لوحة لجون فردريك لويس

مترجم | المسلمون وتاريخ من التسامح مع المثلية الجنسية

منشور الاثنين 27 يونيو 2016

ترجمة عن سكرول 

بعد عدة أيام من حادث إطلاق النار الذي قام به "عمر متين" بداخل أحد الملاهي الليلية الخاصة بالمثليين في أورلاندو، بدأت الدوافع وراء فعلته تطفو على السطح أخيرًا. زعم عمر متين أنه على علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية، والقاعدة، وحزب الله معًا – وهي المجموعات المتمردة الأبرز في غرب آسيا، والتي تشترك في عدائها لبعضها، وتبنيها أفكارًا دينية متعارضة – صرح المحققون في أمريكا بأن عمر غير مدرك للفروق بين المجموعات الثلاث، الأمر الذي يُضعف احتمال كون الحادثة تتعلق بـ "الإرهاب الإسلامي"، كما رجحت التخمينات الأولية.

قتلت الشرطة عمر، بعد أن فتح النيران على مرتادي ملهى للمثليين مخلفًا 49 قتيلًا على الأقل، مساء الأحد يونيو/حزيران الماضي، في واحدة من أكبر عمليات إطلاق النار المميتة في تاريخ امريكا.

يشاع أن عمر ذو التاسعة والعشرين من عمره كان من الرواد المنتظمين للملهى الذي نفذ فيه الهجوم، وأنه كان يستخدم تطبيق مواعدة خاص بالمثليين جنسيًا. كما انتشرت تقارير عن أشخاص كان عمر دعاهم للمواعدة في الفترة الاخيرة، وأفادت زوجته أنها "تعتقد أنه مثلي"، وأن والد عمر – مهاجر من أفغانستان – كان سخر منه بسبب ميوله الجنسية. وفي أولى تصريحاته بعد الحادث، قال والد عمر: "في الواقع، أعتقد أن الرب يمكن أن يعاقب المثليين".

وصم المثلية الجنسية

هل يمكن إذن أن يكون عمر نفذ الهجوم نتيجة ميوله الجنسية والعار المرتبط بها في الأوساط الإسلامية؟ لا أن يكون دافعه هو "الإرهاب الاسلامي"؟  

التعددية الجنسية والديانات المحافظة يمكن أن تكوّنا مزيجًا سامًا كما يمكن أن نتخيل. يقول ديفيد شاريمادراي في جريدة الجارديان: "إذا كان عمر يشعر أنه مدان نتيجة لانجذابه للرجال، فيمكن أن يكون شعوره ناتجًا عن إيمانه بأن الدين الذي يعتنقه سيدينه نتيجة لهذه الميول".

بينما يعتبر هذا دافعًا واضحًا يحتاج الى المزيد من الاثبات، إلا أن الحقيقة المثبتة هي أن الأوساط الإسلامية المعاصرة تدين المثلية الجنسية. لا يستطيع المثليون اليوم بداخل البلاد الإسلامية التصريح بميولهم دون الخوف من تعرضهم للاضطهاد، أو وصمهم بالعار، بل وإيذاءهم جسديًا.

على الرغم من هذه الحقائق، فمن الضروري جدًا إيضاح أن رهاب المثلية ظاهرة حديثة في الأوساط الإسلامية، وأن المجتمعات الإسلامية، ولفترات طويلة، كانت متسامحة مع الحب المثلي.

العصر الذهبي

في أوج عصر الخلافة الاسلامية أو ما يُعرف بالعصر الذهبي، وهي الفترة الممتدة من منتصف القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر الميلادي، والتي بلغت فيها الحضارة الإسلامية ذروتها على الجانبين الثقافي والمدني، كانت المثلية الجنسية أمرًا يُكتب عنه ويُناقَش على الملأ بشكل صريح وتلقائي.

أبو نواس (756- 814) هو واحد من أبرز الشعراء الكلاسيكيين العرب في العصر العباسي. كتب أبو نواس عن ميوله المثلية ورغباته وعلاقاته في قصائد شعرية جامحة ظلت متداولة حتى القرن العشرين.

كان أبو نواس شخصية مهمة تاريخيًا، حتى أنه ذُكر مرتين في كتاب "ألف ليلة وليلة "، ولم يبدأ العرب بالخجل من شعره إلا في مطلع الألفية الجديدة. قامت وزراة الثقافة المصرية بإحراق 6000 نسخة من شعره في عام 2001؛ بعد رضوخها لضغوط الإسلاميين الأصوليين.* 

على الرغم من أن معظم المسلمين المعاصرين يحلمون دائمًا بالعودة للعصر الذهبي الإسلامي؛ إلا أنهم في الواقع يعلمون القليل جدًا عن طبيعته.

قال الصحفي المصري- البلجيكي خالد دياب في تغريدة له: "ليس لدى داعش أي فكرة عما تعنيه استعادة الخلافة. في بغداد كانت الخلافة تضمن وجود: الخمور، قصائد الخمريات، العلوم، و شاعر بلاط مثلي".

