مترجم | من بنك الحظ إلى بوكيمون جو.. ألعاب غيرت ما نعرفه عن العالم

منشور الخميس 4 أغسطس 2016

آروى مهدوي

مترجم عن الجارديان


 

في ليلة السبت كنت أقف في "بار" مزدحم وأتحدث إلى رجل يرتدي كأنه "بوكيمون"، كنا في جولة شرب بين البارات ونحن نلعب "بوكيمون جو" Pokemon Go، وهذه الجولات صارت تجتذب المئات، وفي بعض الأحيان الآلاف من المشاركين؛ إنها مجرد عَرَض من ضمن الأعراض الغريبة العديدة لحمي البوكيمون: وهو الهوس الذي أصاب جانبًا كبيرًا من المجتمع. 

إذا لم تكن أُصبت بالهوس الذي أصاب العديدين من لعبة "بوكيمون جو" فربما تشعر بالضجر من العناوين الرئيسية التي تتحدث عن اللعبة ومن النكات التي تقال عنها. ولكن بدلًا من أن يستثيرك شخص آخر يرتدي زي بوكيمون أدعوك أن تنضم إليّ في لعبة واقعية توضيحية تدعى "بوكيمون جو: البحث عن منظور اجتماعي تاريخي". لنتجول بين الفقرات ونجمع النقاط ونحن نستكشف آلاف المعاني وراء هذا الجنون الأخير. هل أنتم مستعدون؟ دعونا نبدأ.

السرعة التي تحولت بها لعبة "بوكيمون جو" من مجرد لعبة على الهاتف إلى ظاهرة ثقافية تذكرنا بأن الألعاب تعكس العالم وتشكله بطرق كثيرًا ما نتجاهلها. أشهر الألعاب في أي عصر يمكنها أن تمثل معالم ثقافية، وتشير إلى التغيرات في المعتقدات والسلوكيات. على سبيل المثال وُصفت لعبة تويستر Twister بأنها "الجنس في صندوق"، إذ أنها اُبتكرت أثناء الثورة الجنسية في الستينيات من القرن العشرين. أما لعبة تيتريس Tetris، التي صدرت عام 1984، فكانت بشكل حرفي منتجًا لروسيا السوفيتية، ولعدة سنوات امتلكت الدولة حقوق اللعبة. بالنسبة للجمهور الأمريكي كانت كُتل "تيتريس" ذات النمط المعماري الوحشي "بازل" جذابًا وتمثيلًا لتوترات الحرب الباردة. في مقال بجريدة "شيكاجو تريبيون" الأمريكية، يعود إلى عام 1988، قيل إن اللعبة تدفع الناس إلى إدمانها بشكل كبير لدرجة تجعلك تتساءل "أليست بالفعل جزءًا من مؤامرة شيطانية تحيكها إمبراطورية الشر لتقلل من إنتاجية العمال في الولايات المتحدة".

 

لعبة تيتريس

لا تعكس الألعاب الماضي فحسب، إنما تقدم لمحة عن المستقبل. يقول جامين وارين، مؤسس شركة فنون وثقافة الفيديو جيم "كيل سكرين" Kill Screen: "إذا انتبهنا للألعاب سنجدها تكتب المسودة الأولى في تاريخ الإنسانية. هناك العديد من الأمثلة لألعاب توقعت مسبقًا تبني قوانين السوق. الألعاب كانت أول شيء جعلنا نتفاعل بشكل ديناميكي مع شاشة التلفزيون. قادت الألعاب تبني الناس للواقعية الافتراضية، كانت الألعاب هي المحرك المبكر للشبكات الاجتماعية.. وبغض النظر عن إمكانية أن تصمد لعبة بوكيمون جو إلى نهاية الصيف، فإنها الآن أول حالة استخدام عالمية للواقع المُعَزّز Augmented reality".

