يورجين كلوب المدير الفني لليفربول الإنجليزي

كلوب وليفربول.. محاولة إنعاش بأقل تكلفة

منشور الأحد 7 أغسطس 2016

كيف تبني فريقًا يُنافس على الألقاب، محليًا وقاريًا، دون إنفاق مئات الملايين؟.. سؤال، أجاب عنه قبل 8 أعوام، مدرب، لم تعرف مسيرته كلاعب إنجازًا بارزًا، جاء من غرب ألمانيا، من على ضفاف نهر الراين، يورجين كلوب، ابن مدينة ماينتس.

يحاول كلوب، الذي حقق نجاحات كبيرة مع بوروسيا دورتموند بين عامي 2008 و2015، تكرار التجربة نفسها مع فريق ليفربول الذي تولى قيادته رسميًا منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ورغم صعوبة التحدي، في ظل تزايد نفقات أندية الدوري الإنجليزي في المواسم الأخيرة، إلا أن المدرب الألماني يثق في فلسفته: "الأندية المنافسة تنفق أموالاً كثيرة لجلب لاعب متميز؛ أمّا أنا فأمتلك طريقتي الخاصة".

رحلة بوروسيا

احتفاله الصاخب بالأهداف، انفعاله مع كل فرصة يُهدرها أحد لاعبيه، يعكسان جانبًا من شخصية كلوب، المدُرب المُتّقد الذي لا يعرف الهدوء طريقًا إليه خلال الحصص التدريبية أو المواجهات الودية والرسمية ورغم ذلك، فإن كلوب يبدو رصينًا ومتمهلاً للغاية حين يتعلق الأمر بـ"بناء الفريق" وضم لاعبين جدد إلى صفوفه.

بعد تعيينه مديرًا فنيًا لبوروسيا دورتموند في مايو /آيار 2008، بدأ كلوب مشروعه الجديد بسياسة تتسق مع قدرات النادي المالية، كانت الميزانية محدودة، والفريق يحتاج دعمًا في مراكز كثيرة.

عيناه تلتقط المواهب الواعدة، تلك التي تحتاج لمسات قليلة حتى تلمعُ وتجذب الأضواء، لم يتجاوز إجمالي نفقات بوروسيا في هذا الصيف 14 مليون يورو، ضم العديد من اللاعبين أبرزهم الصربي نيفين سوبوتيتش من ماينتس (مقابل 4.5 مليون يورو) والمصري محمد زيدان من هامبورج (مقابل 2.8 مليون يورو) واكتشف المدافع فيليبي سانتانا من الدوري البرازيلي في صفقة لم تتجاوز قيمتها 2.4 مليون يورو.

قبل قدومه احتل الفريق المركز الـ13 في الدوري تحت قيادة "توماس دول" في موسم (2007-2008)، وبعد أول موسم لكلوب قفز بوروسيا إلى المركز السادس في الترتيب.

جاء الصيف التالي، استمر المدرب الألماني في السياسة نفسها، ضم لاعبين متميزين بأموال قليلة، تعاقد مع ماتس هوميلس من بايرن ميونيخ، وكيفين جروسكرويتز من روت فايس ألين (ينافس في الدرجة الرابعة حاليًا) وسفين بيندر من ميونيخ 1860 بالإضافة إلى لوكاس باريوس من كولو كولو التشيلي، وكان الأخير هو الصفقة الأغلي هذا الصيف بقيمة 4.2 مليون يورو.

أنهى دورتموند موسم (2009 -2010) في المركز الخامس، وتأهل إلى منافسات الدوري الأوروبي.

جنى كلوب ثمار فلسفته في الموسم التالي، ضم إلى كتيبته البولندي روبيرت ليفاندوفسكي من ليخ بوزنان مُقابل 4.5 مليون يورو، وقام بتصعيد ماريو جوتزه من فريق الشباب بالنادي، وجلب شينجي كاجاوا في صفقة انتقال حُر من سيريزو أوساكا الياباني، ولوكاس بيزيتش في صفقة انتقال حُر أيضًا من هيرتا برلين.

في نهاية الموسم كان لاعبو دورتموند يحتفلون مع مدربهم بالتتويج بلقب الدوري الألماني للمرة الأولى منذ 10 أعوام.

إلكاي جوندوجان وإيفان بيرسيتش انضما إلى "الأصفر والأسود" صيف 2011، كل منهما كلف خزائن الفريق نحو 4.7 مليون يورو.

