سامح شكري، وزير الخارجية المصري

تعامُل الخارجية المصرية مع انتقادات الصحف العالمية.. ردود مطولة واتهامات بالتشويه

منشور السبت 20 أغسطس 2016

نشرت مجلة "الإيكونوميست" الاقتصادية البريطانية، في عددها الصادر اليوم، رد وزارة الخارجية المصرية على مقالات نشرتها في عددها السابق، تحت عنوان "تخريب مصر"، وهو الرد الذي كتبه المتحدث الرسمي باسم الوزارة، المستشار أحمد أبو زيد، ونشره على مدونة وزارة الخارجية، والتي أعلنت الوزارة في 23 أغسطس/ آب 2015، إنشاءها لتعزيز التواصل مع العالم الخارجي.

وذكرت وزارة الخارجية في بيان نشرته بصفحتها الرسمية على "فيسبوك"، اليوم، أن المجلة الاقتصادية نشرت في الجزء المخصص لرسائل القراء الموجهة لهيئة تحرير المجلة مقال "أبو زيد"، الذي يردّ على "مقالاتها المتهكمة على مصر ورئيسها بأسلوب غير موضوعي"، والتي رأت الوزارة أن المجلة أفردت لها صفحات كثيرة.

ولا يُعد مقال "أبو زيد" للمجلة البريطانية، الوحيد من نوعه، إذ تحرص وزارة الخارجية المصرية على الرد المطوّل على ما يُذكر من انتقادات موجهة لمصر في الصحافة العالمية، وذلك بمقالات تتسم أغلبها بتوجيه اتهامات مضادة للصحافة الدولة من قبيل "التشويه والفهم الخاطئ وغياب الموضوعية"، ولا تقتصر تلك الردود على الانتقادات الاقتصادية فقط كما كان الحال مع "الإيكونوميست، بل امتد الأمر للانتقادات الحقوقية والاقتصادية أيضًا. 

مصر والإيكونومست.. تبادل اتهامات "التخريب"

 

في عددها الصادر في 6 أغسطس/آب الجاري، نشرت مجلة "الإيكونومست" مقالًا بعنوان "تخريب مصر"، تناولت فيه الوضع الاقتصادي للبلاد، الذي اعتبرته "مترديًا" بصورة تنم عنها أمور مثل ارتفاع معدل البطالة والأسعار وانهيار العملة.

 

صورة مجلة الإيكونوميست المصاحبة لمقال "تخريب مصر"

وحمّلت المجلة مسؤولية الأوضاع الاقتصادية الحالية للنظام المصري، الذي رأته "يعيش بفضل منح الخليج والمعونات العسكرية الأمريكية"، ووجهت الانتقاد للرئيس عبد الفتاح السيسي في توجيهه أموال دافعي الضرائب للمشروعات المبالغ في ضخامتها، وأشارت إلى صفقات الأسلحة الضخمة التي ينوء بحملها الاقتصاد المصري.

بمجرد صدور عدد الصحيفة البريطانية، لم تتأخر وزارة الخارجية المصرية، وكلفت السفارة في لندن بتسليم نص مقال الرد، الذي كتبه متحدثها الرسمي، إلى هيئة تحرير مجلة "الإيكونوميست" فور نشره، ومطالبتها بنشر المقال في العدد القادم من المجلة.

جاء رد "أبو زيد" على المجلة التي وصفها بالرائدة في التحليل الاقتصادي والمالي، تحت عنوان "تخريب الإيكونومست"، إذ وجه لها انتقادات باعتبارها وجهت إهانات لشخص الرئيس المصري، واستنكر وجهة نظرها بأنه اعتلى حكم البلاد بـ"انقلاب عسكري"، واعتبرها "تتجاهل ما كان من إرادة شعبية" في إشارة لمظاهرات 30 يونيو 2013.

وأشار "أبو زيد" إلى أن مصر، رغم الظروف العصيبة التي تشهدها هي والمنطقة، تمكنت من تحقيق نجاحات اقتصادية بإطلاق مشروعات تستلزم توظيف إمكانيات عمالة ضخمة، ونفى تمامًا رؤية المجلة فيما يتعلق باعتماد النظام على إعانات دول الخليج والولايات المتحدة، التي أشار إلى تراجع مساعداتها لمصر في الأعوام الأخيرة.