ربما لا يكون من المفاجيء أن تكون الألعاب محفزة للتبني الواسع للتكنولوجيا الجديدة؛ كانت دومًا طريقة لإقامة الجسور بين الاختلافات السائدة. استعنا بها لنتواصل مع بعضنا قبل وقت طويل من وجود اللغة المكتوبة. يشير دكتور إيرفينج فينكل، القيم على المتحف البريطاني والمرجع في الألعاب القديمة، إلى أن الآثاريين وجدوا أدلة على أن الألعاب اللوحية Board Games وُجدت قبل 7 آلاف سنة قبل الميلاد، أثناء حقبة العصر الحجري الحديث. يقول فينكل إنه من المستحيل أن تجد ثقافة خالية من الألعاب. إنها "نشاط إنساني عالمي وشيء يوحد البشرية".

 

الأزمنة الصعبة

 

 

الألعاب يمكن أن تكون مفيدة خاصة في الأزمنة الصعبة. وفقًا للمؤرخ اليوناني القديم هيرودوت، فقبل آلاف من السنين كانت هناك مجاعة بشعة في أرض ليديا. ولكن أهل ليديا كانوا أناسًا ماهرين؛ لم تقدم لهم الحياة بوكيمون، بالتالي ابتكروا لعبة زهر، ولعدة سنوات، صرفوا انتباههم عن الجوع والألم عن طريق اللعب. من الممكن أن تكون الأخبار السيئة المتداولة في الشهور الأخيرة عاملًا في نجاح "بوكيمون جو". في الوقت الذي يبدو فيه الواقع قاتمًا، لا نتعجب من ترحيب الناس بفرصة إضافة القليل من السحر عليه.

ولكن نجاح "بوكيمون جو" لا يمكن إرجاعه ببساطة إلى طبيعة الملايين المنتمين إلى جيل الألفية الجديدة الذين يعبثون بأجهزة الآيفون بينما يرون العالم يحترق. يمكن للألعاب أن تكون شكلًا من الهروب، ولكن قوة الألعاب الحقيقة تكمن في كونها أداة للتواصل. تقول ماري فلاناجان، أستاذة الإنسانيات الرقمية في كلية دارتموث: "قدمت الألعاب على الدوام مصطلحات ومساحات مشتركة لإقامة الروابط بين الناس، أتاحت الألعاب اللوحية المبكرة لكل الناس أدوارًا ليلعبونها، وزمانًا ومكانًا للحديث عنه. اُستخدم الشطرنج كوسيط للتودد للنساء في العصور الوسطى".

فلاناجان هي مديرة معمل تيلتفاكتور Tiltfactor، الذي يصنع ألعابًا تهدف إلى التغيير الاجتماعي. استغلال ميزات التفاعل والانغماس في الألعاب لتغيير العقول والسلوكيات، هو مجال يتوسع بشكل متسارع وسط الاهتمامات البحثية؛ ولكنه أمر متأصل في تاريخ الألعاب. على سبيل المثال، كانت لعبة مونوبولي Monopoly (المعروفة في العالم العربي ببنك الحظ) تدعى في البداية "لعبة مُلّاك الأراضي" Landlord’s game، واُبتكرت في بداية القرن العشرين لتُعرّف الناس باللا مساواة الاجتماعية. كتبت مبتكرتها إليزابيث ماجي في إحدى المجلات السياسية: "إنها تعبير عملي عن نظام الاستحواذ على الأراضي القائم، بكل نتائجه وعواقبه. أرجو أن يكتشف الناس في وقت قريب أن فقرهم يرجع إلى رجال أعمال من أمثال كارنيجي وروكفيلر، الذين ربما يملكون أموالًا أكثر مما يعرفون ما الذي يمكن أن يفعلوه بها".

لعبة مونوبولي

اشتهرت لعبة "مُلّاك الأراضي" بين المثقفين اليساريين، ولكن في العقود القليلة التالية ظهرت نسخ أقل تعليمية للعبة. يبدو أنه خلال الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات من القرن العشرين، اهتم الناس أكثر بأن يلعبوا دور المحتكرين لا أن ينتقدوا الاحتكار. في عام 1935، اشترت شركت باركر براذرز Parker Brothers (وهي فرع لشركة هاسبرو Hasbro حاليًا) حقوق نسخة من اللعبة ابتكرها تشارلز دارو، وتحولت إلى اللعبة التي نعرفها اليوم: أرض تدريب لأمثال  ترامب. للمفارقة، التي ربما تكون حتمية، فلعبة "مُلّاك الأراضي" ابتلعتها البنى المتسلطة التي كانت اللعبة تنتقدها. مع رواج اللعبة، التي باعت أكثر من 250 مليون نسخة في أنحاء العالم، نُسيت مبتكرتها المرأة، واحتكر رجل المجد والربح. قصة "مونوبولي" تعبير عملي عن الطريقة التي تستحوذ بها الرأسمالية على العقول وليس فقط الأراضي، وعن الطريقة التي تستخدم بها نقادها، والطريقة التي تحوّل بها الثقافة المضادة إلى ثقافة استهلاكية.