في نهاية الموسم كان لقب البوندزليجا بين يدي كلوب ولاعبيه للمرة الثانية.

نجحت فلسفة كلوب، بنى فريقًا قويًا انتزع الألقاب بأموال قليلة؛ لكن التجربة اصطدمت بمنافس عنيد ثريّ هو بايرن ميونيخ؛ الذي أنفق أموالاً طائلة لتدعيم صفوفه كما أغرى بعض نجوم دورتموند مثل ليفاندوفسكي وجوتزه لينضما إلى كتيبته.

حاول كلوب التماسك؛ لكنّ الفوارق كانت تتسع بينه وبين البطل التقليدي للدوري، أنهى موسمي (2012-2013) و(2013-2014) في المركز الثاني خلف بايرن ميونيخ بفارق كبير من النقاط.

أوروبيًا، كان كلوب على أعتاب التتويج بدوري أبطال أوروبا في مايو/حزيران 2013 قبل أن ينتزع بايرن اللقب منه بهدف للهولندي آريين روبين في الوقات القاتل. وكان ربع النهائي آخر محطاته في دوري الأبطال في موسم (2013-2014)، وودع النسخة التالية من البطولة من دور الـ16 أمام يوفنتوس.

التجربة الإنجليزية

يبدو الصيف الحالي مقدمة لموسم استثنائي في تاريخ البريميرليج، عاد جوزيه مورينيو للمسابقة كمدير فني لمانشستر يونايتد، وانتقل جوزيب جوارديولا إلى مانشستر سيتي، واستعان تشيلسي بالإيطالي أنتونيو كونتي.

إضافة إلى هؤلاء الوافدين يتواجد المدرب المخضرم آرسين فينجر في آرسنال، وكلاوديو رانييري قائد معجزة ليستر سيتي، ورونالد كومان الذي انتقل للإشراف على إيفرتون بعد فترة مميزة مع ساوثامبتون.

وتتبارى الأندية الإنجليزية، خاصة المرشحة للمنافسة على اللقب، في إبراز قوتها المالية في سوق الانتقالات الذي يشهد ارتفاعًا واضحًا في أسعار اللاعبين.

مورينيو ضم المدافع الإيفواري الشاب إيريك بايي من فياريال الإسباني، وقدرت الصفقة بـ30 مليون جنيه إسترليني، وتعاقد مع صانع الألعاب الأرميني هنريك مختاريان من دورتموند، وقالت تقارير صحفية إن الصفقة تمت مقابل 42 مليون يورو (نحو 35 مليون جنيه إسترليني)، كما ضم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش مجانًا.

ويبدو مانشستر قريبًا من التعاقد مع بول بوجبا لاعب يوفنتوس في صفقة لن تقل قيمتها عن 90 مليون جنيه إسترليني.

أمّا جوارديولا فتعاقد مع إلكاي جوندوجان من دورتموند، والمهاجم الإسباني نوليتو من صفوف سيلتا فيجو، وليروي ساني من شالكة الألماني ويتردد أن الثلاث صفقات كلفت إدارة السيتزنز نحو 75 مليون جنيه إسترليني.

ويحاول الفريق السماوي ضم مدافع إيفرتون جون ستونز لتدعيم الخط الخلفي.

ونجح كونتي في ضم نجولو كانتي من ليستر سيتي بالإضافة إلى المُهاجم الشاب ميشي باتشواي من صفوف مارسيليا الفرنسي، وكل منهما تجاوزت قيمته 30 مليون جنيه إسترليني.

ورغم قلة نفقاته، فتح آرسنال خزائنه لجذب السويسري جرانيت تشاكا من بوروسيا مونشينجلادباخ مقابل 33 مليون جنيه إسترليني، وأعلن آرسين فينجر أنه ما زال يبحث عن وجوه جديدة في سوق الانتقالات، وتواترت أنباء عن اقتراب المدفعجية من اقتناص خدمات الجزائري رياض محرز بمقابل مادي يتجاوز 40 مليون جنيه إسترليني.

"طريقة مختلفة"

بعد مرور 8 أعوام على توليه قيادة بوروسيا دورتموند، يخوض كلوب تحديًا مشابهًا، محاولة بناء فريق قوي بميزانية أقل بكثير من منافسيه، في واقع أكثر صخبًا وضجيجًا من الدوري الألماني.

