"كلب بلدي".. عندما نستجيب لنداء الطبيعة

منشور الثلاثاء 13 سبتمبر 2016

أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد.. أسماء حفرت لنفسها مكانًا في تاريخ الكوميديا المصرية بعد عناء ومثابرة يحسدون عليها، قدموا نموذجًا مُحفزًا  لأي فنان مؤمن بنفسه وبقدراته، ويريد أن يوصل موهبته إلى الناس عبر وسائط الفن المختلفة.

الثلاثي الذي بدأ مسيرته بمجموعة من الأفلام القصيرة الكوميدية الساخرة "بارودي" كانوا ينشرونها على شبكة الانترنت ببداية القرن الحالي، أصبحوا، الآن، نجومًا بعد خمسة عشر عامًا من الكفاح.

يؤلف الثلاثي أفلامه ويُمثل فيها أيضًا، وفي موسم عيد الأضحى الحالي يوجد ثلاثة أفلام من تأليف الثلاثي، يقومون ببطولة اثنين منهم، من أصل ستة أفلام هي حصيلة موسم العيد.

يقوم أحمد فهمي ببطولة فيلم "كلب بلدي" ويقوم شيكو وهشام ماجد ببطولة فيلم "حملة فريزر" بالإضافة إلى فيلم "عشان خارجين" الذي ألفه هشام ماجد ومن بطولة حسن الرداد وايمي سمير غانم.

نحن أمام ثلاثة أصدقاء ينفصلون، لأول مرة، في حياتهم الفنية منذ أفلامهم القصيرة الأولى "رجال لا تعرف المستحيل" و"وحيد القرن والمصباح السحري" مرورا بـ"ورقة شفرة" وأخيرا الثلاثية التي رسخت وجودهم السينمائي "سمير وشهير وبهير" و"بنات العم" و"الحرب العالمية الثالثة".

 

 

شيكو واحمد فهمى وهشام ماجد

خلطة الثلاثي السحرية

القالب الذي يجمع كل أفلام الثلاثي تمتزج فيه الكوميديا بالخيال العلمي، وهو أمر لم تحد عنه أفلام العيد الحالي، وسأكتفي هنا بالحديث عن فيلم أحمد فهمي "كلب بلدي" لأنه الأكثر إبداعًا من ناحية القصة والسيناريو بشكل عام.

الفيلم يتناول قصة روكي "أحمد فهمي" الذي تركته أمه "دينا محسن – ويزو" في الشارع لترضعه وتتولى تربيته "كلبة بلدي" حتى تعود أمه الآدمية التي تعمل بالسرقة.

بعد عودة أمّه، يُصبح لروكي زوج من الأمهات، آدمية لصّة والكلبة التي أرضعته، ليعيش حياتين مختلفتين؛ حياة آدمي وحياة كلب.

من ناحية أخرى، يسعى ضابط شرطة  "أحمد فتحي" لاستعادة ثقة رؤسائه، مُحاولاً الكشف عن مخطط للسيطرة على المصريين، يتزعمه عالم شرير  يُدعى وردة "أكرم حسني"حيث يقوم بلصق طوابع بريدية على "قفا" المصريين للسيطرة عليهم.

ويساعد "روكي" ضابط الشرطة للقضاء على مخطط "وردة" الذي يهدف لسلب حرية المصري/ الإنسان.

الفيلم يشارك في بطولته حمدي مرغني وندا موسى ومحمد سلام ومحمد ثروت وطبعا بيومي فؤاد، وتصوير مصطفى فهمي، ومونتاج سلافة نور الدين وإنتاج نيوسينشري وإخراج معتز التوني، الذي أخرج الفيلم الأعلى في إيرادات عيد الفطر الماضي "جحيم في الهند".

 

جحيم في الهند

في هذه القصة، نلاحظ تطورًا كبيرًا في استخدام الخيال العلمي في الأفلام الكوميدية، وهو ما ميز أغلب أعمال الثلاثي إلا أن الحالة العامة للفيلم تبين أنها تختلف كثيرا عن أفلامهم السابقة؛ من ناحية أن الهدف من الخيال العلمي هنا ليس مجرد خلق حالة من الغرائبية عبر وضع الأبطال في مكان أو زمان أو وسيط مختلف عن وسيط الشخصيات؛ وبذلك تحدث مواقف تستطيع أن تجتذب ضحكات الجمهور في صالات العرض، وهو المطلوب من هذه النوعية من الأفلام التي لا تهتم مطلقًا بجودة الفنيات من ناحية التصوير والمونتاج والإخراج.

المجد لابن الكلب

ركز صناع الفيلم على التقابل بين الجزء الحيواني الوحشي في الإنسان المتمثل في "روكي"، والجزء الرقيق في الإنسان المتمثل في "وردة" والمفارقة تكمن هنا في أن الجزء الحيواني هو الخير بينما الجزء الرقيق هو الشرير في الفيلم.