إذا كانت الألعاب تكتب المسودة الأولى من التاريخ بالفعل، فربما الرأسمالية التي ترى الجشع أمرًا طيبًا والتي تعتبر "مونوبولي" نموذجًا مصغرًا لها، تشهد أيامها الأخيرة. طوال السنوات العشر الماضية، انتشرت لعبة ألمانية باسم "مستعمرو كاتان" The Settlers of Catan على حساب لعبة "مونوبولي". الهدف من "كاتان" - والتي حصلت على متابعة كولتية Cult بعد إصدارها عام 1955، ولكن تصاعدت شعبيتها عام 2008 – هو بناء مستعمرات في جزيرة متخيلة؛ إنها "مونوبولي" مناسبة لجيل موقع آير بني إن بي Airbnb لمشاركة المسكن حول العالم. تتطلب اللعبة تقديم يد العون وتلقيها؛ ليس الهدف هو الاستحواذ المجنون على الموارد ولكن التجارة الإستراتيجية مع اللاعبين الآخرين. إنه اقتصاد مشترك بداخل صندوق؛ الرأسمالية ترتدي زي التعاون في عالم يتشابك بشكل متزايد. لا عجب إذن أنها اللعبة المفضلة بين التقنيين، أحد العاملين بسيليكيون فالي وصفها بأنه حلت محل لعبة الجولف بالنسبة إليهم. 

لعبة كاتان

نجاح لعبة "كاتان" – باعت 23 مليون نسخة في أنحاء العالم – جاء وسط إحياء واسع للألعاب اللوحية. ربما يتجه العالم إلى المنتجات الرقمية بشكل متزايد، ولكن من الواضح أننا ما زلنا نشتاق للتفاعل المباشر. يقول صانع الالعاب اللوحية جيل هافا: "(كاتان) تقوم بنوع من التوازن إذ تمثل الإيجابي في مقابل سلبية ألعاب الفيديو"، ويضيف أن "كاتان" ليست مجرد لعبة "مادية"، إنما هي لعبة يمكنك بناءها ماديًا؛ تُرتَّب لوحة اللعب – التي تتكون من 19 قطعة – مع كل دور جديد، وهي أيضا لعبة اجتماعية تمامًا، لا تلعبها بطريقة سلبية وتنتظر دورك، إنما عليك أن تتفاعل مع اللاعبين الآخرين طوال اللعبة.

 

إصبع وسطى في وجه النظام

 

استجابت ظاهرة أخرى للثقافة الرائجة لحاجتنا المستمرة للتفاعل مع العالم الحقيقي، وهي لعبة "كروت ضد الإنسانية" Cards Against Humanity. والتي أُطلقت عام 2011، اللعبة التي تحمل العنوان الوصفي "لعبة جماعية للناس البشعين" تحولت من الهوس النخبوي إلى النجاح السائد. وهي الآن في قائمة الأكثر مبيعا على موقع آمازون.

تتطلب اللعبة إكمال مقولات على الكروت مع تركيبات جُمل متجاوزة أخلاقيًا وغير مناسبة سياسيًا. يختار اللاعبون الذين يتبادلون الكروت أكثر التركيبات طرافة، هذا يعني أنه من الأفضل أن تمارس اللعبة مع أناس تعرفهم جيدًا، لأن الفوز يتطلب أن تكتشف مَن مِن بين أصدقائك سيضحك على النكات البيدوفيلية.

