فريد.. إزاي أنساك؟

منشور الاثنين 23 مايو 2016

يقدم الكتاب صورة حقيقية عن زمن الأفلام والأحداث الفنية بعيدًا عن حالات الحنين للماضي واعتبار هذه الفترة "الزمن الجميل" وتصوير الماضي كسلسلة من الحب والجمال والفن دون إظهار المشاكل والعداوات والصراعات

ربما أعادت الأجيال الجديدة اكتشاف فنانين مثل محمد فوزي وعبد الوهاب وأم كلثوم، ساعد على ذلك البحث والعثور على أعمال مبكرة وغير شهيرة لهم ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن لم يحظ "فريد" بنفس القدر من إعادة الاكتشاف.

كتاب جديد صدر عن فريد الأطرش، الذي خفت الاهتمام به بين الأجيال الجديدة، وعلى الرغم من ارتباط الكتاب بسلسلة "آفاق السينما" إلا أنه أحاط بالجوانب المختلفة لشخصية "فريد" سواء شخصيًا أو سياسيًا أو غنائيًا، وذلك دون التخلي عن نشاطه السينمائي المرتبط بالسلسلة، وحمل الكتاب الذي ألفه نبيل حنفي محمود عنوان "فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائي". 

 

غلاف الكتاب

من خلال الكتاب يمكن ملاحظة تيمة "الصراع" كعنوان لحياة فريد الأطرش، بداية من صراعه مع ظروف الحياة الصعبة في مصر والتي لجأت إليها والدته بسبب الظروف السياسية في الشام، ثم الصراع من أجل إثبات وجوده فنيًا في بلد مليء بالمواهب المتنافسة، ثم صراعه مع مرض القلب الذي أصابه مبكرًا و لكنه استمر برغم ذلك في الغناء وتقديم الأفلام الغنائية حتي آخر أيام حياته.

يتميز الكتاب بتوثيق المعلومات من مصادرها كلما أمكن، إذ شملت المراجع كتبًا مختلفة عن "فريد" وعن السينما المصرية و أيضا المجلات والجرائد المعاصرة للأحداث مثل" "الراديو المصري" و"الراديو" و"البعكوكة" و"الكواكب" و"الأهرام" و"الأخبار" وغيرها، مما يعطي القاريء صورة حقيقية عن زمن الأفلام والأحداث الفنية بعيدًا عن حالات الحنين للماضي واعتبار هذه الفترة "الزمن الجميل" وتصوير الماضي كسلسلة من الحب والجمال والفن دون إظهار المشاكل والعداوات والصراعات.

يعرض الكتاب لـ 31 فيلمًا قام فريد الأطرش ببطولتها عرضًا كاملًا بداية من وجود ملحق يتضمن أسماء جميع العاملين وموعد العرض الأول ومكانه وزمنه، و يعرض المؤلف ملخصًا لقصة كل فيلم و ظروف إنتاجه وأهم ما كُتِب عنه من نقد.

 

استعراضات وكوميديا ونجاح

يقسّم الكتاب أفلام "فريد" إلى أربع مراحل أولها "البحث عن هوية"، أو مرحلة البدايات الناجحة. يظل أبرز أفلام هذه المرحلة حتي الآن هو "انتصار الشباب" 1940، الذي شاركت "أسمهان" في بطولته، والذي يرى أغلبية النقاد أنه أول فيلم استعراضي ناجح في السينما المصرية وجاء فيلم "أحلام الشباب" كاستثمار لنجاح الفيلم الأول، وربما لا يعرف الكثيرون أن مخرج هذا الفيلم هو "كمال سليم " صاحب فيلم "العزيمة"، وكان الفيلم الأول الذي تقوم ببطولته مديحة يسري وحقق نجاحًا ليؤكد صواب الرهان علي فريد الأطرش، بينما جاء الفيلم الرابع في هذة المرحلة "جمال و دلال" عام 1945 كمفاجأة غير سارة لفريد الأطرش فكان أول فيلم يفشل تجاريًا لفريد، والطريف أن الفيلم كتب له السيناريو وأخرجه الممثل ستيفان روستي، وكان أول تجاربه في اخراج الأفلام الغنائية، وفشل الفيلم علي الرغم من استخدام طريقة مبتكرة للدعاية لأول مرة وهي توزيع إعلانات الفيلم عن طريق طائرة. 

أما ثاني المراحل فهي مرحلة "الأفلام الاستعراضية" ومن الطريف أن فيلم "حبيب العمر" وهو واحد من أنجح أفلام هذه المرحلة ومن أنجح أفلام فريد علي الاطلاق و باكورة إنتاجه كانت سبقته فكرة اختيار رواية "دعاء الكروان" من أجل أن ينتجها فريد، وقام بالفعل بشرائها من طه حسين  بعد أن التقي به بصحبة المخرج هنري بركات وذلك بمبلغ 600 جنيه بعد مفاوضات بدأت بـ 1000 جنيه طلبها طه حسين، ولكن بعد الشراء وجد بركات أنه من المستحيل تحويل هذه القصة لسيناريو يناسب وجود أغاني متعددة لفريد الأطرش، فتم تأجيل الفيلم و تكليف بديع خيري بكتابة قصة تصلح لفريد و كان فيلم "حبيب العمر " الذي كان بليغ حمدي يضرب به المثل  كنموذج للفيلم الغنائي الناجح.