بدأ المدرب الألماني مهمته الجديدة بتحديد نقاط الضعف في فريقه، ثم بدأ العلاج بـ"فلسفته الخاصة".

أنهى ليفربول الموسم الماضي في المركز الثامن برصيد 60 نقطة، حراسة المرمى وخط الدفاع كانا أبرز نقاط الضعف.

الحارس البلجيكي سيمون مينيوليه، كان سببًا رئيسيًا في اهتزاز شباك الفريق بالعديد من الأهداف بسبب أخطائه المتكررة.

واستقبلت شباك الفريق 50 هدفًا خلال 38 مباراة في البريميرليج موسم (2015-2016) كثامن أقوى خط دفاع في المسابقة.

وفضلاً عن تذبذب مستوى المدافعين وأخطائهم المتكررة؛ فإن بعضهم تقدم في العمر، وبات غير قادر على مواكبة إيقاع المسابقة من الناحية البدنية. كولو توريه بلغ عامه الـ35، ومارتين سكرتيل على مشارف الـ32.

ما زالت البوندزليجا حاضرة بقوة في ذهن كلوب، حين قرر التنقيب عن وجوه جديدة كانت قِبلته الأولى، قرر التعاقد مع الحارس الشاب لوريس كاريوس من ماينتس مُقابل 5.3 مليون جنيه إسترليني، وضم حارس المرمى النمساوي المخضرم أليكساندر مانينجر في صفقة انتقال حر بعد نهاية عقده مع أوجسبورج.

صفقات الدفاع أيضًا جاءت من ألمانيا؛ تعاقد مع المُدافع الإستوني راجنار كلافان من أوجسبورج مقابل 4.25 مليون جنيه إسترليني، وكان قد تعاقد مُسبقًا مع الكاميروني جويل ماتيب؛ الذي انتهى عقده مع نادي شالكه بنهاية الموسم الماضي.

وتستلزم إعادة البناء التخلص من بعض الوجوه القديمة، سواءً عجز أصحابها عن إثبات أحقيتهم بالتواجد في "أنفيلد" أو تجاوزتهم خطط المدرب الألماني ولم تعد في حاجة إليهم.

قرر كلوب بيع جوردان آيب وبراد سميث إلى بورنموث، وجو آلين إلى ستوك سيتي ومارتن سكرتل إلى فناربخشه التركي، بالإضافة إلى الاستغناء عن جواو تاكسييرا وكولو توريه؛ لتحصد خزائن الريدز ما يقرب من 37 مليون جنيه إسترليني، قابلة للزيادة في حال رحيل لازار ماركوفيتش وكريستيان بينتيكي.

الصفقتان البارزتان هذا الصيف هما ساديو ماني وجورجينيو فينادلوم؛ الأولُ، جاء من صفوف ساوثامبتون مقابل 34 مليون جنيه استرليني، والثاني من نيوكاسل يونايتد، الذي هبط للدرجة الثانية، بمقابل يقترب من 23 مليون جنيه إسترليني.

وتعاقد كلوب أيضًا مع الصربي الشاب ماركو يورييتش مقابل 6 ملايين جنيه استرليني من ريد ستار الصربي في يناير/كانون الثاني الماضي، وترك المدرب لاعبه الجديد على سبيل الإعارة مع فريقه الصربي حتى بداية الموسم الجديد.

حصيلة التعاقدات حتى الآن هي 7 لاعبين بمقابل مادي تجاوز الـ70 مليون جنيه إسترليني بقليل.

وتسببت فلسفة كلوب في انتقادات متعددة للمدرب الألماني لكنّه رد بقوله: "هذا الموسم هو موسم البناء، لو أُتيحت لي ميزانيات ضخمة مثل الأندية الأخرى، سأعمل بطريقة مختلفة، نحن في مرحلة بناء فريق،  سنخصص الميزانية لدعم أغلب المراكز وليس لجلب لاعب او اثنين فقط".

وتتبقى أيام قليلة على انطلاق الموسم الجديد؛ الذي سيبرهن هل تؤتي فلسفة كلوب ثمارها مجددًا أم تفشل وتدفعه للتفكير في إنفاق مزيد من الأموال.

يُذكر أن ليفربول فاز بالدوري الإنجليزي 18 مرة آخرها موسم (1989-1990).