ترفع "كروت ضد الإنسانية" إصبعها الوسطى في وجه النظام. أخبرني ماكس تيمكين، واحد من مبتكري اللعبة، في حوار على الهاتف أنه بدأ العمل في اللعبة مع سبعة من أصدقاء طفولته أثناء إنهاء تعليمهم الثانوي في حوالي عام 2006، وذلك أثناء حكم الرئيس جورج بوش: "كان المناخ السياسي في الولايات المتحدة كئيبًا، كان يبدو أن العالم يجن ، كنا نشعر أنه من جهة السياسة فهناك سوء لاستخدام السلطة، ولا يوجد شيء يؤدي لأي معنى، لذلك رأينا أنه من المفيد والمخرب أن نسخر من بنية اللغة ذاتها".

من لعبة كروت ضد الإنسانية

مع تغير السياسة كذلك تغيرت لعبة "كروت ضد الإنسانية". صارت عليمة أكثر، على الرغم من أن البعض سيطرح أنها ليست عليمة بما يكفي. سواء كانت لعبة مخربة أو مجرد لعبة غبية فهذا أمر تختلف فيه الآراء. ولكن لا يمكن أن ننكر أنها مست وترًا حساسًا. تعكس اللعبة الدافع الحديث للسخرية بدلا من الإصلاح؛ وعكست بطريقة ما فكرة أن جيل الألفية الجديد يستجلب الأخبار بشكل متزايد من الكوميديانات الساخرين مثل جون أوليفر أو برنامج ذا ديلي شو. لأنه لا يبدو أنه بالإمكان إيقاف احتراق العالم، فنحن بدلًا من ذلك نقوم بالتغريد عنه. يسخر تيمكين قائلا: "سيكون من المدهش لعملنا أن يُنتخب دونالد ترامب. ستكون سنوات أربع رائعة للكوميديا ولكنها سنوات أربع بشعة للديمقراطية".

بينما تظهر "كروت ضد الإنسانية" يأس هذا الجيل الذي يرتدي قناع السخرية. تمثل "بوكيمون جو" استعادة عاطفية للماضي. يدين نجاح اللعبة بشكل كبير لفيض النوستالجيا لدى جيل الألفية الجديدة الذي ارتبط البوكيمون بطفولته.

على سبيل المثال فباتريك الذي يرتدي زي البوكيمون في جولة البارات التي ذكرتها لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، وهو أكبر بعام واحد فقط من الشركة نفسها، التي انطلقت عام 1995 بلعبة على الجيم بوي وتفرعت إلى تجارة الكروت وبرامج التلفزيون والأفلام والألعاب والكتب – وبناء جيش من المعجبين الأوفياء. هؤلاء الأوفياء يحملون الآن هواتف ذكية وبطاقات ائتمان وربما يشعرون بأعراض الضجر السريع.

جذبت اللعبة أيضا مجموعة جديدة من المعجبين بالبوكيمون، يمكن إجراء دراسة حالة عليهم لمعرفة كيفية انتشار جاذبية شيء بعينه في العصر الحديث. تقنية الواقع المعزز تجعلك ترى البوكيمون المتخيل، الذي تحاول أن تمسك به من خلال الهاتف، وكأنه موجود في الواقع؛ فقد يطفو على كأس في البار أو يحط على كتف صديقك. هذا الذي يؤدي إلى نشر الصور المتعلقة بالبوكيمون بغزارة، هذا الذي ولّد بدوره الكثير من الصور الساخرة. ولأن اللعبة تتطلب منك أيضًا أن تخرج وتستكشف وأن يتجمع اللاعبون عند معالم بعينها، انتشرت اللعبة في العالم الواقعي. وفي الحقيقة دمجت اللعبة العالمين الواقعي والافتراضي، هذا الذي يميز الألعاب باعتبارها أول مسودة للتاريخ. ومع مرور الزمان، يمكننا أن نتوقع ألا يتمايز العالمين الرقمي والمادي.

ولكن في النهاية، فـ "بوكيمون جو" ليست علامة على أن الواقع المعزز سيغير من مستقبلنا بقدر ما هو تذكرة بأن الألعاب تغير العالم باستمرار. وسواء قدمت الألعاب هروبًا تماثليًا analog أو تسرية رقمية Digital، فهي أضافت إلى واقعنا لآلاف السنوات.