"شاومينج.. مقاومة قد لا تقف عند تسريب الامتحانات

منشور الجمعة 1 يوليو 2016

كعادتها منذ عامين، فوجئت الحكومة في مصر بتسريب امتحانات الثانوية العامة عبر صفحة شهيرة على فيسبوك، تنشر الامتحانات قبل توزيعها على اللجان. وبينما ارتبكت الحكومة في التعامل مع المفاجأة المتكررة، كان اسم "شاومينج" الذي اختاره مؤسس أو مؤسسو الصفحة يلمع، ويُنظر له البعض باعتباره "روبن هود" إلكتروني، يكسر احتكار ذوي النفوذ للتسريبات، ويجعلها حق للجميع.

تتكرر تسريبات الامتحانات إلكترونيًا منذ عدة سنوات، إلا إن التسريب كان يحدث عفويًا وبشكل غير مُنظَّم. ولم يكن "ظاهرة" قاصرة على مصر وحدها، بل يتكرر في بعض الدول المجاورة كلبنان والمغرب، وهذا العام الجزائر.

الظهور الأول لبطل هذه القصة؛ "شاومينج"، كان عبر حساب شخصي على تويتر في 2014- عام تنصيب السيسي- مع بدء امتحانات الثانوية العامة في يونيو/حزيران من ذلك العام. ليبدأ في ممارسة هوايته في التسريب.

 سرعان ما انتقل شاومينج إلى الفيسبوك، ولاقى نشاطه قبولاً واسعًا بين الطلاب، لسهولة الاعتماد عليه باستخدام بعض الحيل الصغيرة داخل لجان الإمتحانات. ورغم اهتمام الصحف على نطاق واسع بنشاط صفحة – أو صفحات- شاومينج خلال إمتحانات الثانوية العامة عام 2015؛ إلا أن الشهرة الأكبر حازها شاومينج مع إمتحانات العام الحالي 2016، التي ظهر وكأنه أعد لها جيدًا. فاستطاع أن يُسرِّب معظم الامتحانات منذ اليوم الأول، وتسبب في إلغاء وتأجيل بعضها. الأكثر أن "شاومينج" أصبح اسمًا تجاريًا تنتحل صفته بعض الصفحات بهدف تحقيق الإنتشار.

 ورغم تكرار وقائع الإعلان عن القبض على "شاومينج" في 2014، 2015، وهذا العام أيضًا؛ تستمر التسريبات بلا توقف، ويستمر القائمون على الصفحة في إخراج ألسنتهم للأجهزة الأمنية وللسلطات التنفيذية. وظهر النظام المصري بحكومته وأجهزته "الخارقة "، بمظهر الفريسة السهلة، غير القادرة على مقاومة التسريب أو التعرف على شخص الُمُسرِب " شاومينج"، بينما يتمادى شاومينج في تحديه واستعراض قوته.

شاومينج دائمًا لديه خطط بديلة، وصفحات بديلة. الأخطر أنه يعرف خطط الوزارة لمكافحته ويعلنها على الملأ، ينشر نتائج اجتماعات الوزير فور حدوثها، ويطلب من الطلاب عدم التوقيع على تأجيل الإمتحان، ينتظر وصول أوراق الامتحانات الى اللجان ثم يُسرب الإجابات، وهكذا.

برر شاومينج أفعاله بأنه يستهدف تطوير النظام التعليمي من خلال إظهار الخلل الذي لحق به.. شاومينج يهدم المنظومة من أجل إعادة بنائها.

ينجح شاومينج في خلق عقدة درامية تستدعي المواجهة بين الطلاب والحكومة. وأصبح أيقونة جديدة لجيل تربى على الإفصاح والتعبير عن الرأي وانتقاد السلطة بأريحية. رفض الطلبة إعادة الإمتحانات، نظموا مظاهرتين واقتربوا من مشارف التحرير ومحمد محمود، نفس المواقع المفضلة في القاهرة لمحبي التغيير، كل هذا حدث بسبب شاومينج .

