يوميات صحفية برلمانية | منع النواب من الكلام بأمر عبد العال

منشور الأحد 22 مايو 2016

 

ليس بالضرورة أن تكون صحفيًا لتُمنع من النقد أو الكلام تحت ضغوط رئيسك أو ضغوط السلطة، وليس بالضرورة أن تكون مواطنًا يكتب رأيه على فيسبوك أو تويتر لتكون مُهددا بموجب ما يُدبَّر من قوانين تحت مسمى الجريمة الإلكترونية تحت قبة المجلس.

(1)

عزيزي القارئ، نواب البرلمان أنفسهم أصبحوا مهددين اليوم، ولم يتردد رئيس المجلس علي عبد العال في توجيه النقد واللوم والتلويح بإحالتهم للجنة القيم، سأروي لكم ما جرى وبعدها نستكمل أهم الكواليس:

فجأة وبدون أي مقدمات وأثناء وجود وزيري التخطيط والمالية، قال عبد العال: "يجب على النائب التحدث وفقًا لمعلومات صحيحة مستقاة من مصادرها، وليس معلومات مغلوطة، البعض انتقد محافظ البنك المركزى في برامج التوك شو، مما أضر بالاقتصاد القومى، وهناك جهات طالبت أن نلفت النظر لهؤلاء الأعضاء".

وقال عبد العال للنواب: "لجنة القيم في انتظار أي نائب ينتقد سياسات الحكومة النقدية، تلك الأحاديث ليست مطلوبة في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، والمرحلة الدقيقة والحساسة التي نعيشها".

غلفت تحذيرات عبد العال نبرة صوت حادة وعالية وانفعال واضح، وتحدث عن 3 مراكز لتدريب النواب، دون الإفصاح عن أسمائها، وقال إنها تدرب على انتقاد السياسة العامة للدولة ومجلس النواب، وأضاف: "المركز يعلمهم كيفية الإساءة للمجلس، والمؤسسات الدستورية، فهناك حملة ممنهجة فى الخارج تساعدها فى الداخل لهدم المؤسسات الدستورية".

وقاطعه أحد النواب قائلًا: "أعلنها يا ريس"، ليتجاهل عبد العال النائب ويقول: "إن حرية الرأي لها حدود ولا تعنى التجريح أو القذف أو السب أو التعرض لسياسة البلد للخطر ، فمثلًا كان ممنوعًا فى حرب الخليج نشر خلاف ما ينشره الرقيب العسكرى".

واعترض النائب محمد كمال لما اعتبره اتهامًا للنواب، فقال عبد العال إنه لا يشكك في وطنية أحد، وتقدم عدد من النواب بورقة مكتوبة لرئيس المجلس معترضين على خطابه وقع عليها أحمد الطنطاوي ومحمد عبد الغني وهيثم الحريري وخالد عبد العزيز شعبان.

ورفض عبد العال منح الكلمة للنائب هيثم الحريرى، وقال إنه لن يسمح بانتقاد السياسات المالية للحكومة، ولا يقبل الاعتراضات حول قرارات الدولة وثوابتها الوطنية، وأضاف: "أي خروج عن هذه الضوابط سيكون للمجلس وقفة مع المتسبب في ذلك". واختتم كلامه بأن حرية التعبير مقيدة في ديمقراطيات العالم وأن الولايات المتحدة أثناء حرب الخليج، لم يكن هناك فيها صوت يعلو فوق صوت "الرقيب العسكري".

وعلّق مصطفى بكري على ذلك قائلًا: "إن حرية التعبير مكفولة داخل المجلس، ونعلم طبيعة المخاوف التي عبرت عنها وإضرارها بالاقتصاد الوطنى بفضل الشائعات ونحن فى اللحظة التاريخية الهامة". ولم يفوّت الفرصة وتحدث عن قوى تحاول اختراق الأمن القومى المصرى، وملايين الجنيهات تُدفع لمنظمات بقصد تدريب أعضاء بالبرلمان. ووجه كلامه لعبد العال قائلًا: "ووصلكم طلب تسفيرهم بالخارج للتدريب من إحدى الدول الاوروبية"، فرد عبد العال: "وأنا رفضت".

