ندى القصبي - من صفحتها الشخصية

ندى القصبي: حب الوطن "مش" فرض عليا

منشور الأحد 29 مايو 2016

 

كانت الأعوام التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير، بمثابة خط فاصل في حياة ندى القصبي، يقطع بين مصر التي كانت تمثل لها: "الحلم والمكافأة اللي كنت استناها من السنة للسنة" عندما تأتيها في إجازة من السعودية؛ وبين مصر "التي لا يعمِّر فيها سوى الفساد واالظلم". 

منح إنهاء الدراسة الثانوية لندى التي نشأت وعاشت في السعودية، فرصة للعيش في الحلم/ مصر  أربع سنوات كاملة، درست خلالها في كلية رياض الأطفال بجامعة الإسكندرية. تقول ندى: "كانت مصر تمثل لي كل التفاصيل الصغيرة، المرجيحة الحديد التي صنعها عمّي على سطح المنزل، الشرفة ودولاب ألعابي ودكّان الحلويات. بيت جدّي وخُبز جدتي. أتذكر أحلام الطفولة بأن أهرب إلى هناك وأظل ألعب بالأرجوحة إلى الأبد".

 

بجانب البحر

تقول الفتاة العشرينية، إن حب مصر تطور لديها من التعلق بالتفاصيل الصغيرة المرتبطة بالبيت والطفولة؛ إلى خطوط أكبر وأعرض: "في السعودية كنت أقرأ الكتب عن مصر؛ أتعرف على حرب أكتوبر ويوليو 52، وأشعر بعظمة بلادي. لكن ذروة إحساسي بهذه العظمة جاءت مع ثورة 25 يناير".

عندما اندلعت الثورة كانت ندى لا تزال في الثانوية العامة، وفي اللحظة التي نقلت فيها الفضائيات الغربية والعربية هتافات الثورة، رفعت ندى عينيها عن كتب الثانوية، ولم تستطع إزاحتها عن الشاشة التي تنقل هتافات الميدان. وتؤكد أنها لم تشعر بالاقتراب والانتماء لمصر كوطن إلا عندما سمعت تلك الهتافات ورأت - عبر الشاشة - تلك الحشود: "كنت أبكي أمام التلفاز من مشهد التحرير وأتساءل عمّا أفعله هنا [في السعودية] في وقت يمتلئ فيه الميدان بكل هؤلاء؟ أتذكر أني حادثت ولدًا لا أعرفه على فيسبوك، فقط لأطلب منه تقبيل زملائه في التحرير".

تواصل ندى: "لم أكن أشعر مثل الثوار بظلم وقع علي من البلد. لم أكن أعيش فيها كمن نزلوا وتظاهروا. لكن شيئًا ما كان يجعل قلبي منتفضًا مع هؤلاء، لم أكن بالثقافة الكافية وقتها لأعي قيم الحرية والمساواة، لكن شعرت كأني أحب مصر من أول نظرة".

حزمت ندى أمتعتها، وحضرتك تذكرة كانت تظن أنها عودة لمصر بلا ذهاب.

 الخطة كانت دراسة رياض الأطفال، ثم إتمام الدراسات العليا، والعيش في الأسكندرية، في صحبة أهلها.  لكنها غيرت خطتها بعد تتابع أحداث أكد لها - كما تقول-  أن حبها لهذا البلد قد يؤذيها، لتأخذ قرارًا حاسمًا بشراء تذكرة عودة للسعودية، لا تدري إن كانت ستشد الرحال بعدها في الإتجاه المضاد مرة أخرى.

في البداية، أخذتها تفاصيل المدينة الساحلية، وتفاصيل جلسات الكورنيش وجولات السير الطويلة الهادئة. تقول المصرية الهاربة للسعودية بإرادتها: "مع الوقت اكتشفت إني باتنفس في إسكندرية، وإن مش ناقصني غير وجود بابا". لم يتركها البحر حتى عند قرارها بالرحيل، أخدت قليلاً منه معها في زجاجة نشرت صورتها عبر صفحتها الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك.

 

تحتفظ بمياه البحر كتذكار من مكانها المفضّل "الأسكندرية"

لكن شاطئ الاسكندرية وحده لم يكن قادرًا على الاحتفاظ بالحب والتعلق الذي وُلد بقلب ندى تجاه مصر لفترة طويلة: "لم أستطع الصمود أمام الفساد المنتشر في كل مكان حولي، لا أستطيع التمتّع بخدمة رغم دفعي لمقابلها المادي، معاملة سيئة في المكاتب ومشاكل وفساد في الكلية".

 تتذكر فترة الدراسة الجامعية وتحكي: "أتذكر أني عندما دخلت اتحاد الطلبة، ومع أول نشاط أنظمه؛ قال لي الموظف: إن الميزانية خلصت! ميزانية السنة التي مازالت في بدايتها خلصت!". حتى أساليب الدراسة ساهمت بدور غير قليل الأثر في تنفير الفتاة من البقاء في مصر: "حتى التخصص الذي أحبه؛ كانت المناهج وطريقة تدريسها تصيب باليأس. أحسست أن نهايتي في مصر ستكون موظفة جالسة تصرخ في وجه الأطفال، وتحاول إنهاء رسالة الماجستير لزيادة مرتبها. لا أريد أن أكون هذا النموذج، ولا أن أنخرط في الحياة بهذا الشكل".

كان النقطة الفاصلة المؤدية لقرارها كما تحكي، هو احتجاز إسراء الطويل: "هي مش أصعب قضية ومش الوحيدة، لكني رأيت نفسي في إسراء وجواباتها التي كانت تنتشر من فترة لأخرى. خفت أن يحدث لي مثلها، أدركت أن حبي لهذه البلد قد يكون مؤذيًا لي فرحلت".

ورغم تعلقها بأسرتها، قررت ندى دونًا عن إخوتها العودة وحيدة إلى السعودية: "مازلت أتعلّق بالبحر وذكرياتي هناك. لكني هنا ]في السعودية[ على الأقل أسد دينًا تجاه المكان والمدرسة التي تعلمت فيها منذ نعومة أظافري". تعمل القصبي الآن مدرّسة في إحدى مدارس رياض الأطفال في السعودية.