تصوير: بلال سالم - 1/8/2014- خاص-المنصة

غزة والجرف الصامد.. عامان على المذبحة (شهادة)

منشور الخميس 14 يوليو 2016

التاسعة صباح الأول من أغسطس/آب 2014 ، كُنا نتنقل بين جُثث الشهداء المتناثرة على الطريق المؤدي لبلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس، بعد 9 أيام من القصف المتواصل من قوات الاحتلال، تلال الرمل التي صنعتها الدبابات في منتصف الطريق منعت سيارات الإسعاف من الدخول لإنقاذ المصابين.

 

منذ اللّحظة الأولى، لم تفارقنا رائحة تحلُل جثامين الشُهداء، توغلنا داخل البلدة شاخصي الأبصار من هول ما نراه من دمار وخراب.

 

رافقني في تلك الرحلة الصديق المُصور بلال سالم، توجهنا للبلدة بعدما سمح الاحتلال الإسرائيلي لطواقم الإسعاف والصُحفيين بالدخول بعد حصارها ضمن الحرب التي أطلق عليها جيش الاحتلال اسم "الجرف الصامد" وانطلقت عقب اختطاف مستوطنين طفلاً فلسطينيًا في الضفة الغربية.

 

كرسي متحرك مُهشّم استقبلنا في بداية رحلة توثيق المجزرة، بحثنا عن صاحبه. رفعنا الركام، ظهرت آثار قريبة توضّح أن صاحب الكرسي زحف على الأرض هربًا من الدبابات، حاول الاحتماء ببناية سكنية قبل أن تباغته الجرافات وتقرر هدم المبنى فوق رأسه!

 

مرت دقائق ونحن نسير بين الركام، بدأ سكان المنطقة في التوافد، البكاءُ يخنق أصواتهم، قالوا لنا إن جنود الاحتلال نادوا على المواطنين وطُلبوا منهم الخروج من منازلهم وحدّدوا لهم ثلاثة طرق للخروج من البلدة، وطلبوا أيضًا أن يخرجوا رافعين الرايات البيضاء وأيديهم للأعلي.

 

أضافوا: "تركنا بيوتنا خلفنا، بعض أبنائنا رفض الخروج والاستسلام، وحين اشتدّت المعارك بين المقاومين والجنود المتوغلين في البلدة، كانت قوات الاحتلال تطلق النار على المدنيين الذين سلكوا الطرق التي حددها الجيش، في تلك الليلة فقط قُتل أكثر من 25 شهيدًا".

 

تابعنا التوغل داخل البلدة ونحن في حالة اختناق من رائحة الجثامين المُتحللة، نراقب طواقم الاسعاف تعمل جاهدة.

قادنا أحد الناجين إلى منزل سكني على الأطراف، دخلناه وحين وصلنا دورة المياه وجدنا 6 جَثامين لمواطنين تم تقييدهم وعصب أعينهم وإجبارهم على الجلوس لإعدامهم.

 

عائلات بأكملها تم إعدامها على قارعة الطريق، أمّا الناجون من المذبحة فكانوا ينبشون الركام باحثين عن ناجِ أو جثمان لأحد أقاربهم، أذكرُ أن إحدى الأمهات أثناء بحثها عن ابنها تعرفت عليه من ملابسه بعدما شوّه الرصاص كل ملامح وجهه.

 

قذائف الاحتلال أجبرتنا على مغادرة البلدة، توجهنا جنوبًا صوب رفح، لم نكن نعلم بما يجري حولنا ومع انقطاع بث الإذاعات وعدم إمكانية استخدام الهواتف المحمولة انقطعت الأخبار.

في المستشفى الأوروبي الواقع بين مدينة رفح وخان يونس؛ وجدنا مذبحة أُخرى يرتكبها الاحتلال.

 

كانت طائرات العدو تقصف كل شيء حي، النساء والأطفال والرجال والشيوخ، حتى البهائم لم تسلم، كنا نركض هاربين من الموت حين دخلنا المستشفى الأوروبي وعرفنا حينها أن السبب في هذا الهجوم العنيف هو أن الاحتلال فقد ضابطاً آخر في مدينة رفح.

في غزّة، كان الوضع أسوأ بكثير، ما زالت المشاهد حاضرة في ذهني حتى اليوم، جثامين في كل الأرجاء، صراخ ونحيب، ألم ودمار.

 

مرّ عامان على الذكرى الأليمة التي عشتها ووثقتها بنفسي، عامان وكل التفاصيل ما زالت حاضرة مهما حاولت تجاوزها.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.