المستشار يحيي الدكروري.. الخصم والحَكَم

منشور الأحد 26 يونيو 2016

بعد حكم القضاء الإداري بإبطال اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، صار المستشار يحيى الدكروري رئيس المحكمة اسمًا يتداوله الجميع، خاصة أن الحكم يسير على غير هوى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن عدم رغبته في سماع كلام آخر في هذا الشأن، وكذلك على غير رغبة الحكومة المصرية التي سخّرت كل إمكانياتها لدعم الاتفاقية، ووظفت قبضتها الأمنية المشددة لتعطيل المظاهرات المعارضة للاتفاقية وحبس المتظاهرين.

ولكن قبل حكم إبطال اتفاقية ترسيم الحدود وعودة جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة المصرية، كان ليحيى الدكروري تاريخ طويل في الأحكام المثيرة للجدل، بعضها كان على غير هوى الحكومة بالفعل، ولكن البعض الآخر لم يكن كذلك. 

أشهر الأحكام التي قام بها الدكروري قضت بوقف الانتخابات البرلمانية في عهدي الرئيس المعزول محمد مرسي والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. ففي عام 2013 أوقفت محكمة القضاء الإداري برئاسة الدكروري الانتخابات البرلمانية التي دعا لها الرئيس مرسي لتقام في أبريل/نيسان من العام نفسه، تلك الدعوة التي لاقت معارضة كبيرة. ولكن مع ذلك اعتبر البعض الحكم رغبة من السلطة القضائية لتعطيل الإخوان من استكمال المؤسسات التشريعية، خاصة مع وجود صدام قائم بين نظام الإخوان والقضاة آنذاك. أما يحيى الدكروري فاعتبر هذا الحكم بداية لعدم اعتبار قرار دعوة الناخبين قرارًا سياديًا لا يمكن الطعن عليه. 

كرر المستشار الدكروري إيقاف انتخابات مجلس النواب في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرة بسبب قانون تقسيم الدوائر والأخرى من أجل تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات رقم 70 لسنة 2015، بضرورة إجراء الكشف الطبي على المرشحين، وهو ما استجابت له الحكومة التي نجحت في إجراء الانتخابات مع نهاية عام 2015.

حلاوة روح

في أبريل/نيسان عام 2014 قام رئيس الوزراء المصري آنذاك، إبراهيم محلب، بوقف عرض فيلم "حلاوة روح" من إنتاج محمد السبكي وإخراج سامح عبد العزيز وبطولة هيفاء وهبي، وأحيل الفيلم الذي اُتهم بالتعدي على الآداب العامة إلى الرقابة لاتخاذ قرار بشأنه. طعن السبكي منتج الفيلم على قرار منع العرض، وقبلت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار يحيى الدكروري الطعن، هذا الذي اُعتبر انتصارًا لحرية التعبير. 

ولكن القضايا التي نظرها الدكروري والتي يمكن أن توضع تحت بند حرية التعبير لم تمض على هذه الشاكلة طوال الوقت. في مايو/آيار عام 2015 قضى المستشار يحيى الدكروري بحجب المواقع الإباحية بعد دعوى المحامي نزار غراب. وبخلاف أنه بات من الواضح أن الحكم يصعب تنفيذه على أرض الواقع، تلقى البعض الخبر بتشكك وظهرت تخوفات من أن يفتح هذا الحكم الباب لحجب مواقع أخرى لأسباب غير متعلقة بالإباحية. 

وضمن جملة الأحكام المتعلقة بأمور أخلاقية، تبنى حكم المستشار يحيى الدكروري في أبريل/نيسان 2015 رأي وزارة الداخلية، التي قررت منع طالب ليبي مثلي الجنس من دخول مصر، ولم تقبل محكمة القضاء الإداري برئاسته دعوى الطالب اعتراضًا على القرار. وبالإضافة إلى كون القرار هنا جاء على هوى الحكومة، فهو يمكن أن يعتر حُكمًا محافظًا، ومخالفًا للقوانين الدولية.

وإذا كانت الأحكام السابقة أحكامًا قضائية لا ينبغي بالضرورة أن تعبر عن شخصية القاضي المتجرد عن الأهواء الشخصية في قاعات المحكمة، إلا أن الدكروري عبر عن آراء شخصية محافظة في تحقيق أجرته جريدة الدستور عن حق المرأة في العمل كقاضية، وذلك في مارس/آذار 2010، وصرّح الدكروي في التحقيق: "إن تلك القضية محسومة برأي الشرع وإجماع الفقهاء بعدم جواز تولي المرأة القضاء". وكانت حجة الدكروري هو أن عمل المرأة بالقضاء قد يصطدم بالمسائل الشرعية: "عندما تعمل المرأة قاضية في دوائر المحاكم، يستوجب عملها أن يغلق عليها باب غرفة المداولة مع قاضيين أو أكثر من الرجال، ألا يعتبر اجتماعها معهم لساعات طويلة خلوة غير شرعية، وتساءل: هل هذا يجوز؟". 

 

مع الحكومة وضدها

مرة أخرى وقفت محكمة القضاء الإداري برئاسة يحيى الدكروري أمام حكومة إبراهيم محلب، بل وأمام الرئيس الفتاح السيسي نفسه، عندما حكمت بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بتطبيق قانون الحد الأقصى للدخول للعاملين بأجر لدى الدولة على العاملين ببنوك القاهرة والأهلى المصرى والتعمير والإسكان والمصرف المتحد في يونيو/حزيران 2015.

جاء الحكم على غير هوى الحكومة، وعلى غير هوى الناشطين المهتمين بالحقوق الاقتصادية. ولكنه كان مرضيًا للعاملين بالبنوك الحكومية، التي سيكون لديها سابقة للخروج من طائلة الحد الأقصى للأجور.

ويذكر أن علاقة المستشار الدكروري بالبنوك المصرية لا تتوقف عند النظر في الأحكام المتعلقة بها. يعمل المستشار الدكروري كمستشار قانوني للبنك المركزي المصري منذ عام 2001، وعُين كعضو في مجلس إدارة البنك عام 2015. 

يحيى الدكروري الذي اصطدمت أحكامه برغبات السلطة أكثر من مرة، انتمى على عدة فترات بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، فبالإضافة إلى البنك المركزي عمل من قبل مستشارًا قانونيًا لمجلس الوزراء ووزارة التعليم ومجلس الشعب في عهد فتحي سرور. 

الدكروري الذي التحق بمجلس الدولة عام 1976 ينتمي إلى عائلة تزخر بالمستشارين واللواءات. وفاز برئاسة نادي قضاة مجلس الدولة لفترتين متتاليتين. ويظل حكمه في قضية ترسيم الحدود حكمًا تاريخيًا، يراه البعض انتصارًا للإرادة الشعبية المصرية على حساب السلطة، ويراه البعض الآخر تدخلًا قضائيًا في العمل السياسي.