واسم روكي في حد ذاته يعبر عن هذه الغلظة؛ حيث أن "روكي" ليس مجرد اسم شهير يطلق على الكلاب التي يرتجي فيها أصحابها أن تكون كلابًا متوحشة؛ ولكنه أيضا يذكرنا بسلسلة أفلام "روكي" التي ظهر فيها كلب يصاحب البطل دائما، وقام ببطولة السلسلة وكتابتها وأحيانا إخراجها النجم الأمريكي سيلفستر ستالون المفتول العضلات، الذي غيّر رؤية السينما الأمريكية والعالمية للبطل في منتصف السبعينيات، حينما نجح فيلمه هذا في جني ملايين الدولارات في دور العرض ليكون "فاتحة خير" على مجموعة من الممثلين الآخرين مفتولي العضلات مثل أرنولد شوارزنيجر وغيره؛ الذين يختلفون تماما عن صورة البطل الوسيم التي كانت سائدة في أفلام هوليود قبل "روكي".

من ناحية أخرى، نجد اسم الشرير في الفيلم "وردة"، والورد مخلوق رقيق وهش ذو شكل ورائحة عطرة تنجذب إليها أعين الناس وقلوبهم ليستمتعوا بجمالها، وهو، أيضًا، اسم أنثوي في الأساس لا يليق أبدا باسم مجرم صاحب عقلية تآمرية تريد أن تسيطر على العالم كله؛ ولكنها مفارقة تتبعها أيضا الأفلام الكوميدية الأمريكية، خاصة مع الأداء الذي يتسم بالرقة الذي قدمه المذيع أكرم حسني الشهير بـ"سيد أبو حفيظة".

 

روكي

مفارقة أخرى نجدها في فكرة العلاقة بين الآباء والأبناء في الفيلم، حين نقارن علاقة "روكي" بأمه الكلبة الطيبة، وعلاقته بأمه الآدمية التي تريد إجباره على السرقة، وتدفعه بالفعل لاستغلال سماته "الكلبية" التي ورثها عن أمّه الكلبة للوصول إلى مخابئ الأموال والمجوهرات لسرقتها.

ويتشابه هذا الأمر مع حال زبرجد "ندا موسى" التي يحبها البطل، حيث صرحت له بأن لديها زوج من الآباء هي الأخرى؛ أب خرجت من صُلبه، وآخر قام بتربيتها.

أمّا ضابط الشرطة، الذي فشل في مهامه لسنوات طويلة؛ لدرجة أنه ما زال يحمل رتبة ملازم رغم مرور عشرات الأعوام على تواجده بالخدمة، فتربطه بابنيه علاقة مرتبكة، حيثُ قررا الالتحاق بكلية الشرطة، وتجاوزاه في الرُتبة وأصبح ورده يعمل تحت إمرتهما.

وقاما، بسبب فشل والدهما، بطرده من الخدمة الشرطية لينتقم منهما ويُطلق زوجته.

ولا نستطيع نسيان علاقة "وردة" بابنه، حيثُ كان يعامله بطريقة خشنة؛ تختلف تماما عن طريقة تعامله مع "نور" الدب الأبيض الضخم الذي يربيه ويعامله برقة شديدة ويلبي له كل طلباته، وكأن الدب هو الابن الشرعي له لا هذا الطفل الآدمي الذي يرهب القصص والكوابيس المرعبة.

إضافة إلى التأكيد على تحلل "منظومة العائلة" يشتبك الفيلم أيضًا مع "المنظومة الدينية" منذ أول مشهد، حين يقوم إمام المسجد "محمود الجندي" بطرد بطل الفيلم "روكي" من المسجد بحجة أنه "ابن كلبة" وبالتالي فهو ينجس المسجد، على الرغم من أن "روكي" قد حضر إلى المسجد داعيًا الله أن يرشده السبيل القويم بعيدًا عن سبيل أمه اللصة، محاولاً الاستعانة برأي الشيخ الذي حكى له قصته فما كان منه إلا أن طرده "طرده الكلاب" حيث ركض خلفه المصلون محاولين ضربه لنيل الثواب!

الزومبي يتكاثرون بشوارع مصر

استخدم كاتبا القصة والسيناريو أحمد فهمي وشريف نجيب أيضا إفيه "مختوم على قفاه" داخل حبكة الفيلم بشكل جيد؛ والمختوم على قفاه، وفقًا للمعني الدارج، هو الشخص الذي تم استغلاله واستغفاله، وهو ما يشير إليه الفيلم حينما يستخدم "وردة" الطوابع البريدية التي يتم "لطعها" على قفا المصريين فيفقدوا إراداتهم الحرة ويصبحوا عبيدا له.

ويستطيع "وردة" بتلك الحيلة السيطرة عليهم وتوجيههم في مؤامراته التي من ضمنها نشر هذا الفيروس عبر "لطع" الآخرين على قفاهم، ثم التحكم في عقولهم ونفوسهم.

ويرى صناع الفيلم أن المخرج الوحيد من هذه المؤامرة، هو العودة إلى الجزء الحيواني الطبيعي في الإنسان الذي لم يتأثر سلبيًا بعد بالحضارة والثقافة التي أفرزت شخصا شريرا وجشعا مثل العالِم المستبد "وردة".

المخرَج الوحيد يتجلى في "روكي" ابن الكلبة وهو الشخص الوحيد القادر على إنقاذ المصريين والبشر جميعا من مخاطر الحضارة (منظومات العائلة والدين والسياسة) التي تسلب إرادتنا وتجعلنا جميعا كـ"الزومبي"؛ نمشي في الشوارع بلا إرادة بينما يتحكم فينا أناس خفيون يجلسون على مقاعد وثيرة ويحددون عبر جهاز تحكم عن بعد مصيرنا ومصير بلادنا. الحل هو.. نبذ الحضارة والعودة إلى الطبيعة.