 

صورة من مقال وزارة الخارجية لمجلة الإيكونوميست

واللافت للنظر، أن وزارة الخارجية تعاملت مع المجلة البريطانية بندية يشوبها شئ من الخصومة، التي بدت في إعلان الوزارة أن المجلة تعرضت للضغط حتى تنشر المقال بسبب وضع الوزارة المقال على مدونتها، إلى جانب الترويج "الموسع" لرد وزارة الخارجية في وسائل الإعلام المحلية والدولية ومواقع التواصل الاجتماعي.

ردود لاذعة على مكافحة الإرهاب واختطاف الطائرات

نشرت مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية، في يونيو/ حزيران الماضي، مقالًا عن رؤية مصر لمحاربة الإرهاب، كان مما ورد فيه أن منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، جاستن سيبريل، أعلن أن بلاده ومصر "تتباعدان بشدة في فهمهما للتطرف العنيف"، واعتبر المقال أن أحد مسببات الإرهاب في مصر هو الممارسات الأمنية للنظام، والسياسات الحكومية "القمعية" .

ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية، في يوليو/ تموز الماضي، على تلك الانتقادات بمقال عنونه بـ"الرؤية المصرية الحقيقية للإرهاب"، وقال فيه إن مقال "فورين آفيرز" يعكس "الفهم الخاطيء" لاستراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب".

ونفى "أبو زيد" صحة ما طرحه مقال المجلة الأمريكية من أن يكون السبب الرئيسي لانتشار التطرف وتجنيد الإرهابيين هو السياسات الحكومية القمعية، ودلل على ذلك باتساع النطاق الجغرافي للإرهاب وتجنيد عناصره وتنامي ما سماه ظاهرة المقاتلين الأجانب؛ ما اعتبره "يكّذب النظرية القائلة بأن السياسات الحكومية في الشرق الأوسط هي التي تؤدى إلى تفاقم التطرف وتنامي التهديدات الإرهابية ومن ثم تصديرها للغرب".

وفي مقال آخر، عقب المتحدث باسم "الخارجية" على ما أثير في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، بعد حادث اختطاف طائرة تابعة لشركة "مصر للطيران" وتوجيهها إلى قبرص، الذي وقع في 29 مارس/ آذار الماضي، والذي حذرت فيه الصحيفة البريطانية من أن مثل هذا الحادث يضع أمن الطيران في مصر تحت التدقيق المتزايد.

 

مقال "فورين آفيرز"

وانتقد "أبوزيد"، في مقاله، الصحيفة، ووصف ما نشرته عن الحادث بـ"الادعاءات"، وأبدى تعجبه من نشرها قائمة حوادث خطف طائرات تابعة لشركة مصر للطيران، وقال إنه لا يمكن تفهم الدوافع التي ترمي إلي اعتبار قيام ركاب بإصدار تهديدات فارغة بشكل متقطع علي مدار عقدين من الزمان بمثابة داعٍ للتدقيق في أمن الطيران المصري.

وأكد "أبو زيد"- في رده الذي احتوى انتقادات لاذعة- أن مثل تلك الحوادث ليست مقتصرة على مصر فقط، ووجه اللوم لهيئة تحرير الصحيفة البريطانية بقوله "إن كان هناك إجراء أمني يمكن اتخاذه لمنع الركاب غير المستقرين نفسيا من توجيه التهديدات الفارغة، فيبدو أن كتاب صحيفة الإندبندنت وحدهم علي علم بهذا الإجراء".

ورأى المتحدث باسم الوزارة أن بعض الصحف- خص بالذكر "الإندبندنت"- تستمر مرارًا وتكرارًا في تصوير أي حدث بارز ينطوي على كلمة "مصر" باعتباره دليل آخر على مزاعم "عدم الاستقرار وانعدام الأمن" في البلاد

جوليو ريجيني.. الخارجية تواجه "مزاعم التشويه"

تعد قضية الأكاديمي الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثته في القاهرة- حيث يقيم لاستكمال دراسته- بعد اختفائه لأيام تزامنت مع ذكرى ثورة 25 يناير، هي القضية الأكثر إلحاحًا وإزعاجًا للنظام المصري إلى الآن، إذ ما زالت تداعياتها تلقي بآثار سلبية إلى على العلاقات الخارجية لمصر، تحديدًا مع بلده إيطاليا.