واعترض بكرى على قرار عبد العال بتحويل النواب للقيم، قائلًا: "لا يمكن حرماننا من الكلام الذى سنقوله بروح المسؤولية الوطنية، وإحالة أي نائب للجنة القيم بسبب رأي غير مقبول".

(2)

كلام عبد العال يأتي متسقًا تمامًا مع أجواء الستينيات، ومع التوجه الذي يسعى لمحاصرة الفضاء الإلكتروني ومساحات التعبير التي تؤرق النظام منذ سنوات، وأيضا التضييق على الصحافة وخاصة الإلكترونية والتمييز بينها وبين الورقية في عهد تلجأ فيه صحف عربية وعالمية لوقف النسخ المطبوعة والاكتفاء بجمهور الانترنت.

لكن المثير أيضًا في كلام رئيس المجلس الموقر حديثه عن تلقي النواب تدريبات في مراكز بحثية. مفهوم بالطبع تحفظ السلطة ورجالها على العمل الأهلي والتمويل الأجنبي ولكن هذا الحديث يطرح عدة تساؤلات: عن أي مراكز يتحدث؟ وما هي المؤسسات التي ما زال لديها أموال تُمَكّنها من تنظيم تدريبات من هذا النوع بعد غلق حنفية التمويل؟ ومن هم النواب الذين لا يمانعون تلقي هذا النوع من التدريبات إذا كان أكثر من نصف المجلس أعضاء في ائتلاف دعم مصر المعروف بتركيبته المؤيدة للسلطة، والنصف الآخر إما لا يقبل فكرة التمويل الأجنبي ويعتبرها خيانة وإما يسير بجانب الحيط ويخشى دائرة الشبهات؟

لم أصل لاجابات شافية عن هذه الأسئلة ولكني وصلت لعدد من الملاحظات والمعلومات، منها أنه يوجد استياء لدى قطاع كبير من النواب من حديث عبد العال، ولا يعرف النواب ما هي المراكز التي يتحدث رئيس المجلس عنها، ولكن أحدهم أشار إلى قرار أصدره عبد العال منذ فترة بمنع رامي محسن مدير المركز المصري للدراسات البرلمانية من دخول المجلس.

(3)

في سياق منفصل عقدت لجنة الاقتراحات والشكاوى اليوم اجتماعًا بحضور اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع لمناقشة مقترح قدمه النائب عبد المنعم العليمي لزيادة مكافآت المقاتلين الحاصلين على أنواط عسكرية في حرب أكتوبر وما قبلها. ليس مهمًا مضمون المشروع فقد رفضته اللجنة بإجماع أعضائها، لكن المهم ما قاله مساعد وزير الدفاع الذي أوضح أنه يأتي لمجلس النواب ممثلًا عن وزير الدفاع منذ عام 1988.

شاهين كشف أن العليمي سبق وتقدم بهذا المقترح في مجالس سابقة وناقشته في أعوام 2000، 2004، 2005، وفي كل مرة كان يوصي برفضه ورفضته المجالس السابقة. ووجه شاهين عتابًا للنواب وقال: "كنت آمل أن أحضر للحديث عن الشهداء الذين يموتون في سيناء ويواجهون الارهاب في أي منطقة على مستوى الجمهورية، مش عايز اقول ايه الموجود على الحدود". ولم يوضح هل يوجد مخاطر أهم واعمق مما نعرفه أم لا؟ ولم يكشف عن ما يدور في هذه المناطق. كما لم يغفل شاهين التحدث عن دور القوات المسلحة ومساعدتها لأفرادها في الخدمة أو الخارجين منها، واستخدم منطق "ده احنا نقدم مساعدات للمدنيين يبقى مش هنساعد العسكريين؟"

(4)

أزمة الطائرة المنكوبة لم تلق مجالًا للحديث سوى من خلال كلمة مقتضبة لعبد العال نعى فيها الضحايا وأشاد بشركة مصر للطيران، ودعا لانتظار التحقيقات لمعرفة أسباب الحادث. الطريف أن عبد العال دعا النواب في كلمته للوقوف بجانب أسر الضحايا، لكن الأعضاء تسرعوا ووقفوا قبل إنهاء جملته معتقدين أنهم سيقفوا دقيقة حدادًا على أرواح الضحايا، لكن رئيس المجلس استكمل كلمته ودعاهم للوقوف دقيقة حدادًا في ختام حديثه.