 

صورة لمظاهرات الطلاب يوم 27 يونيو 2016- 

لكن.. من هو شاومينج؟

 

في بوست له بتاريخ 26 يونيو2016، يقول شاومينج: "على فكره مش أنا اللي بسرب، ناس من الوزارة هي اللي بتسرب الامتحانات.. في غِل من الناس الي شغاله في الوزاره كمان". ويقول أيضا في حوار أجراه معه - أو بالأحرى مع صفحته - موقع كايرو دار في 2015: إنه يرى "الدروس الخصوصية طريقة مشروعة لضبط الحال الاقتصادى للمدرس، فى ظل تقصير وزارة التربية والتعليم تجاههم".

ربما يكون شاومينج هو أحد المدرسين الناقمين، أو شاب يستعين بمسئول نافذ في الوزارة، أو نفس الجهة التي سرّبت مكالمات السيسي ومساعديه، فالتسريب بدأ في قصر الرئاسة أولاً.

الانقسام بين التعاطف مع شاومينج والنقمة عليه، تنطلق من اتقانه صناعة العُقد الدرامية التي تؤلب المجتمع على السلطة، وتضعه في مواجهتها، فمن جانب ربما يكون هو من أشعل حرائق الغورية والرويعي بغرض إثارة غضب التجار على النظام، أو هو قائد "أهل الشر". لكن قد يكون هو من يزعم أن تيران وصنافير مصرية، ويدعم خالد علي وأصدقاءه بالوثائق، أوهو من سرّب خطة وزارة الداخلية في أزمتها مع نقابة الصحفيين.

الثابت أن هذا الشاومينج نجح فيما خطط له؛ اخترق نظامًا مهترئًا منتهي الصلاحية، لا يقوى على المقاومة. جند الشباب من خلال انحيازه لمصالحهم ثم حرضهم على المقاومة.

أدوات شاومينج تمثلت في قدرته على الولوج لمكتب الوزير ولجان وضع وطباعة الامتحانات. والأخيرة، عملية تسيطر عليها أجهزة الأمن منذ سنوات. بالإضافة للسيطرة على صفحة إلكترونية تُدار بشكل احترافي قريب من روح الشباب. من المؤكد أن شاومينج يقبع داخل أروقة "شبه الدولة المصرية"، تلك الدولة التي تنفلت تدريجيًا، وتخسر معركة تلو الأخرى أمام ثورة المعرفة والإتصالات. وفيما يبدو هي غير قادرة على ضبط الصراع بين أجنحتها. دولة لم تستطع اللحاق بالثورة الصناعية، فداهمتها ثورة أعنف هى ثورة المعلومات، تقضي عليها من الداخل أولاً.

اقرأ أيضًا: رمضان شهر تسريب الامتحانات.. والمسلسلات

شاومينج ينتهج نهج البطل الهوليوودي فانديتا، والبطل الشعبي علي الزيبق، يُحدث ضجيجًا دون الإعلان عن شخصه، يطلق الشعارات (#دولة_مش_قد_إمتحان)، يؤمن بالمنهج الراديكالي الفاقد لأي أمل لإصلاح المنظومة الحالية، رغم دعواته التي تتكرر كل عام للإصلاح. الأدهى أنه يتحدى السلطة بشكل غير مرئي، شاومينج الأناركي يستبدل منظومة التعليم بمؤسسات شعبية أفقية تغيب فيها التراتبية الهرمية، إنه مركز شبكة، وليس قائد تنظيم بالمعنى التقليدي.

ربما يتحول شاومينج قريبًا لأيقونة ثورية مصرية جديدة، ليس بالضرورة أن يقودها "شاومينج" مسرِّب الامتحانات. فـ"شاومينج" أكثر من مجرد اسم مستعار، هو اسم يخفي فكرة قاتلة للجمود: "المعلومة هي السلاح".

هو حلقة في سلسلة المواجهات بين محبي التغيير وكارهيه، بين قوة المعلومة وغلق المجال العام، بين أجيال الإنترنت وأجيال الألة الكاتبة. مواجهة تشبه تلك التي جرت في نهاية القرن الثامن عشر بين الفرنسيين ومماليك مصر، حيث وقف البارود والعربات في مواجهة الخيول والسيوف.