ولم تفوّت وزارة الخارجية فرصة للدفاع عن البلاد في هذه القضية، إذ ردّ "أبو زيد" على خطاب نشره عدد من الأكاديميين في صحيفة "الجارديان" البريطانية على مقتل الشاب، يتهمون فيه السلطات المصرية بالضلوع في الأمر، بقوله إنه من السابق لأوانه إصدار أحكام بشأن نتائج التحقيقات الجنائية الرسمية.

وقال المتحدث باسم الوزارة، في مقال نشره في المدونة نفسها في فبراير/ شباط الماضي، إن استباق نتائج التحقيق "ليس في صالح أحد"، وإن محاولات توجيه الاتهام للسلطات المصرية في غياب أي دليل؛ سيؤدي إلى نتائج عكسية.

 

جوليو ريجيني

وأبدى "أبو زيد" اندهاشه من أن تأتي مثل تلك الافتراضات من الأكاديميين "الذين ينبغي أن يكونوا في طليعة الملتزمين بمعايير النزاهة، والدقة والمهنية"، كما أعرب عن رفضه الكامل لما ورد في الخطاب مما سماه "مزاعم بشأن الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء في مصر"، واعتبرها تتضمن "تشويها تامًا للوضع على الأرض وتشكل تعميمًا بناء على شائعات وتشويهات متعمدة من قبل من يسعون لاستعادة موطئ قدم لهم في مصر بعد أن رفضهم الشعب"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

الإخوان "الإرهابيون".. وإغراق أنفاق غزة

في مارس/ آذار الماضي، خاطب المتحدث باسم وزارة الخارجية، صحيفة "واشنطن بوست"، بشأن مقال نشرته في الشهر نفسه عما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين "إرهابية أم تمثّل حائلًا أمام التطرف العنيف"، بتأكيده أن ذلك المقال حاول أن يوظف الرؤية السياسية لتبييض وجه "الجماعة الإرهابية".

ووجه "أبو زيد" انتقادًا لكاتب المقال، باعتباره يستغله لمهاجمة الحزب الجمهوري، على موقفه المضاد لجماعة الإخوان، في إطار السباق الانتخابي الأمريكي، وأن كاتب المقال حاول نفي الخطورة التي تتمثلها الجماعة التي وصفها بأنها "أقدم جماعة إرهابية في العالم"، واتهمها بالضلوع في اغتيال النائب العام، المستشار هشام بركات، وأكد استناد التنظيمات الجهادية الحالية مثل "القاعدة" إلى تنظيرات الإخوان.

وفي أكتوبر/ تشرين أول الماضي، ردّت وزارة الخارجية على تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن إغراق السلطات المصرية للإنفاق الواصلة بين بسيناء وقطاع غزة، بالقول إنه تقرير يدفع القاريء للتعاطف مع "المهربين" باعتبار ما يمارسونه تجارة وليس تهريبًا غير شرعيًا، وهو ما اعتبرته الوزارة يعكس محاولة لـ"تشويه الحقائق".

وأكدت الوزارة أن مصر تتخذ تلك الإجراءات، لأنها من سلطات الدول ذات السيادة ومن واجباتها تجاه الممارسات غير المشروعة، واعتبرت التقرير الصحفي الأمريكي يغض الطرف عمدًا عما تلحقه تلك التجارة غير المشروعة من أضرار بالأمن القومي المصري.

تواصلت "المنصة" هاتفيًا مع المتحدث الإعلامي باسم وزارة الخارجية، المستشار أحمد أبوزيد، للوقوف على طبيعة التعاطي المصري مع الانتقادات الدولية، إلا أنه رفض التعليق، وأكد أن البيانات الصادرة عن الوزارة في هذا الشأن كافية.