وكما شهدت تلك المرحلة تألق الثنائي فريد الاطرش وسامية جمال، شهدت أيضًا انفصالهما الفني في عام 1952، وجاء فيلم "إزاي انساك" الذي استعان فيه فريد بالراقصة لبنانية "نادية جمال" - لاحظ الاسم- و رأي البعض أن قصة الفيلم هي قصة اكتشاف فريد لسامية جمال،  ليكتب الناقد ثروت فهمي في مجلة "الجيل" مقالة بعنوان: "هل صحيح أن فيلم (إزاي أنساك) هو قصة فريد و سامية؟" لترد سامية جمال قائلة: "فريد الأطرش لم يُظهرني ولم يشهرني، صاحب الفضل هو الفنان عبد الوهاب". و يرد فريد عليها قائلًا: "اتق شر من أحسنت إليه، لن يُسعد سامية جمال أن أروي قصتها".

 

قليل من الاستعراض.. كثير من الأدب

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة "الأفلام الغنائية" وشملت 13 فيلمًا، وبدأ فريد فيها الاستعانة بقصص و روايات من الأدب العالمي و المصري مثل  فيلم "عهد الهوي" عن رواية "غادة الكاميليا" وفيلم "الخروج من الجنة" عن قصة لتوفيق الحكيم، وهي المرحلة التي بدأ فيها فريد الأفلام و الشخصيات ذات الطابع التراجيدي، وهو ما انتقده الناقد سامي السلاموني بقوله إن فريد يكون في أفضل حالاته كممثل في الأدوار الكوميدية و "أنه خسر كثيرًا من موهبته هذه عندما جنح في أفلامه الأخيرة الي لعب دور العاشق الرومانسي الولهان، الذي يستعذب النكد وظلم الأحباء والأقدار، فبدأ النواح بأشياء من نوع (يا قلبي يا مجروح) و(بنادي عليك)".

وفي هذه المرحلة يأتي الفيلم الثاني الذي فشل تجاريًا لفريد وهو فيلم "ودعت حبك" وهو أول تعاون لفريد مع شادية ومع المخرج يوسف شاهين، وكان السببان الرئيسيان للفشل هما قيام العدوان الثلاثي خلال الأسبوع الأول لعرض الفيلم مما أدي إلى إغلاق دور السينما، ولم يُقبل الجمهور على مشاهدة الفيلم بعد إعادة عرضه وذلك لأن نهاية الفيلم كانت وفاة فريد وهو ما لم يتقبله الجمهور.

و جاء فيلم "من أجل حبي" ليحمل معركة من نوع آخر إذ استقبله محرر الصفحة الأخيرة بـ "الاهرام" بنقد حاد بطريقة غير معتادة وذلك في أيام عرض الفيلم الأولى، وهو ما أرجع البعض أسبابه للمنافسة الشرسة التي كانت تدور بين فريد وعبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم، والتي كانت تُستخدم فيها أسلحة متعددة، وكان سلاح فريد في الرد هو صلاح سالم عضو مجلس قيادة ثورة يوليو 1952، والذي كان يشغل منصب رئيس تحرير جريدة "الجمهورية"، والذي تصدرت صورته الصفحة الثالثة وهو واقف بين فريد و ماجدة (بطلة الفيلم) في حفل افتتاح العرض الأول، وكتب سالم مقالة عن الفيلم بعنوان "من أجل حبي.. الفيلم الغنائي العربي كما يجب أن يكون".

الهروب اللبناني

و تأتي المرحلة الرابعة و الأخيرة من مراحل أفلام فريد بعنوان "المرحلة اللبنانية" و التي قدم فيها أفلامه الثلاثة الأخيرة "الحب الكبير" و"زمان يا حب" و"نغم في حياتي".

و هناك أكثر من سبب لمغادرة فريد إلى لبنان، منها المشاكل الإنتاجية التي واجهها فيلم "الخروج من الجنة"، ومنها المضايقات الأمنية في تلك الفترة، إذ نشر الصحفي ضياء الدين بيبرس مقالة عام 1993 بعنوان"المخابرات طلبت من بنك القاهرة عام 1961 معلومات عن مصادر إنفاق فريد الأطرش"، و يأتي الفيلم الأخير لفريد "نغم في حياتي" وسط ظروف صعبة، إذ قامت مصلحة الضرائب في مصر بتقدير ضرائب متأخرة عليه بقيمة 120 ألف جنيه مما استتبعه الحجز علي إيرادات افلامه وإسطواناته، مما دفعه إلى افتتاح ملهي ليلي في بيروت باسمه، و تدهورت صحته  لدرجة أنه لم يقدر علي حضور العرض الخاص لفيلمه وأرسل شقيقه "فؤاد الأطرش" لحضور العرض الخاص في يوم الخميس 26\12\1974 ليفارق الحياة في هذا اليوم.

فريد الذي نعرفه عن طريق التمثيل والغناء والتلحين لنفسه لم يكتف بذلك، ولكنه قدم الموسيقى التصويرية لـ 20 فيلمًا روائيًا وأربع مقطوعات موسيقية وتعاون مع أبرز الموزعين الموسيقيين مثل فؤاد الظاهري و أندريا رايدر و عزيز صادق، بالإضافة إلى مجموعة من أشهر وأنجح الأوبريتات الغنائية السينمائية التي أصبحت من العلامات التي لا تنسى.



فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائي

د. نبيل حنفي محمود

سلسلة آفاق السينما 2016