عام 2013، ثم دعم كل نظام لملفات تحرج الطرف المقابل.

وردّت وزارة الخارجية المصرية، مساء اليوم، على تصريحات الرئيس التركي، في بيان مقتضب بصفحتها على فيسبوك، قال فيه المتحدث الرسمي باسم الوزارة إن مصر "ترفض التعليق على مثل هذه التصريحات التي لا يسأم الرئيس التركي من تكرارها، والتي تتعارض مع أي مساعي تركية لتحسين العلاقات".

شرط "التطبيع"

خلال الحديث الذي نقلته وكالة الأنباء التركية "الأناضول"، اعتبر "إردوجان" سجن وإصدار أحكام بإعدام الرئيس المعزول محمد مرسي و"أصدقائه"، "مشكلة" واجبة الحل. وقال: بعدها يمكن التفكير في "تطبيع" العلاقات مع مصر.

ويقول الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان لـ"المنصّة" إن الرئيس التركي بحديثه عن قضايا الإخوان يتدخل فيما لا شأن له به، لأن الأمر بيد القضاء المصري وحده، وبالتالي لا يصح أن يملي مثل هذه الشروط "المانعة التعجيزية" للمصالحة.

ووصف الرئيس التركي ما شهدته مصر في 30 يونيو، بأنه "انقلاب على الشرعية"، وقال إن حكومتها "لم تأت بطريقة ديمقراطية"، ما رأى فيه "خطأ" واجب التصحيح.

وتُعلّق الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، على وصف "إردوجان" لأحداث 30 يونيو بأن هذا هو "الامتداد الطبيعي لتصريحاته وهجومه السابق على مصر وثورة 30 يونيو"، وفي ظل "استقبال بلاده لقيادات جماعة الإخوان".

وحين أتى ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي في الحوار، قال نظيره التركي "هذا الشخص كان وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس مرسي. تصور أن وزير الدفاع في بلد يأتي وينقلب على رئيس الدولة. هذا الأمر لا يمكن القبول به". كما وصف الانتخابات الرئاسية التي فاز بها السيسي بأنها "صورية"، في تكرار لهجوم سابق على السيسي.

وتقول "الشيخ" لـ"المنصّة" إنه كان من الواجب على الرئيس التركي بعد المحاولة الانقلابية عليه أن يدرك الفارق بين اندفاع الملايين للشوارع في ثورة ضد نظام، وبين محاولة عسكرية بحتة للانقلاب، يسهل السيطرة والقضاء عليها، مشددة على ضرورة أن يراجع "إردوجان" سياساته وسلوكه تجاه بمصر وشعبها.

خطوة للخلف 

على عكس التصريحات الحادة إزاء النظام المصري، خرج حديث الرئيس التركي عن المملكة العربية السعودية بلهجة ودية، وأبدى فيه استعدادًا للتعاون الثنائي، حد إعلانه مبادرة للتشاور على المستوى الإقليمي- بوصفه رئيسًا لمنظمة التعاون الإسلامي- وتوجيه وزراء في حكومة بلاده، من أجل التصدي لقانون "جاستا" الأمريكي، والذي أصبح ممكنًا بموجبه لضحايا هجمات 11 سبتمبر مقاضاة السعودية.

إقرأ أيضًا: الاقتصاد السعودي أول ضحاياه.. طوفان "جاستا" قد يغرق مصر ولبنان.

وأرجعت "الشيخ" سبب ذلك إلى ما بين الرياض وأنقرة من شراكة أساسية في ملفات سياسية مختلفة، على رأسها السورية واليمنية، التي يؤكد "سعيد" أن حكومة أنقرة أصبحت لاعبًا رئيسيًا فيها، في الوقت نفسه تدرك تركيا "ضعف الانخراط المصري" في القضايا الإقليمية. 

وشن الجيش التركي، أواخر أغسطس/ آب الماضي، حملة عسكرية برية على قرى سورية حدودية، تحت غطاء جوي من طائرات قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، أطلق عليها اسم "درع الفرات"، وأعلن أنه يستهدف منها تطهير حدوده من عناصر التنظيم "الإرهابي".

وكانت المملكة العربية السعودية من الدول التي أدانت محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها تركيا، يوليو/ تموز الماضي، وهو ما ذكره "إردوجان" خلال لقاء أمس، بقوله "عبرت عن امتناننا خلال لقاء ولي العهد السعودي من موقف السعودية الثابت من محاولة الانقلاب الفاشلة".

في المقابل، كانت مصر سببًا في تعطيل صدور بيان بالإجماع من مجلس الأمن الدولي لإدانة محاولة الانقلاب تلك، إذ اعترضت على عبارة "الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا في تركيا".

ويقول كرم سعيد، الخبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ"المنصّة"، إن تلك الخطوة من مصر في مجلس الأمن، وما أعقبها من رفض التوقيع على بيان آخر من منظمة المؤتمر الإسلامي، يعتبر منظمة "الخدمة" التي يتزعمها المعارض التركي فتح الله جولن؛ منظمة إرهابية، ثم هجوم الرئيس التركي على نظيره المصري، كلها أمور أعادت العلاقات خطوة إلى الخلف.

علاقات اقتصادية مستمرة

لم يُنكر الرئيس التركي وجود "فائدة" من إقامة علاقات تجارية بين مصر وتركيا، يصفها أستاذ العلوم السياسية جهاد عودة بأنها حاليًا "متوسطة الحجم وعادية".

وبلغ إجمالي قيمة الصادرات والواردات بين البلدين، عام 2015، وفقًا لموقع وزارة الخارجية التركية، 4.3 مليار دولار، في ظل قطيعة سياسية لم توقف التعامل الاقتصادي.

وتُفسّر "الشيخ" هذا الأمر، بقولها إن المصالح والاستثمارات ليست كبيرة لتضغط على تركيا، كما أن التناقضات السياسية والاستراتيجية أكبر بكثير من المصالح الاقتصادية الموجودة، والتي اتفق رجال الأعمال في البلدين على تنحيتها جانبًا بعيدًا عن الملفات السياسية.

لكن العلاقات الاقتصادية المصرية التركية بدأت أقوى بصورة كانت تبشر بأرقام أعلى من الحالية، خاصة وأنها شهدت طفرة كبيرة بعد دخول اتفاقية التجارة الحرّة، الموقّعة بين البلدين عام 2005، حيز التنفيذ في 2007، إذ قفز حجم التبادل التجاري حتى الربع قبل الأخير من العام 2009 إلى حوالي 2.8 مليار دولار، وفقًا لما يذكره موقع وزارة الخارجية المصرية.

وعلى الرغم مما ورد في مجمل حديث الرئيس التركي، إلا أن كرم سعيد الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية يتوقع  حدوث انفراجة نسبية في العلاقات السياسية، خاصة بعد ترأس علي يلدريم للحكومة التركية، أو على أقل تقدير تجميدها على ما هي عليه، بصورة تحول دون مزيد من التدهور.

ويدلل "سعيد" على صحة توقعه بشواهد منها تصريحات وزير الخارجية التركي عن أهمية العلاقة مع القاهرة، و"رغبة" رآها لدى الجانبين "في أمور رمزية"، منها مصافحة وزيري خارجيتيهما على هامش قمة عدم الانحياز الشهر الماضي، ولقاء وزيري العمل فيهما على هامش قمة العشرين.