ظلت بغداد لفترات طويلة العاصمة الثقافية الأولى لأغلب العالم – نيويورك عصرها – وإذا كان أبو نواس وقصائده الجامحة واحدًا من أبرز من يمثلون بغداد و حضارتها، فأنه من الطبيعي أن تكون المجتمعات العربية الأخرى بنفس الانفتاح.

يذكر المؤرخ سليم كيداوي في كتابه "الحب المثلي في الهند": "الرجال ذوو الميول المثلية موجودون دومًا في تاريخ القرون الوسطى، ويتم الحديث عنهم بدون إضافة صفات التحقير وتعليقات الازدراء".

الكتابة عن الحب المثلي

في وقت ما كانت المجتمعات الإسلامية تتكلم بانفتاح عن الحب المثلي، بل واحتفت به، ولم تُحَقّره. محمود الغزنوي السلطان المتوج في الفترة ما بين عامي 971 و1030، خير مثال على ذلك، فوسط الكثير من الحقائق المتعلقة به، كان على علاقة حب مع رجل آخر يدعى مالك إياز. 

وكتب الإمبراطور المغولي بابر عن انجذابه لغلام في أحد الأسواق، وكتب ذلك في سيرته (بابر نامه) التي تعود إلى القرن السادس عشر، والتي طالما اُحتفي بها في العالم الإسلامي بالعصر الوسيط. 

في القرن الثامن عشر، كتب دارجا كولي خان، وهو نبيل من دكا، كان في رحلة إلى دلهي، وصفًا رائعًا للمدينة في "كتاب دلهي"، ومن بين ما وصف كان انتشار المثلية الجنسية في الأوساط الهندية الإسلامية. 

حتى القرن التاسع عشر، عامل المسلمون المثليين كجزء من المجتمع. ودرس الطلاب قصائد رومانسية عن المثلية الجنسية، وهو موضوع ما زال شائكًا إلى اليوم حتى في بعض دول الغرب. يقول كيداوي:"يضم كتاب (روضة الورد) لسعدي الشيرازي قصص حب مثلي بين الرجال، وكانت مقررة في الدروس التعليمية التي يتلقاها التلاميذ الفرس". 

 

القانون الاسلامي

بالطبع اعتبر الإسلام المثلية خطيئة، و ذلك استنادًا على النص القرآني المتعلق بـ "قوم لوط". من المثير للاهتمام أن الشريعة – المظلة التي يُسند لها الكثير من الأحكام القانونية الإسلامية، وترجع إليها المدارس المختلفة التي تحكم المجتمعات المسلمة – ليس فيها عقاب للمثلية بذاتها؛ لكن العلاقة المثلية غير قانونية لوقوعها تحت البند الأكبر: "الزنا". وبالتالي لن تُنفذ عقوبة المثلية أيضًا سوى بوجود 4 شهود عيان على الفعل الجنسي، وهو شرط صعب التحقق. هذا الأمر الذي وصفه شارحو الإسلام كالشيخ حمزة يوسف على أنه نوع من "الحيلة الشرعية". وبالفعل، وخلافًا للمجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى، فحوادث معاقبة المثليين جنسيًا في المجتمعات الإسلامية نادرة. 

كيف إذن انتقل المسلمون من قراءة القصائد الجامحة التي تصف الحب المثلي بشكل عفوي، الى تجريم ووصم هذا الحب؟ من الصعب جدًا الوصول لسبب مقنع لهذا التغير، ولكن هناك صدفة مثيرة للاهتمام: هناك خمس دول مسلمة مختلفة اليوم، لا تجرم المثلية الجنسية وهي مالي، والأردن، وإندونيسيا، وتركيا، وألبانيا. والعامل المشترك الوحيد بين الدول الخمس المتباعدة هو أنها لم تخضع للاستعمار البريطاني.

أثر الاستعمار

في عام 1858، ألغت الإمبراطورية العثمانية تجريم المثلية، وذلك قبل سنتين من قيام الحكم البريطاني في الهند بسن قانون العقوبات الهندي، والذي تنص المادة 377 فيه على تجريم المثلية، والذي استمر العمل به في الهند، وباكستان، و بنجلاديش إلى يومنا هذا.

كان لقانون لعقوبات الهندي في عام 1860 أثر كبير في وعي المجتمع الهندوسي تجاه المثلية. واليوم، وبعد أكثر من 70 سنة على الاستقلال، لم يفلح البرلمان في إلغاء هذا القرار. صرحت سبمارينا سوامي، العضوة بالبرلمان الهندي عن حزب بهاراتيا جاناتا اليميني، أن حزبها يعتبر المثلية الجنسية "خللًا جينيًا". والغريب في هذا أن الديانة الهندوسية، وعلى العكس من الإسلامية والمسيحية، لا تضم أي نصوص تحرم الحب المثلي. 

يبدو إذن أن المحافظين المسلمين والهندوس في الهند تجاهلوا تاريخهم وساروا على نهج الحكم الاستعماري دون علم منهم، في الوقت الذي تخلت فيه الدول الغربية الأوروبية عن هذا الميراث، معلنة أن حقوق الإنسان مكفولة للجميع، بغض النظر عن اختلافاتهم، والتي تتضمن ميولهم الجنسية.


* نفت وزارة الثقافة المصرية آنذاك قيامها بإحراق الكتب.